“أشرف صريح جداً”، هكذا علّق الرئيس سعد الحريري على كلام اللواء أشرف ريفي أثناء استقبال الحريري. إذاً، لم تقتصر المصالحة على مد اليد بل أضيفت اليها المصارحة، خصوصاً عندما تأتي من خلاف مستحكم استمر 3 سنوات، وانتهى في منزل الرئيس فؤاد السنيورة بلقاء، استتبع بلقاءات وزيارات متبادلة، على أن يكون الاثنين موعد الفوز المتوقع لديما جمالي، يوماً آخر.
ثلاثة أيام في طرابلس، بَدت فيها المدينة كأنها تستقبل توافقاً بين قواها السياسية الاساسية، بترحيب مشوب بالمطالبة الدائمة بتفعيل الانماء، ورفع الحرمان، وقد باتت هذه اللغة أكثر اولوية من اولويات وطنية أخرى، وهي ستكون العامل الحاسم في تحديد نسبة التصويت، على رغم من الفوز المتوقع لجمالي.
روى السنيورة لـ”الجمهورية” فصولاً من تولّي الرئيس رفيق الحريري رئاسة الحكومة، تصلح لأن تُستعاد اليوم، وتحدّث عن “ضرورة الاصلاح الذي كان يفترض ان يتم قبل زمن طويل، ولكنه وبسبب التقاعس والمماطلة عن القيام به في ذلك الوقت باتَ للأسف إصلاحاً إجبارياً، ما يعني انه بات أكثر كلفة وأكثر إيلاماً، اذ هناك فارق كبير بين وقف الهدر في وضع شبه سليم، ووقفه تحت وقع أزمة كبيرة تطل برأسها”.
يستعمل السنيورة الأمثال ليدعم المعادلة التي يطرحها، مرة يورد المثل ويكتفي تاركاً لتحليل المستمعين أن يُكمِل المهمة، ومرة يشرح وقلائل من السياسيين يستعينون بالأمثال (كان الرئيس الاميركي التاريخي لينكولن يستعمل هذا الأسلوب).
يستذكر رفيق الحريري ومؤتمرات باريس لدعم لبنان، ليصل الى “سيدر” فيصفه كالآتي: “المجتمع الدولي قرر مساعدة لبنان، ملمّحاً الى انّ مساعدات مؤتمر “سيدر” وكأنها موجودة في الطبقة العشرين من مبنى كبير، لا يوجد فيه مصعد.
وبالتالي، فإنه يتوجب على لبنان ان يصعد الدرج، فإذا تبيّن أن لديه ارتفاعاً في الضغط يجب أن يعالج هذا الارتفاع، وإذا تبين في الطابق الرابع انه مصاب بداء المفاصل، فيجب ان يعالج الامر، وهكذا دواليك، ليصل الى الطبقة العشرين. وقد قام بواجبه في تنفيذ الإصلاحات التي تأخر تنفيذها وطال الامر على الالتزام بها، كل ذلك من اجل التأكيد أنّ المساعدة ستُمنَح لجسم سليم، فلا تذهب سدى”.
كان تركيز السنيورة على الدستور و”اتفاق الطائف” أساسياً، ولهذه المعادلة مثل معبّر أيضاً: “نحن الآن ندخل جرّاء هذا المس المتمادي بصورة الدولة، في طرق جانبية، كل طريق منها يؤدي بنا الى طريق آخر يبعدنا عن الهدف المنشود، فيما المطلوب العودة الى الأوتوستراد الاساسي الذي يعني ضرورة العودة الى المبادئ الأساسية والى تصويب البوصلة نحو الاتجاه الصحيح الذي يتم من خلاله الحفاظ على الدولة وصورتها وهيبتها وحضورها، منعاً لاستمرار الخسارة على الجميع”.
كذلك شدد السنيورة على “الوحدة والتضامن لدعم الرئيس الحريري في مواجهة الضغوط التي يتعرض لها من بعض القوى التي تتوسّل العصبيات الطائفية والمذهبية والميليشيوية”، داعياً الى “واجب التصويت الكثيف في انتخابات طرابلس لكي تعطي المدينة الرسالة للوطن كله ولجميع اللبنانيين ولأشقائه العرب وللمجتمع الدولي، وهي أنّ الكثرة الكاثرة من اللبنانيين متمسّكة بـ”اتفاق الطائف” وبالدستور ومنطق الدولة القادرة وسلطتها العادلة على كل مرافقها وأراضيها، وكذلك بإعادة الاعتبار للكفاية والجدارة والانجاز في تَسلّم المناصب في إدارات الدولة ومؤسساتها”.
ساهمت زيارة السنيورة في تحريك العصب الطرابلسي لترجمته في استفتاء الغد، “دعماً للحريري وتدعيماً لمنطق الدولة”، وعلى طريقته أعطى الأمل بالصمود، وبالتقدم ولو خطوة خطوة، نحو استعادة الدولة. ترافق مع ريفي، وتبادل مع الرئيس نجيب ميقاتي عبارات الترحيب والمودة، في مأدبة أقامها الوزير السابق رشيد درباس تكريماً لمَن رعى المصالحة، وغادر طرابلس الى حيث تنتظره مهمة صَون المصالحة، تلك المصالحة التي كانت أيضاً طبقاً رئيساً في لقاء جمعَ الحريري وريفي والصفدي عند ميقاتي، والخلاصة دينامية سنيّة جديدة تستثمر وحدة الصف في مشروع يحمي الدولة.