داود رمال – الأخبار
هي مواجهة صامتة يخوضها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ضد كل من يحاولون عرقلة معركة إعادة بناء الدولة على أسس العدالة والكفاية. دعوته مفتوحة إلى كل القوى والكتل السياسية للتلاقي من أجل بناء وطن، «ورثناه عارياً بلا شيء يستره»
لا يتردد رئيس الجمهورية ميشال عون في إطلاق موقف واضح من أزمة تأليف الحكومة. «وفقاً لنتائج الانتخابات النيابية، يجب أن تتشكل الحكومة بذات المعيار، لا أكثر ولا أقل. نحن اعتمدنا قانوناً انتخابياً وفق القاعدة النسبية حتى تتمثل الأكثريات والأقليات. هناك أفرقاء لم يرُقهم الأمر واعتبروه كارثة، لأنهم خسروا نفوذاً كبيراً، وتقلصت أحجام الكتل الى ما يجب أن يكون عليه التمثيل الحقيقي، ولم يعد بالإمكان مد اليد إلى حقوق الآخرين واستباحة تمثيل احد، وهؤلاء الذين خسروا حجمهم المنفوخ لم يتقبّلوا الحقيقة بعد، والبعض ذهب الى التهكم والعناد والتمترس خلف حصرية تمثيل الطائفة لامتلاك الفيتو الميثاقي، وتجربتنا مع هؤلاء في مجلس الوزراء غير مشجعة على الإطلاق، فهم يوافقون على ما يخصّهم ويتحفظون على كل ما عدا ذلك».
لا يخفي رئيس الجمهورية أمام زواره عتباً على الرئيس المكلف سعد الحريري، ولكن من باب المحبة، «فهو سار بالقانون الانتخابي على القاعدة النسبية، والذي أدى الى خسارته 15 نائباً من كتلته. إنهم يطوّقونه بالعقبات والمطالب التي لا تنسجم مع نتائج الانتخابات، وفجأة وجدنا الخارج أصبح داخل اللعبة، بعدما فعلنا المستحيل لإبعاد الخارج وتكريس الاستقلالية بعد الذي جرى مع رئيس مجلس الوزراء في 4 تشرين الثاني، ولكن ليس على أساس أن ندخل في متلازمة ستوكهولم».
كثيرة هي الإنجازات المحققة والتي يورد بعضها الرئيس عون في خلال سنة ونصف سنة «على صعيد القوانين والمراسيم وقرارات مجلس الوزراء، وتلزيم النفط والغاز الذي كان شرطاً لدي أن يدرج أول بند على جدول أعمال أول جلسة مجلس وزراء في عهدي. أوقفنا المناقصات بالتراضي. أنجزنا التشكيلات القضائية بعد سنوات من الانتظار، وكذلك التشكيلات الديبلوماسية.. ولكن البشع هو الهجوم على العهد استناداً الى أمور وهمية غير موجودة، ووصل بهم الأمر الى التحريض على قريبين من العهد وتهديدهم في مصالحهم وأشغالهم في دول العالم، من خلال بثّ أكاذيب عن أن فلاناً أو فلاناً تبرّع لحزب الله، وهذا الأمر سنواجهه قضائياً».
أين أصبحنا في عملية تأليف الحكومة؟
الجواب الرئاسي واضح، «العقد على حالها، فالقوات اللبنانية تريد خمسة وزراء، وهذا ليس من حقها، والحزب التقدمي الاشتراكي يريد الوزراء الدروز الثلاثة لكي يمسك بالميثاقية داخل مجلس الوزراء، وأي قانون لا يعجبه يستخدم الفيتو الميثاقي. وليس صحيحاً أن رئيس الجمهورية وتكتل لبنان القوي يريدان الثلث الضامن. أنا في موقعي الدستوري لا أحتاج الى ثلث ضامن، والسؤال لماذا يجمعون رئيس الجمهورية مع تكتل لبنان القوي؟ وليس صحيحا أن هناك مطالبة بالحصة المشتركة لكي يكون لنا 11 وزيراً. شخصان يستطيعان وقف عمل مجلس الوزراء هما رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في حال حصل خلاف بينهما، وهذا لن يحصل. ورغم التحريض والتمسك بالسقوف العالية، أرى أن تأليف الحكومة سيكون قريباً».
وعندما يسأل الرئيس عون عن سبب فتح البعض معركة الرئاسة مبكراً ومنذ الآن؟ لا يتردّد في القول مبتسماً «ربما لوجود شخص في رأس السبق اسمه جبران باسيل يطلقون عليه كل أنواع الحروب، وهذه الحروب لا تزعجه ولا تزعجني، وكلما رموا شائعة يواجههم بالحقيقة، من قصة الحسابات المالية يوم ردّ عليهم برفع السرية المصرفية عن كل حساباته والتي نشرت في الاعلام. نعم، هم يستطيعون أن يجدوا خطأ في خلال عملنا السياسي، لأن من لا يعمل لا يخطئ ومن يعمل يخطئ ويتعلم من خطأه، أما في موضوع المال «منفقي الحصرمة بعيون كل الناس»، ونتحدى الجميع وكل الأجهزة المحلية والخارجية ومن يريدون أن يثبتوا شيئاً من هذا القبيل».
ينظر عون بارتياح الى لقاء عين التينة الذي جمع الرئيس نبيه بري والوزير جبران باسيل بحضور نائب رئيس المجلس إيلي الفرزلي، «كانت هناك مرحلة حصلت فيها أخطاء بالسياسة وعبرت، وهذا يحصل دائماً. ففي المجالس النيابية لعدد من الدول يحصل تعارك بين ممثلي القوى السياسية، ولكن عندنا لا تصل الأمور الى هذا الحد، وأنا مرتاح لهذا اللقاء، وأرتاح لتلاقي كل القوى والكتل السياسية لبناء وطن ورثناه عارياً بلا شيء يستره».
وعما إذا كان لقاء عين التينة سينسحب على المصالحة بين رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وباسيل على مائدة بعبدا، لا يمانع رئيس الجمهورية ذلك، «فأبواب بعبدا مفتوحة للجميع، ومن يُرِد زيارتنا نستقبله، المهم أن يعرف الضيف ما يريد وأن نعلم ما يريد، لأن اللقاء من دون معرفة النتائج المتوقعة لمصالحة رجلين قد يفاقم المشكلة».
عن مستقبل العلاقة مع سوريا، يسمع الزوار من عون كلاماً واضحاً: «في سوريا الأمور انتهت، والمشكلة أن الناس في لبنان ما زالت تعيش الحرب. نحن أنهينا الحرب منذ بدأت، وقلت سوريا لن تقع ولن تهزم. في الثالث من آب 2012 كانت لي إطلالة تلفزيونية في ذروة التنبؤات بسقوط الرئيس الأسد، وتم تحديد مهل بالأشهر والأسابيع والأيام لسقوط النظام، ويومها قلت إن الرئيس بشار الأسد لن يسقط، وإذا شارف على السقوط فستندلع حرب إقليمية، وإذا الحرب الإقليمية لم تكن كافية، فستندلع حرب دولية. وعندما سئلت من سيساعد الأسد، قلت يومها روسيا والصين. دخلت إيران في عام 2012 وحزب الله في الـ 2013، وفي أيلول 2015 دخلت روسيا الحرب، ولم يسقط الأسد، بل ربح الحرب».
عندما يلحّ الزوار في السؤال عن إمكان عقد قمة لبنانية سورية قريباً، يفضّل رئيس الجمهورية الصمت، ويكتفي بالإشارة الى أن رئيس الجمهورية هو الذي يحسم في المعاهدات والاتفاقات والعلاقات الدولية، مستشهداً برفضه لما صدر عن مؤتمر بروكسل: «بصفتي رئيس الجمهورية أقسمت اليمين على الدستور والحفاظ على لبنان وسيادته واستقلاله، رفضت قرارات مؤتمر بروكسل، وأنا أعرف كيف ومتى أرفض وكيف ومتى أوافق. عندما وقّعت تفاهم مار مخايل مع حزب الله قامت عليّ القيامة. قالوا لي خسرت 20 في المئة من جمهورك، كان جوابي عندما يكتشفون أهمية هذا التفاهم على المستوى الوطني اللبناني سيرضون، وعندما تكون القضايا أساسية ومصيرية لا أراعي أحداً وحتى لا أراعي أي اعتبار شخصي يمسّني مباشرة، وهذا ينطبق على العلاقة مع سوريا وغيرها من الدول. أنا عندما اختلفت مع سوريا عندما كانت في لبنان، ويومها في ذروة المعارك بيننا وبينهم، قلت عندما تخرج سوريا من لبنان ينتهي الخلاف ونعود أصحاباً، وأنا أقول الجغرافيا هي التي تنتج السياسة، والتاريخ يخبرنا ماذا حصل، ولكن الجغرافيا تنتج السياسة، لماذا؟ لأننا نختلف مع جيراننا ومع أهلنا، أي مع القريب الذي تعيش معه، وهؤلاء الذين ينتجون السياسة. وحتى إذا حصل تحالف مع البعيد، يبقى أساس السياسة وسببها هنا، وسوريا أساسية بالنسبة إلى لبنان. عندما أقفل معبر نصيب (بين الأردن وسوريا)، تكبّد المزارعون والصناعيون والتجار خسائر ضخمة. الآن فتح المعبر، ماذا نحن فاعلون في لبنان؟ أنا أنتظر ماذا سيفعلون، ويكفي الاستماع الى الصناعيين والتجار لتعرف حجم حاجة ومعاناة هؤلاء».
لدى السؤال عن موعد زيارته لإيران، يؤكد رئيس الجمهورية «انها قائمة وفي الوقت المناسب، بما يخدم مصالح لبنان وبما يعود بالفائدة على البلدين».
وإذ يؤكد عون أن «مقاربته لعلاقات لبنان الخارجية وللتوازنات الداخلية لا تقاس وفق ما كانت عليه يوم كان في الرابية، بل وفق موقعه الدستوري الاول»، يؤكد «أن ملف عودة النازحين السوريين وضع من قبلنا على السكة الصحيحة، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم هو الموفد من قبلي لمتابعة هذا الملف مع السوريين، والجميع رضخ لإرادة لبنان بعودتهم، لأن من يمانع عودتهم يريد استخدامهم من لبنان ورقة ضغط ضد النظام في سوريا وفي لبنان، ولبنان يستطيع أن يعطي في هذا الملف ما قد أعطاه حتى الآن، أي الاستقرار الداخلي وهدنة على الحدود، وأكثر من ذلك لا يمكنه أن يعطي».
من يلتقِ الرئيس عون يسمع منه عتباً على الدور الأساسي للإعلام في معركة بناء الدولة، «لأن الصحافي هو الأكثر اطلاعاً على أوضاع الناس ووجعهم ومطالبهم ومخاوفهم، ولكن للأسف، ما هو جيّد يُعتّم عليه وما يخترع من سلبيات، هي ليست موجودة، يبرّز، حيث تكثر الادعاءات والتعرّض الشخصي للعهد ولكل من هو قريب من العهد، وتزداد الافتراءات بشكل بشع، وهي زادت كثيراً مؤخراً، وتركزت الحملات على رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل».
العلاقة مع نصرالله روحانية متبادلة: ووجدت فيه كل الصفات التي أحبها
يشدّد العماد ميشال عون على علاقته الجيدة والممتازة مع كل القوى السياسية. وعندما يُسأل عن العلاقة مع حزب الله يصفها «بالعلاقة الراقية التي لا تستدعي الكلام الدائم، والحزب يحسن جداً احترام المواقع الدستورية». أما عن سرّ علاقته مع السيد حسن نصرالله، فيقول «إنها علاقة روحانية، فقد وجدت فيه كل الصفات التي أحبها، وهو وجد الأمر ذاته، وأهمها الصدق، وهذا من الله». يضيف «أضحك طويلاً عندما أُتّهم بأنني أتلقّى الأوامر من حزب الله. هؤلاء يبدو أنهم لا يعرفون من هو ميشال عون الذي كان وسيبقى قراره ملء إرادته، ولذلك يحترمه الحزب الذي يعرف حدوده». الحديث مع عون يتناول ذكرى حرب تموز التي نعيش في ظلها حالياً، وعندما يُسأل عمّا إذا كان يخشى حرباً إسرائيلية جديدة يسارع الى القول «أبداً، وهذا أعلنته في محاضرة في عام 2008 عندما قلت لن تكتب الغلبة لإسرائيل بعد حرب تموز… والمهم أن نرتاح نحن في الداخل».