واشنطن – طهران: تعديل قواعد الإشتباك أو إعادتها إلى سابق عهدها.. حرب او تسوية؟

واشنطن – طهران: تعديل قواعد الإشتباك أو إعادتها إلى سابق عهدها.. حرب او تسوية؟
واشنطن – طهران: تعديل قواعد الإشتباك أو إعادتها إلى سابق عهدها.. حرب او تسوية؟
قبل أسابيع لم ينجح الرئيس حسن روحاني في فتح ثغرات جدية بالتفاوض مع الأميركيين، مغلقاً الباب على الفرصة الوحيدة التي منحه إياها قائد الثورة الإسلامية علي خامنئي في هذا الإطار، منهياً بشكل غير علني الوساطات العُمانية والسويسرية التي نشطت في تلك الفترة وأدت إلى إنفراجات في العلاقة بين الطرفين وفي بعض ملفات المنطقة وتحديداً في اليمن ولبنان.

لا تريد واشنطن التسوية قبل إستعادة التوازن في العراق الذي كادت طهران تُكرس إختلالاً كبيراً فيه لصالحها بعدما قام رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بعقد إتفاقات مع الصين بنحو 400 مليار دولار، وقام بالتوازي بفتح معبر القائم – البوكمال مع سوريا، وهذا لا يُقرأ إلا بوصفه تجاوزا لخطوط حمر أميركية، إذ حققت الصين وثبة كبيرة بإتجاه البحر المتوسط في إطار طريق الحرير.

بالمقابل كانت طهران تُظهر قدرتها على إستيعاب الصدمة الأولى، وظهر للأميركيين أن تهشيم إيران جراء العقوبات المالية والإقتصادية يحتاج إلى وقت ليس بقصير، وإن كان ناجعاً، وهذا يعني أن إيران قادرة على الصمود إلى ما بعد الإنتخابات الرئاسية لخوض تفاوض حقيقي، كل ذلك ترافق مع تلويح الحوثيين بضرب الإمارات حليفة واشنطن، الأمر الذي أدى بها لفتح نوافذ حوار مع طهران، وكما أن الإنكفاء الأميركي عن الردّ على إستهداف آرامكو أعاد دول الخليج لفتح أفق جدية للحوار مع النظام السوري وإن على قاعدة التمايز مع طهران.

كل هذه التطورات، أراحت إيران بالمعنى الإستراتيجي خصوصاً أن التقارب السوري مع الخليج مضبوط، بزيادة الثقل الإيراني داخل الدولة العميقة في الشام.
من هنا إشتغل العقل الأميركي، الذي تقوده الـCIA إلى هدف أساسي هو قطع الطريق على الصين وجلب إيران إلى المفاوضات وإلى التسوية النهائية التي تضمن تهذيب نفوذها في غرب آسيا، وبما أن الظروف في المنطقة لم تكن تؤدي إلى هكذا تنازل إيراني، بل إلى توسيع هائل بالمراكمة القوّة خلال الأشهر الأخيرة وخاصة في سوريا والعراق كما أوردت صحف أميركية، كان لا بدّ من إضعاف إيران داخل العراق، خطّ دفاع واشنطن الأول في وجه التمدد الصيني، وكان القرار الأميركي ايضاً سحب ورقة "أن واشنطن لا تريد الحرب" من يد الإيرانيين والتي إستعملوها لتصعيد هجماتهم في المضيق والإقليم بشكل واضح، من هنا وقع الخيار على شخصية بحجم قاسم سليماني وعلى أسلوب علني كالذي حصل.

من جهتها، تريد طهران التفاوض مع واشنطن بعد الإنتخابات الرئاسية المقررة في تشرين المقبل، وبعد تكريس نفوذها في المنطقة، وذلك أولاً لوجود إحتمال فوز الديمقراطيين في الإنتخابات، وتالياً إمكانية التوصل إلى إتفاق أفضل معهم تكون أكبر، وثانياً التقليل من حاجة ترامب إلى اللوبي الإسرائيلي في حال فوزه بولاية ثانية إذ إنه لن يكون مضطراً لمجاملة مستشاريه المقربين من تل أبيب إلى هذا الحدّ رغبة بأصواتهم في الإنتخابات كما هو حاصل اليوم.

كان يجب جلب إيران إلى المفاوضات وبسرعة، ووفقاً لهذه الحسابات أخذ قرار إغتيال سليماني الذي لم يكن يحتاج إلى تخطيط كبير، لأسباب لا مجال لذكرها هنا، فهل نجحت الخطة الأميركية؟

كردّ أولي على العملية وجهت طهران رسائل واضحة بأنها ستردّ بقوة على العملية لم يكن أولها مشاركة قائد الثورة الإٍسلامية علي خامنئي بإجتماع مجلس الأمن القوي ولن يكون آخرها خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله.
كل المعطيات توحي بأن طهران ستردّ بعنف على إغتيال سليماني، لكن ضمن مسار مضبوط، بإعتبار أن واشنطن لا تزال لا تريد الحرب وستبتلع اي الضربة قد تتلقاها إذا كانت ضمن إطار إعادة قواعد الإشتباك إلى ما كانت عليه، أي أن قتل بضع عشرات من الجنود الأميركيين في ضربة إيرانية لن يؤدي إلى حرب، وعليه فإن الرؤية الإيرانية تعتبر أن مثل هذه الخطوة ستعطل مفاعيل إغتيال سليماني، فلا طهران إرتدعت ولا ذهبت إلى المفاوضات قبل إنتهاء ولاية ترامب.

لكن هذه الرؤية التي قد تصحّ على مثل هذا السيناريو، غير أن طهران وضعت أهدافا أخرى للردّ على الخطوة العسكرية الأميركية، وهي فتح مسار كامل من العمليات ضدّ الجيش الأميركي في المنطقة من حلفاء طهران، وهذا في حال حصوله لن تقبله واشنطن، بلغة أخرى قد يقبل الأميركيون فشل الهدف التكتيكي او الإستراتيجي من إغتيال سليماني لكنهم لا يمكن أن يقبلوا ان ينسحبوا من العراق.

يحقق المسار الذي قد يبدأ به حلفاء إيران في المنطقة أمرين برأيهم، الأول إستراتيجي وهو إنسحاب القوات الأميركية من المنطقة، والثاني تكتيكي هو رسوب ترامب في الإنتخابات بعد نقل جثث الجنود الأميركيين إلى الولايات المتحدة.

غير أن الأمر لن يكون بهذه البساطة على الإيرانيين، فهذا النسق من التعاطي العسكري والأمني مع الجيش الأميركي في المنطقة سيؤدي إلى تدحرج الإشتباك إلى معركة وربما إلى حرب، وهنا نتحدث عن إشتباك مباشر مع إيران وليس فقط مع حلفائها، وهذا ما لا تريده إيران وكما لا تريده واشنطن.

هنا تطرح أسئلة لا يمكن الإجابة عنها إلا بعد معرفة المسار الذي سيأخذه الإقليم، الأول هل يكون الإنتقال إلى الميدان العسكري من مصلحة إيران وحلفائها كما يسوّق هؤلاء، بإعتبار أن الإشتباك مع الأميركيين يشدّ عصب المجتمعات الشرقية عموماً؟ هل تؤدي العمليات العسكرية الأمنية التي تشبه النسق الذي أتبع في لبنان عام 1983 وفي العراق عام 2004 إلى حرب مفتوحة إيرانية - أميركية؟ أم أن حمام الدمّ المتوقع في الإقليم سيوصل الطرفين الراغبين بالتفاوض إلى تسوية نهائية؟

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى أوكرانيا تلاحق الصحفيين لإخفاء الحقائق