أخبار عاجلة
بخاخ أنفي واعد قد يبطئ تدهور أدمغة مرضى ألزهايمر -
ما هي فوائد العسل قبل النوم؟ -

ما مخطّط “الحزب” لهذه المرحلة؟

ما مخطّط “الحزب” لهذه المرحلة؟
ما مخطّط “الحزب” لهذه المرحلة؟

كتب شارل جبّور في “الجمهورية”: 

تتعامَل معظم القوى السياسية مع المرحلة الفاصلة بين انتهاء الانتخابات النيابية والدخول في المهلة الدستورية للانتخابات الرئاسية بكونها مرحلة انتقالية لا تتطلّب أكثر من تقطيع الوقت، وتسجيل النقاط بانتظار إعادة تركيب السلطة مع رئيس الجمهورية المقبل.

نجح «حزب الله» في الحفاظ على ماء وجهه في الانتخابات الداخلية لمجلس النواب على أثر انتخابات تراجَع فيها حليفه المسيحي وخرج حليفه الدرزي من الندوة البرلمانية واختُرقت دوائره بلوائح المجتمع المدني وفقد مُحاوره السني ولو من موقع ربط النزاع، فوضعَ كل جهده سعياً للتعويض بالمفرّق عن خسائره بالجملة، وهذا الجهد لم يمنحه سوى الوصول إلى أكثرية النصف زائداً واحداً في إطار أكثرية متحركة لا جامدة، وبراغماتية مصلحية لا عقائدية أيديولوجية، ما يعني ان سقف قدرته النيابية هو 65 نائباً، وهذا العدد مرشّح للانخفاض لا الارتفاع.

وقد سارَع «حزب الله» بعد الانتخابات النيابية إلى محاولة التقاط أنفاسه من خلال الحدّ من خسائره تجنّباً لخسارة إضافية، فحاولَ فَرملة تراجعاته عند حدود الانتخابات وألّا يكون لها ترجمات مجلسية ولاحقاً حكومية وأخيراً رئاسية، وإذا كان قد نجح «على الحفّة» في الاختبار الأول وفي مؤسسة معني بها مباشرة، اي مؤسسة مجلس النواب، فهل ينسحب نجاحه على التكليف ومن ثمّ التأليف؟

لا شك انّ كل القوى تعدّ العدة من أجل معركة التكليف التي تعتبر مفصلية، حيث أنّ انتزاع فريق 8 آذار للتكليف يعني استمرار القديم على قدمه وتأليف حكومة لا تختلف عن الحكومة الراهنة او الحكومات السياسية السابقة، ولكن بيت القصيد يبقى في مدى قدرة هذه الحكومة على إخراج لبنان من الأزمة التي يتخبّط بها منذ أكثر من سنتين تقريباً، إذ ما قيمة الحكومة إذا كانت ستُبقي لبنان في دوامة الأزمة نفسها؟ وهل تأليف الحكومة هو وصفة ثابتة كالدواء الذي يُعطى لعلاج معيّن، أم ان لكل مرض وصفة مختلفة ودواء مختلف، خصوصاً انّ الوصفة نفسها أبقَت البلد في الانهيار، ولا إمكانية للخروج منه سوى بحكومة مختلفة في تركيبتها وبرنامجها عن كل الحكومات السابقة.

لكنّ انتزاع فريق المعارضة للتكليف يمنع بداية تشكيل حكومة بمواصفات المرحلة السابقة، هذه المرحلة التي يجب القطع معها نهائياً، لأنّ العودة إليها يعني الاستمرار في دوامة الأزمة والفشل. وبالتالي، يكفي ان يكلّف رئيساً مدعوماً من مكونات المعارضة التعددية من أجل وضع المواصفات والمعايير التي على أساسها يجب ان تشكل الحكومات، وان تُخاض الانتخابات الرئاسية وكل الاستحقاقات على أساس برامج ومشاريع ورؤى، لأنّ الخلاف القائم هو بين مشروعين سياسيين.

وقد أثبتت الأحداث والتطورات انّ التعايش بين هذين المشروعين لم يقدِّم حلاً للأزمة اللبنانية بأبعادها السياسية والمالية، إنما على العكس من ذلك أدى إلى مزيد من تعميق هذه الأزمة، وطالما انّ هناك استحالة لانتصار مشروع على آخر، فلا بدّ من الفصل بينهما على قاعدة موالاة ومعارضة، وغير مفهوم الإصرار على حكومات الوحدة الوطنية سوى من باب ان يؤمّن هذا المشروع الغطاء لذاك المشروع، ولو أدّت هذه الحكومات إلى النتيجة المطلوبة فلا بأس من تكرارها واستنساخها، إلا انها أخذت البلد من السيئ إلى الأسوأ، ولم تتمكن من معالجة ملف واحد، فلا الكهرباء حلّت ولا المعابر غير الشرعية أقفلت، ولا ثقة الناس بالدولة استُعيدت، ولا اي شيء على اي مستوى عولِج. وبالتالي، ما الفائدة من الإصرار على المنحى نفسه الذي جُرِّب ونتائجه معروفة ولن تختلف عمّا سبقها؟

وبما انّ الفريق الحاكم قد حكمَ طويلاً والبلاد وصلت معه إلى ما وصلت إليه، فإمّا ان يواصل حكمه منفرداً ويتحمّل لوحده التبعات الكارثية لإمساكه بالسلطة، وإما ان يفسح في المجال أمام غيره من أجل ان يضع قواعد جديدة للحكم ويسعى لإخراج لبنان من أزمته، فلا أنصاف حلول على هذا المستوى، خصوصا بعد تجربة طويلة لا تحتمل المساومة والمُسايرة.

وعندما كان يملك الفريق الحاكم الأكثرية النيابية لم ينجح في إدارة البلد، لأن المشكلة طبعاً في إدارته، ولكن كيف سيتمكّن من الحكم وهو بالكاد يملك النصف زائداً واحداً في ظل أكثرية متحركة وغير جامدة ومرشحة في الاستحقاقات المقبلة لأن تصبح في المقلب الآخر المناقِض لما حصل في مجلس النواب؟ فالأكثرية البسيطة التي نالها في الانتخابات الداخلية في مجلس النواب لا تخوِّله تأليف حكومة، خصوصا انه يفتقد إلى حليف سني أساسي، كما يفتقد إلى الثقة الشعبية بقدرته على إدارة حكومة بعدما باءت كل حكوماته بالفشل.

ومن الواضح ان فريق 8 آذار يريد ان يضع كل ثقله من أجل انتزاع التكليف قطعاً للطريق على المعارضة وكي تبقى مبادرة التأليف بيده، فإذا وجد ان هناك إمكانية لضَم مكونات معارضة معه تحت عنوان تحييد السلاح يذهب باتجاه التأليف، علماً ان هذا الاحتمال ضعيف جدا بسبب قناعة مكونات المعارضة على اختلافها انّ هذا الفريق ليس في وارد الإقدام على خطوات إصلاحية في اي قطاع من القطاعات، وبالتالي المشاركة معه ورقة محروقة تؤدي إلى حرق مَن يَتشارك معه في حكومة واحدة.

وفي حال لم يجد انّ هناك فرصة لتأليف حكومة تحظى بمشاركة مقبولة وتأييد نيابي مقبول وتوحي بالثقة للناس، يُبقي على الحكومة الحالية التي يسيطر على معظم مفاصلها، خصوصاً ان عمر الحكومة الجديدة في حال تألفت سيكون قصيرا جدا. ولذلك، يُفضِّل الإبقاء على الحكومة الحالية من دون تحدي القوى الأخرى واستفزازها بحكومة من لون واحد تؤدي إلى تعميق الشرخ معه، فيما هو بحاجة إلى ترميم بعض الجسور من خلال انتخابات رئاسية وحكومة جديدة تعيد ترتيب الوضع معه وبمشاركته.

فرهان فريق 8 آذار و»حزب الله» تحديداً هو على المرحلة المقلبة التي يعتقد انّ بإمكانه عن طريق الانتخابات الرئاسية إعادة تركيب السلطة بما يخدم أهدافه، لأن حكمه المنفرد للبلد أبقاه في أزمة ما بعدها أزمة، وهو أدركَ عجزه عن الحكم من دون الفريق الآخر، ولا يريد في الوقت نفسه الخروج من السلطة التي يعتبر وجوده فيها مسألة من طبيعة وجودية واستراتيجية وغير خاضعة للنقاش. وبالتالي، أولويته في هذه المرحلة ستكون مثلّثة الأضلع:

الضلع الأول: انتزاع تكليف رئيس الحكومة من أجل ان يُبقي مبادرة التأليف بيده وعدم منح الفريق الآخر المبادرة التي تضعه في موقع رد الفعل وتؤدي إلى خربطة مخطّطه، ولذلك، يجب تَوقُّع تكراره لسيناريو الانتخابات الداخلية في مجلس النواب في محطة التكليف.

الضلع الثاني: تقطيع الوقت وتمريره بحكومة تصريف الأعمال بانتظار الدخول في المهلة الدستورية للانتخابات الرئاسية، اي بعد أقل من ثلاثة أشهر، من أجل الوصول إلى انتخابات رئاسية تعيد إنتاج كل السلطة.

الضلع الثالث: التخفيف من الاحتقان السياسي والتناقض المتعلِّق بدوره وسلاحه من أجل تسهيل التوافق على السلطة في كل مواقعها الدستورية في المرحلة المقبلة، بعدما أيقنَ انّ أسلوبه وممارسته وسلوكه أوصَلوه إلى الحائط المسدود والذي انعكس على وضعيته السياسية على مستوى البلد عموما وبيئته خصوصا.

فالمُهادنة التي بدأها «حزب الله» بعد الانتخابات النيابية سيواصلها حتى الانتخابات الرئاسية، ولكن من دون ان يُساوم طبعاً على رئيس جمهورية او رئيس حكومة او حكومة تكون ضده، إنما من دون ان يتمسّك بالمقابل بهذه الثلاثية إلى جانبه لمعرفته بعجزه عن الحكم منفرداً، وذلك تجنباً لمزيد من حصار مشروعه الذي لمس مدى تضرُّره في الانتخابات.

ولكن كل مخطّط «حزب الله» سيبوء بالفشل في حال نجاح المعارضة في انتزاع التكليف ووَضعها معايير حكومات المرحلة المقبلة ومواصفات رئيس الجمهورية المقبل، فهل ستتوحّد المعارضة وتسدّ الثغرات البسيطة والطبيعية التي واجهتها في الانتخابات الداخلية للمجلس؟

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى