اكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ان التقاء ممثلين عن دول اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا ونخبة من كبار المسؤولين والأكاديميين والمختصّين في بيروت، من اجل تنمية مستدامة وشاملة للوطن العربي، تأتي في وقت تتضافر فيه قوى الشرّ لكي تمزّق بلداننا العربية، وتخيّر نسبة كبيرة من مواطنيها بين الموت أو حياة البؤس في مخيّمات النزوح.
ولفت الرئيس عون الى اننا في لبنان “نعيش تحدّيات مشابهة تماما لتحدّيات التنمية المستدامة، من حيث ضرورة معالجة مشاكل الحاضر والاستعداد لمتطلّبات المستقبل. فنحن مصمّمون على مجابهة الأزمات المتراكمة التي بدأت بالظهور قبل نصف قرن من الزمن واستمرّت على مدى سنوات وعقود”، فانعكست في الهوّة المزمنة بين إيرادات الدولة ونفقاتها وتنامي الدين العام بشكل ينوء تحته الاقتصاد الوطني، معتبرًا ان لا شيء ينقص لبنان لكي يحقّق أفضل النتائج الاقتصادية مقارنة باقتصاديات المنطقة، وكذلك اقتصاديات الدول الناشئة.
واكد “ان ساعة الحساب مع الفساد قد حانت، فلا تهاون مع تحقيق المكاسب غير المشروعة عن طريق مخالفة القواعد الأخلاقية والقوانين والتعدّي على حقوق الدولة.”
وشدد الرئيس عون على الحرص على “إيجاد الحلول الضرورية لازمة النازحين، آملين من المجتمعين العربي والدولي مساعدتنا على تحقيق هذا الهدف، ومساعدة النازحين على العودة إلى ديارهم في أقرب وقت ممكن”.
مواقف الرئيس عون اتت خلال افتتاحه الدورة الوزارية الثلاثين للاسكوا التي انعقدت في بيروت، حيث القى الكلمة التالية:
“سعادة الأمين العام، أصحاب المعالي والسعادة، أيها الحضور الكريم،
أهلًا وسهلًا بكم في الربوع اللبنانية، ممثلين عن دول اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب أسيا ونخبة من كبار المسؤولين والأكاديميين والمختصّين، المعنيّين بأهمّ القضايا الاقتصادية والإنمائية في المنطقة العربية. تلتقون في بيروت في إطار الدورة الوزارية الثلاثين للإسكوا، واضعين كل خبراتكم لبحث كافة السبل الممكنة من أجل تنمية مستدامة وشاملة للوطن العربي.
إن اجتماعكم هو ظاهرة لافتة ومميّزة في اللحظة الراهنة من تاريخ منطقتنا، تماما مثلما هو لافتٌ ومميّزٌ نشاطُ الإسكوا، منذ تأسيسها وانطلاق عملها من بيروت قبل أربع وأربعين سنة.
فأنتم تجنّدون قواكم، وتسخّرون إمكانيّاتكم، وتستخدمون عقولكم وأفكاركم لرفع مستوى الإنسان في المجتمعات العربية، عن طريق مكافحة الجوع والفقر وتعميم التعليم والرعاية الصحّية والمساواة بين النساء والرجال، مع حفظ حقوق الأجيال المقبلة وحصّتها في التنمية الاقتصادية والبيئة السليمة والثروات الطبيعية، في الوقت الذي تتضافر فيه قوى الشرّ لكي تمزّق بلداننا العربية وتجعلها رهينة عدم الاستقرار والتطرّف والتعصّب، وأسيرة الحروب الهمجيّة، وتخيّر نسبة كبيرة من مواطنيها بين الموت أو حياة البؤس في مخيّمات النزوح.
أيها الحضور الكريم
تنعقد دورتكم هذا العام ومحورها التكنولوجيا من أجل التنمية المستدامة في المنطقة العربية. ولا شكّ بأن هذا الموضوع الذي اخترتموه محورا لأبحاث دورتكم هو موضوع حيويّ وملحّ، فلا يمكن إهمال التكنولوجيا ودورها في مسيرة التنمية في منطقتنا العربية. ليست التكنولوجيا في عصرنا ترفًا، أو نشاطا منفصلًا عن التنمية والحياة الاقتصادية، بل هي لاعبٌ رئيسي في التطوّر الاقتصادي والاجتماعي على مستوى العالم بأسره، في البلدان الغنيّة كما في البلدان الفقيرة أو الدول ذات الدخل المتوسّط.
ولبنان يدرك أهمّية التكنولوجيا ودورها في البناء الاقتصادي، لذلك فهو يعوّل عليها كثيرا في البرامج التي ننوي صياغتها وتنفيذها في المرحلة الزمنية المقبلة، في إطار التخطيط الاقتصادي والاجتماعي، الذي نعتبره ممرّا إلزاميا للخروج من ظروفنا الاقتصادية الراهنة. وهذا التخطيط هو أيضًا تمهيدٌ لا غنى عنه لبناء مستقبل زاهر للأجيال المقبلة من اللبنانيين.
تهدف التنمية المستدامة إلى إنقاذ المجتمعات من مشاكلها الراهنة، الفقر والجوع والأمّية والمرض، وفي الوقت نفسه توفير حياة كريمة للأجيال المقبلة.
ونحن في لبنان نعيش تحدّيات مشابهة تماما لتحدّيات التنمية المستدامة، من حيث ضرورة معالجة مشاكل الحاضر والاستعداد لمتطلّبات المستقبل. فنحن مصمّمون على مجابهة الأزمات المتراكمة التي بدأت بالظهور قبل نصف قرن من الزمن واستمرّت على مدى سنوات وعقود، فانعكست في تراجع مستوى المعيشة والتفاوت غير المقبول بين الفئات الاجتماعية والمناطق، وانعكست على وجه الخصوص في الهوّة المزمنة بين إيرادات الدولة ونفقاتها وتنامي الدين العام بشكل ينوء تحته الاقتصاد الوطني.
وفيما لبنان يواجه هذه الظروف الصعبة، والاستثنائية، فُرض عليه أن يدفع قسطا كبيرا، يفوق إمكانيّاته الاقتصادية والمالية والاجتماعية، في المأساة الإنسانية التي نجمت عن الحرب السورية واضطراب محيطنا الإقليمي بشكل عام.
إننا نتفهّم البعد الإنساني لمعاناة النازحين، ولكنها مشكلة تفوق قدرة لبنان على تحمّل أعبائها، المالية والاقتصادية والأمنية، ونحن مصمّمون على إيجاد الحلول الضرورية لها، آملين من المجتمعين العربي والدولي مساعدتنا على تحقيق هذا الهدف، ومساعدة النازحين على العودة إلى ديارهم في أقرب وقت ممكن.
ومن جهة أخرى، وبمعزل عن المشاكل الآنية، نريد الاطمئنان إلى أننا قمنا بما يتوجّب علينا لتأمين الحياة الكريمة للأجيال المقبلة من بعدنا؛
لذلك فقد عزمنا على مواجهة الواقع وصعابه، وقرّرنا اللجوء إلى التخطيط الفعّال، فوضعنا خارطة طريق تلحظ تجنيد طاقاتنا الوطنية والاستعانة بالخبرات الدولية المشهود لها، ونتوقّع أن تبدأ نتائج هذا العمل بالظهور فور تشكيل الحكومة الجديدة وإنجاز بيانها الوزاري.
إن الغاية الرئيسية من وراء هذا الجهد هي تحويل الاقتصاد اللبناني من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج. وتبرز الحاجة ماسّة إلى رفع مستوى المعيشة، وزيادة نسبة العمالة، واستنفار الطاقات الكامنة وغير المستعملة في الاقتصاد الوطني، لخلق الوظائف وتحفيز النموّ. ولأن طاقات الاقتصاد اللبناني ليست مستثمرة على الوجه الكامل، فإن الخطّة تلحظ تحديد القطاعات المنتجة ودعمها واستغلالها.
وتلحظ برامجنا أولوية تحقيق الإصلاح المالي عن طريق تحصيل كل الإيرادات المشروعة للدولة ووقف الهدر في الإنفاق وزيادة المشاريع والاستثمارات العامّة. وليكن معلومًا أن ساعة الحساب مع الفساد قد حانت، فلا تهاون مع تحقيق المكاسب غير المشروعة عن طريق مخالفة القواعد الأخلاقية والقوانين والتعدّي على حقوق الدولة.
من البديهي أن الدولة اللبنانية لن تسمح للأزمة أن تتفاعل وتتفاقم، ولا للاقتصاد أن ينكمش عاما بعد عام. فلا شيء ينقص لبنان لكي يحقّق أفضل النتائج الاقتصادية مقارنة باقتصاديات المنطقة، وكذلك اقتصاديات الدول الناشئة. فلبنان يمتلك موقعا مميّزا، وانفتاحا ثقافيا وتجاريا على العالم منذ القدم، ولدى أبنائه، خصوصا الشباب، أكثر من دليل على تفوّقهم ونجاحهم، في بلدهم كما في العالم الرحب. وعندنا مؤسّسات تعليمية مشهود لها وقطاع مالي عريق وقوي وفاعل.
وختامًا، إذ أتمنّى لكم التوفيق في أعمال دورتكم، أرجو لمنطقتنا العربية أن تستعيد الاستقرار والسلام والوئام والنموّ والازدهار، وللإسكوا دورٌ كبير يعوّل عليه في تحقيق الجانب الاقتصادي والاجتماعي من هذه التمنيّات.
عشتم وعاش لبنان”.