الوجع الكبير يقترب ويُهدِّد لبنان بالوصاية !

الوجع الكبير يقترب ويُهدِّد لبنان بالوصاية !
الوجع الكبير يقترب ويُهدِّد لبنان بالوصاية !

طوني عيسى – الجمهورية

في الأيام الأخيرة، بدأت تستفيق بعض الكوابيس: الليرة، المصارف، القطاع العقاري… ومعها انطلقت أسئلة مخيفة: هل إنّ لبنان معرّض فعلاً للانهيار أم إنه محميّ بـ«المظلّة الواقية» التي ضمنَت حتى اليوم، «في شكل عجيب»، عدمَ سقوط البلد الصغير، على رغم العلّات الكثيرة التي تضربه وتهدِّد استقرارَه الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي؟
حتى اليوم، بقي المسؤولون في لبنان مطمئنين إلى أنّ المجتمع الدولي لن يسمح بانهيار لبنان اقتصادياً، أياً كانت الظروف، لأنّ الاستقرار اللبناني، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، مطلوب ليستمرّ الحدّ الأدنى من شكل الدولة اللبنانية، حتى انتهاء أزمات الشرق الأوسط، كما هو مطلوب ليبقى لبنان «جنّة النازحين» فلا يهاجروا إلى أوروبا.

ولكن، يقول مرجع اقتصادي اضطلع بمسؤوليات رسمية في ملفات حسّاسة: إنّ وقت الدلع قد انتهى. ولبنان الذي وعد المؤسسات الدولية بالتزام الإصلاحات الاقتصادية والإدارية والسياسية وصَل إلى نهايات مرحلة المماطلة والتسويف. وقد آنَ الأوان للوجع الكبير، وسندفع الثمن إذا لم نتدارَك الأسوأ سريعاً.

يضيف: نحن اليوم أمام سيناريو اليونان يتكرّر، ولكن: اليونان تدخّلَ الأوروبّيون لإنقاذها، وأمّا نحن فلن نجد أحداً ينقِذنا، وسنمدّ أيديَنا إلى المؤسسات الدولية مجدّداً، وعندئذٍ، سيقال لنا: نحن ساعدناكم دائماً وأعطيناكم الفرَص منذ سنوات، مقابل وعود بالإصلاح والإنقاذ، ولم يتمّ الوفاء بأيّ وعود، وعلى العكس، جرى الاستغراق في الفساد وضربِ المؤسسات!

والأموال التي تدفّقت على لبنان في مرحلة 2007 – 2010، نتيجة تحويلات اللبنانيين المقيمين وغير اللبنانيين، نفِدت بسبب النهج المتّبع لإدارة الدولة منذ التسعينات، أي نهج الفساد. واليوم، وصلنا إلى الحضيض. وعلى رغم ما يَبذله مصرف لبنان لاستمرار دخول الحد الأدنى من الأموال إلى لبنان، فإنّ الاقتصاد اللبناني يختنق، وبدأت الأمور تخرج عن السيطرة.

لقد حذّرَنا البنك الدولي في العام 2007 من انهيار قريب، وقد كرّر ذلك مراراً. وفي تقديره أنّ لبنان سيواجه، في أمدٍ منظور وغيرِ بعيد، «stop scenario»، حيث تبلغ الدولة حدَّ العجز الكامل عن تأمين تمويلها.

وليس مناسباً أن يتمّ الهرب من الاستحقاقات برفع نسبة الفوائد إلى ما يقارب الـ 15 %. ففي العادة، يجب أن تكون زيادة الفوائد جسراً إلى حلول معيّنة معروفة ومخطَّط لها، وضِمن مُهَل محددة ولتحقيق مردود محدّد. أمّا نحن فنضطر إلى رفعِ الفوائد في ظلّ ضبابية تامة وانعدام المعالجات.

ولكن، هل ما يثار عن انهيارات نقدية أو مالية أو اقتصادية محتملة يأتي من باب التهويل؟ يقول: ليس هناك تهويل. ولكن، الأرجح ليس متوقعاً حصول انهيارات بالمعنى الضيّق للكلمة. فالاقتصاد ليس قريباً من الانهيار بل من الاختناق التدريجي الذي سيبلغ أقصى مداه.

وهذا الاختناق يطال تدريجاً المؤسسات الضعيفة التي ستضطرّ إلى إقفال أبوابها، وتصل معه الدولة إلى وضعيةٍ تعجَز فيها عن الاستدانة. وهي وضعية صعبة. ولن نعرف إلى مَن نمدّ أيديَنا كي يساعدنا في هذه الحال. فنحن لسنا اليونان التي أنقَذها الأوروبّيون.

وعند هذه النقطة تلتقي المخاوف اقتصادياً وسياسياً. وثمّة اعتقاد في العديد من الأوساط السياسية أنّ المؤسسات الدولية ستفرض على لبنان شروطاً صارمة على مختلف المستويات المالية والاقتصادية والسياسية، نتيجة المأزق الاقتصادي – المالي الذي سيبلغ إليه. وهنا بيت القصيد، لأن لا شيء مجّاني في العلاقات بين الدول. والأمور تُبنى عادةً على المصالح.

وتتوقّع الأوساط أن يدخل لبنان في مرحلة تختلف تماماً عن تلك التي يمرّ بها اليوم، لأنّ فيها مقداراً كبيراً من الوصاية الدولية على لبنان، لا اقتصادياً فحسب بل أيضاً سياسياً في ظروف حسّاسة يمرّ بها الشرق الأوسط، وتشهد استحقاقات مصيرية.

ومن ملامح هذه الاستحقاقات الاتّجاه إلى إنجاز تسويات في الملف السوري والنازحين السوريين، وتَحرُّك إسرائيل لتحقيق خطوات في الملف الفلسطيني، ضِمن ما سُمّي «صفقة القرن»، ووفق خطة بدأت ترجمتُها بتكريس القدس عاصمةً لها وتأكيد يهودية الدولة دستورياً والتحضير لمفاوضات مع الفلسطينيين تكرّسُ عدم الاعتراف لا بدولة فلسطينية في الضفة ولا بالحقّ في العودة.

هل هذه المخاوف في محلّها؟
يرى البعض أنّ هناك قوى دولية تنتظر لبنان «على كوع» الاختناق الاقتصادي المحتّم لتفرضَ عليه الشروط السياسية، التي تتلاءم وما سيتمّ فرضُه على العديد من دول الشرق الأوسط الغارقة في أزماتها وحروبها، وأبرزُها التوطين.

لكنّ آخرين يرفضون هذا المنطق ويقولون: لا يجوز أن نبنيَ تصوّراتنا على «نظرية المؤامرة». والمجتمع الدولي هو الذي يحذّر لبنان من مخاطر استمراره في حال الاهتراء والفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية، وهو يطالبه منذ سنوات عدة بضرورة تصحيح وضعِه وبناء مؤسساته، لكنّه لا يستجيب!

وبين هذا الرأي وذاك، يقول الخبراء المطّلعون جيّداً على وضعية الاهتراء: سواء كان المقتنعون بـ»نظرية المؤامرة» على صواب أم رافضوها، فالجميع يصل في النهاية إلى الاستناجات نفسِها. فمِن المؤكّد أنّ لبنان، عندما يبلغ حدود الاختناق الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، سيمدّ يده طالباً العون من المؤسسات الدولية.

وفي هذه الحال، ستكون للمؤسسات شروطُها السياسية والاقتصادية القاسية، وهي معروفة، وقد تبلّغَها لبنان مباشرةً وبالواسطة على مدى السنوات الأخيرة، وكلّها تتضمّن التزامات سياسية واضحة. ولا أحد يعرف إلى أين ستقود. والمثير، يقول هؤلاء، أنّ قادة السياسة والسلطة في لبنان يعرفون ذلك. فهل هم موافقون – أو بعضهم- على أن يقع لبنان تحت الوصاية الدولية؟

يقول المرجع الاقتصادي: عبر التاريخ، وفي كلّ النماذج، يتولّى أمراء الحرب زمامَ الحكم بعد الحروب الداخلية، لأنّ أمير الحرب لا يفكّر عادةً بذهنية أنّ الخصم هو مواطن أيضاً. وغالباً، هم يقودون الوضعَ إلى انهيارات كبيرة، ثمّ يبدأ التأسيس لأوضاع جديدة مختلفة تماماً.

فأمراء الحرب – على أنواعها وأنواعهم – يرتكبون الهدرَ والفساد، ويعقدون الصفقات بالتراضي، ويطيحون القانون والدستور والمؤسسات. وهم صوّتوا على منحِ سلسلة الرتب والرواتب للقطاع العام من دون أن ينظّفوا الإدارة من أثقالِ الفاسدين، واستخدموا ذلك رشوةً قبل الانتخابات النيابية، متجاوزين تحذيرات الخبراء.

وهؤلاء أيضاً يتحكّمون اليوم بمفاصل كلّ الملفات التي تفوح منها روائح الفساد، ولا يبدو أنّهم في وارد الإصلاح، فيما الاستحقاقات الخطرة باتت على مسافةٍ زمنية قصيرة، ولا مجال للهرب من مخاطرها.

في هذه الحال، سيَستسلم لبنان سياسياً لإرادات أخرى. وقد يصبح تحت وصايةٍ غير مباشرة لقوى دولية، بعدما كان لسنوات تحت الوصاية السورية المباشرة. وهذا يعيد تصوير لبنان بلداً لا يستطيع أن يبلغ يوماً سنّ الرشد، ويحتاج إلى وصاية دائمة!

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى