كتبت راكيل عتيّق في “الجمهوريّة”:
ما حصل في لبنان حتى الآن كان من المُفترض أن يؤدّي الى انفجارات وليس انفجاراً، لكنّها لم تحصل. إلّا أنّ هذا الاحتمال يبقى قائماً، خصوصاً أن لا حلّ الّا في الخارج. فالداخل ليس لديه حلّ ولا يريد حلاً أساساً. إذ إنّ معظم السياسيين لا يزالون يطالبون بحقائب وزارية محدّدة، ولم يتغيّر نهجهم في الحكم، فيما أنّ التغيير الذي أفرزته الانتخابات النيابية لا يُعوّل عليه في هذا الإطار. لذلك تبقى العين على الخارج، لجهة إذا كان سيُكمل تدخّله لمنع السقوط النهائي للبلد. هكذا تختصر مصادر ديبلوماسية مطّلعة المشهد اللبناني في المرحلة المقبلة.
هذا الخارج، والغرب تحديداً، بدءاً من الأمم المتحدة، يدعو الى حكومة جامعة في لبنان، على رغم تشديده على ضرورة إجراء الإصلاحات. والسبب وراء هذه الدعوة، أنّ الغرب يريد أن يتعامل مع سلطة في لبنان، وهو لن يأتي بجيش ليحكم البلد كما «يحلم» البعض، بحسب المصادر نفسها. وسبق أن حاول الخارج أن يساعد في الانتخابات النيابية لتحسين الطبقة السياسية، وتدخّل بكلّ قوته، للوصول الى بعض التحسين. غير أنّ الحلّ النهائي سيأتي من الخارج، ومرهون بالمفاوضات السعودية – الإيرانية، وليس المفاوضات الأميركية – الإيرانية حول الاتفاق النووي. ويبقى الأمل الوحيد لإحداث تغييرٍ فعلي وجذري في لبنان، أن يحصل انفتاح على هذا الخط، إذ على أساسه يحصل ترتيب لموضوع الميليشيات التابعة لإيران، ما يؤثّر على لبنان، فهو الباب الوحيد للحلحلة، وفق المصادر إيّاها. أمّا الحكومة الجامعة، التي يريدها بعض الخارج، فهدفها فقط أن يتعامل هذا الخارج مع سلطة واحدة في لبنان، وبالتالي إنّ تركيز الغرب الآن، على مستوى لبنان، ينحصر بتنظيم الداخل في انتظار الحلّ الخارجي.
وفي حين يرى البعض أنّ لبنان لم يعد يملك ترف انتظار هذا الحلّ الخارجي، تشير المصادر الديبلوماسية، الى أنّهم يقولون منذ سنوات إنّ لبنان غير قادر على الانتظار، إلّا أنّه انتظر وينتظر. وذلك لأنّه كلّما وصل البلد الى «مهوار» يسنده الخارج ويتدخّل لمنع انهياره، لأنّ مصالح هذه الدول تقتضي عدم وصول لبنان الى مستوى الفوضى والتفلّت.
إنطلاقاً من ذلك، إنّ أي مسعى يُحكى عنه لجمع اللبنانيين ولاجتراح حلول للبلد، إن كان فرنسياً بموافقة أميركية، أم غيره، لن يكون هدفه أبعد من ترتيب الأوضاع، ولن يصل الى موضوع سلاح «حزب الله»، الذي يعتبره أفرقاء أساسيون في لبنان سبب أزمة البلد. ولذلك، طلب الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، وضع موضوع السلاح جانباً الآن، على أن يُصار الى البحث فيه بعد سنتين. إذ بحسب ما تشرح المصادر الديبلوماسية، أراد نصر الله الإشارة الى أنّ هذا هو الوقت الذي تتطلّبه المفاوضات السعودية – الإيرانية تقريبياً، فانتظروا قليلاً لكي تنتهي هذه المفاوضات ويتبيّن الخيط الابيض من الاسود فيها، وعندها سيجري الحديث في السلاح بكلّ الحالات، لأنّ هذه المفاوضات ستقرّر دور الميليشيات المتحالفة مع إيران.
لذلك، إنّ جمع اللبنانيين لن يكون لهدف وضع السلاح على طاولة البحث أو مقايضته بمكاسب لـ«حزب الله» أو الشيعة في مواقع السلطة. وتشير المصادر نفسها، الى أنّ هدف الفرنسيين، ومنذ زمن، أن يجمعوا اللبنانيين، لكن المشكلة تكمن في أنّ اللبنانيين غير قادرين على الحلّ، وهذا الحلّ في الخارج، فسلاح «حزب الله» لا يُحلّ داخلياً وعلى المستوى المحلّي بل على المستوى الإقليمي، من خلال المفاوضات الإيرانية – السعودية. وبالتالي، إنّ أي محاولة لإصلاح الأمور داخلياً لا تتعدّى هذه الحدود. فالفرنسيون يعلمون أنّ هذا الموضوع لا يُحلّ لبنانياً – لبنانياً، لأنّ هناك أفرقاء في لبنان تحرّكهم قوى خارجية. فأي حوار لبناني – لبناني، يُمكنه تغيير اتجاه «حزب الله» ودوره؟
وبالتالي، يجب التفرقة بين مستويات ثلاثة يتأثر فيها لبنان:
– المستوى المحلي، إنّ تركيز الغرب سيكون على ما يستطيع أن يفعله الداخل، وما يهمّ الخارج، أن تكون هناك مرجعية محلية لكي يتعامل معها، وهذه حدود «اللعبة» و«التحرّك» تجاه لبنان في هذه المرحلة.
– المستوى الإقليمي، إنّ سلاح «حزب الله» وعلاقة إيران مع دول الجوار، مرتبطان بالمفاوضات السعودية – الإيرانية.
– المستوى الدولي، الحلّ النهائي يكون بين واشنطن وطهران في ما يتعلّق بالسلاح النووي.
ولا يجب الخلط بين هذه المستويات الثلاثة، بحسب المصادر نفسها، خصوصاً في ما يُحكى عن اتفاقات بين القوى اللبنانية، لأنّ قرار هذه القوى يقف عند حدود لا تصل الى المستويين الإقليمي والدولي. وبالتالي، إنّ الفرنسيين، يعملون، في انتظار الحلّ الإقليمي، على ترتيب الوضع الداخلي، ليكون هناك نوع من القرار الوطني يمكنهم التعامل معه، وهذا حدود عملهم.
لكن، في حين يريد الخارج سلطة في لبنان يتعامل معها، يلوح شبح الفراغ حول السلطة التنفيذية، بجناحيها: رئاسة الجمهورية والحكومة. وإذا وصل الوضع في لبنان، إلى فراغٍ دستوري، سيتدخّل الخارج، عبر سلاحين: المساندة أو العقوبات. فالعقوبات الأميركية كانت فعّالة سابقاً، بحسب المصادر الديبلوماسية، علماً أنّ واشنطن لديها قوانين شاملة يمكنها من خلالها فرض أي نوع من العقوبات على المسؤولين والسياسيين في لبنان. وبالتالي، إذا وصل الوضع إلى مرحلة التفلّت والفراغ، واضطر الغرب إلى الدفع نحو التهدئة داخل لبنان، لكي لا ينهار، فهو يملك جزرةً في يد وعصا في يد.