صحيفة الأخبار
للمرة الأولى منذ خروج إدلب ومحيطها عن سيطرة الحكومة، يقضي اتفاق بين الفصائل المسلحة على «توحيد الإدارة المدنية» تحت راية «حكومة الإنقاذ»، عبر مسار قادته «هيئة تحرير الشام» تحت عين أنقرة وجوار عسكرها
وسط جلبة التصريحات المتواترة عن مصير المناطق شرقي نهر الفرات، دخلت إدلب ومحيطها مرحلة جديدة بعد فرض «هيئة تحرير الشام» نفوذها، بالنار والمفاوضات، على الأغلبية العظمى من المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق في شمال غرب سوريا. وبعدما كسبت ريف حلب الغربي بقوة السلاح، وساعدها اختلال موازين القوة العسكرية على حسم ملف ريف حماة الشمالي الغربي، تمكنت «تحرير الشام» من عقد اتفاق لافت مع «حركة أحرار الشام الإسلامية» و«صقور الشام»، ينهي قتالها لهما ويضع جميع المناطق في إدلب ومحيطها تحت راية «حكومة الإنقاذ». «الانقلاب» العسكري الذي أرسى نفوذ «حكومة مدنية» سيكون مفصلاً مهماً في تحديد مصير آخر معاقل الفصائل التي لا تتبناها تركيا رسمياً؛ بل تصنّف أوزنها على الأرض «إرهابية». ويفتح الحديث عن مستقبل تلك المنطقة، أسئلة كثيرة حول الخطوة المقبلة التي ستقوم بها كل من «تحرير الشام» وأنقرة. فالأولى التي حُوصرت ــــ شكلياً ــــ منذ أشهر باتفاق «المنطقة المنزوعة السلاح»، باتت ممراً إجبارياً لأي خطط مستقبلية، سواء اتخذت تلك الخطط طابعاً عسكرياً أو سياسياً، أو حتى هجيناً بين الاثنين. أما تركيا، فقد أصبحت في حاجة الى خطوة جديدة تستثمر ما جرى في إطار التزامها مخرجات مسار «أستانا/ سوتشي»، وخاصة أنها باتت تنشر «نقاط مراقبة» تخفُر حدود «إمارة تحرير الشام».
اللافت في مجريات الأحداث الأخيرة التي تُوّجت بتعويم «حكومة الإنقاذ»، أنها لم تشهد معارك طاحنة في أهم معاقل مناهضي «تحرير الشام»، كما في جبل الزاوية؛ وكان التفاهم على حل «أحرار الشام» في بلدات سهل الغاب أكثر من يسير. هذا كله، ترافق مع سرعة كبيرة في استجابة كوادر «حكومة الإنقاذ» للاجتماع مع وجهاء المناطق التي دخلتها «تحرير الشام» ونقاش مستقبل وآليات «إدارة الخدمات». وبرزت أمس مبادرة من القائد السابق لـ«تحرير الشام» هاشم الشيخ، تقول بضرورة إشراك «الجبهة الوطنية» في «حكومة الإنقاذ». وتلمّح هذه المبادرة إلى احتمال وجود توافقات غير معلنة على مثل هذا الطرح، وهو ما يتساوق مع سلاسة انتقال النفوذ إلى «تحرير الشام».
بومبيو: سنعمل عبر «الدبلوماسية» على «طرد آخر جندي إيراني» من سوريا
المشهد الذي يبدو مخططاً بعناية، يحاكي مبادرة تركية اقترحت توحيد «الإدارات المدنية» في إدلب ومحيطها، وحلِّ «تحرير الشام» وباقي الفصائل وصهرها في مشروع «الجيش الوطني» لاحقاً. ورغم أن لا علائم واضحة كانت تدلّ بشكل مباشر على احتمال نجاح هذا التحرك من «تحرير الشام»، إلا أنه يمكن استذكار بعض الإشارات التي مهّدت الطريق أمام «حكومة الإنقاذ» لتكسب عبره، فبعد أقل من شهر على إقرار «اتفاق سوتشي» الخاص بإدلب، وبينما كان يجري الحديث عن انتهاء المهلة أمام انسحاب «الجماعات الإرهابية» من «المنطقة المنزوعة السلاح» أعلنت تلك الحكومة تبني علم جديد ينسخ «علم الثورة» ويستبدل نجومه الثلاث بعبارة «لا إله إلا الله» التي تعد أبرز علامات راية «جبهة النصرة». وحضر هذا العلم قبل أيام، في خلفية اجتماع وفد «الإنقاذ» مع وجهاء مدينة الأتارب في ريف حلب الغربي.
ولحين بيان مواقف الأطراف المعنية بمصير إدلب ومحيطها، وخاصة موسكو وطهران ودمشق، جاءت التصريحات التركية ضبابية حول التطورات الأخيرة؛ إذ أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أن بلاده تتخذ «جميع التدابير اللازمة لوقف هذه الهجمات من قبل الجماعات المتطرفة»، وقام مسؤولوها بـ«الخطوات اللازمة لوقف الصراعات المسلحة في إدلب». ورغم أن هذا التصريح لا يكشف ماهية الخطوات التركية المرتقبة هناك، إلا أنه يؤكد أن تركيا لعبت دوراً في «وقف الصراع» الدائر، بما يشير إلى رعاية ضمنية لاتفاق «تحرير الشام» وباقي فصائل «الجبهة الوطنية».
ورغم حساسية ما يجري في شمال غرب سوريا، بقيت التصريحات مركّزة على مصير شرقي الفرات. ومع تأكيد الولايات المتحدة أن انسحاب قواتها «حتمي»، ولن يتأثر بأي تطورات بما فيها التهديدات التركية بشن عملية عسكرية، ردّت أنقرة بالصيغة نفسها، وقال جاويش أوغلو في مقابلة مع قناة «NTV» التركية، إن العملية العسكرية ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية «لا تتوقف» على انسحاب القوات الأميركية. وخرج وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، بتصريحات لافتة من القاهرة، أكدت أن واشنطن ستعمل عبر «الدبلوماسية» على «طرد آخر جندي إيراني» من سوريا، نافياً أن تكون الشروط التي رُبط بها انسحاب القوات، تتناقض مع تعهد الرئيس دونالد ترامب، الأول.