سنوات من الصراع و112 ألف قتيل.. السلام في اليمن ضرورة ولكن كيف يتحقق؟

سنوات من الصراع و112 ألف قتيل.. السلام في اليمن ضرورة ولكن كيف يتحقق؟
سنوات من الصراع و112 ألف قتيل.. السلام في اليمن ضرورة ولكن كيف يتحقق؟
أدت الحرب في اليمن إلى مقتل أكثر من 112 ألف شخصا وتركت 24 مليون نسمة بحاجة لشكل من أشكال المساعدات الإنسانية، ويمكن أن يؤدي تفشي فيروس كورونا إلى المزيد من الضحايا بسبب انهيار المنظومة الصحية وسوء التغذية.

إلا أن مجموعة الأزمات الدولية ترى أنه يمكن تجنب حدوث الأسوأ في اليمن إذا أوقفت الأطراف المتنازعة القتال المسلح فورا، إضافة إلى ضرورة إعادة الحكومة اليمنية والحوثيين النظر في توقعاتهما بشأن التسوية السياسية والقبول بإشراك فصائل سياسية ومسلحة أخرى في المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة. 

وفي تقرير لمجموعة الأزمات حمل عنوان"إعادة التفكير في كيفية تحقيق السلام في اليمن"، شددت على أنه  بات وقف القتال ضرورة ملحّة، وينبغي على الدبلوماسيين تبني إطار شامل ومتعدد الأطراف للمحادثات يحل محل النموذج الحالي الذي تعتريه النواقص.


ورأت أنه ينبغي على مجلس الأمن الدولي وضع مسودة قرار يدعو إلى وقف إطلاق نار فوري وتسوية شاملة وفرض هذا القرار إذا تمسكت الأطراف بمواقفها باستمرار القتال.

وأكدت أنه بعد خمس سنوات من الحرب، تواجه أطراف الصراع في اليمن خياراً صبعاً، فإما القبول بوقف لإطلاق النار وتسوية سياسية غير مثالية، أو الاستمرار في حرب ستتسبب بالمزيد من المعاناة الإنسانية دون أن يكون بوسع أي فريق تحقيق نصر عسكري واضح على مستوى البلاد.

وأشارت إلى أنه في وقت ما من الماضي كان يمكن تسوية سياسية بين الحكومة المعترف بها دولياً والحوثيين أن تكون قادرة على إنهاء الحرب وإعادة البلاد إلى عملية انتقال سياسي، إلا أن التحولات التي حدثت على التوازن العسكري والتدخل الإقليمي ثقيل الوطأة والتشظي السياسي والمناطقي غيّر متطلبات صنع السلام. 

وبحسب المجموعة، بات هناك حاجة لتسوية متعددة الأطراف بوساطة من الأمم المتحدة، إضافة إلى ترتيبات حكم مؤقتة تتحاشى التحول السريع إلى إعادة تركيز السلطة في صنعاء لصالح فريق أو فريقين وحسب.

 
عوائق التسوية

ويتمثل أحد أكبر عوائق التوصل إلى تسوية، اعتقاد حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي أن أي اتفاق ينبغي أن يبنى على الأسس التي نص عليها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 الذي صدر في نيسان 2015 والذي تفسره على أنه شكل من أشكال الدعوة القانونية للحوثيين للاستسلام، وتسليم الأسلحة الثقيلة والسماح للحكومة بالعودة إلى حكم اليمن من صنعاء. 

وكان من شأن الاتفاق أن يفضي إلى ترتيبات لتقاسم السلطة تعطي دور الأقلية للحوثيين في الحكومة وتمهد الطريق لإجراء انتخابات على مستوى البلاد، ولقد تغير الكثير منذ عام 2016 فقد عزز الحوثيون سيطرتهم على الشمال الغربي وباتوا يهددون آخر معاقل الحكومة في الشمال في مأرب. 

وقد اكتسبوا ثقة متزايدة بإحكام قبضتهم على السلطة في صنعاء ويريدون الآن اتفاقاً يتجاوز حكومة هادي ويعترف بالوقائع القائمة على الأرض، والتي يعتقدون أنها لصالح حكمهم، وإدراكاً منها لضعف موقفها على الأرض، تمسكت الحكومة بوضعها القانوني وباتت أكثر مقاومة لأي اتفاق قد يمنح خصومها الشرعية.

كما أن تحولات أخرى على الأرض زادت في تعقيد المسائل، فاليمن منقسم اليوم إلى خمسة فصائل للسيطرة السياسية والعسكرية: المرتفعات الشمالية التي يسيطر عليها الحوثيون؛ والمناطق التي تديرها الحكومة في مأرب، والجوف، وشمال حضرموت، والمهرة، وشبوة، وأبين ومدينة تعز؛ والمناطق الخاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي الداعي للانفصال في عدن وما يحيط بها من مناطق داخلية؛ والمناطق الواقعة على ساحل البحر الأحمر حيث تشكل قوات المقاومة المشتركة القوة الرئيسية؛ وساحل حضرموت، حيث السيطرة للسلطات المحلية، وتدور رحى الحرب على عدة جبهات، لكل منها ديناميكياتها السياسية وسلاسل السيطرة والتحكم.

كيفية حل الأزمة؟
 
وتعتقد المجموعة أن عملية سياسية ناجحة تتطلب أمرين: أولاً، سيتوجب إقناع الأطراف أن من مصلحتها التخلي عن مطالبها القصوى، فبالرغم من أن التوازن العسكري يميل لصالح الحوثيين، لكن ليس إلى الحد الذي قد يظنونه. 

ويبدو أنهم يعتقدون أنهم يستطيعون التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب مباشرة مع الرياض، لكنهم يقاتلون جملة واسعة من الخصوم الذين من غير المرجح أن يقبلوا بتسوية لا تحمي مصالحهم الرئيسية أو يلتزموا بتسوية ببساطة لأن الرياض تطلب منهم ذلك.

وأوضحت المجموعة أن تحقيق نصر عسكري واضح لأي طرف، بما في ذلك الحوثيين، غير مرجح على الإطلاق، علاوة على ذلك، فإن حكومة هادي، ومهما كانت ضعيفة، ما تزال السلطة المعترف بها دولياً في اليمن، ولهذه الأسباب، ينبغي على الحوثيين القبول بأن اتفاقاً تتوسط فيه الأمم المتحدة لن يؤدي ببساطة إلى نقل السلطة إليهم وتحويل الوقائع على الأرض إلى اعتراف دولي بحكمهم. 

بالمقابل، ينبغي على الحكومة القبول بأن مطالبها بالعودة إلى السلطة في صنعاء من خلال استسلام الحوثيين فعلياً أمر غير واقعي بالمرة، فالسعودية، من جهتها، لن تكون قادرة على إعلان النصر في اليمن، وأن مطلبها بابتعاد الحوثيين عن طهران قد يشكل هدفاً بعيد المدى لكن ليس شرطاً للتوصل إلى تسوية سياسية.

ثانياً، يتطلب التشظي السياسي والمناطقي في اليمن إعادة النظر في إطار التفاوض وفي فحوى أي اتفاق يمكن التوصل إليه، وأنه ثمة إجماع دولي ويمني متزايد على أن التسوية التي حاولت الأمم المتحدة التوصل إليها بين طرفين على مدى الحرب من غير المرجح أن تترجم إلى سلام دائم. 

وأكدت المجموعة أنه بات من الواضح على نحو متزايد أنه ينبغي على الأمم المتحدة توسيع المحادثات، في الحد الأدنى لضمان مشاركة مجموعات قوية مثل المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، القادرة على تقويض أي تسوية، كما أن المقاربة الراهنة تستبعد المجموعات القبلية، والسلطات المحلية وجملة من الأطراف السياسية، ومجموعات النساء والشباب وغيرها من أطراف المجتمع المدني الذين سيكون دعمهم بالغ الأهمية لاستدامة أي اتفاق. 

وسيتوجب على مكونات أي اتفاق أن تعالج الوقائع الجديدة وأن تقر بأخطاء الماضي، كما أن المجموعات المحلية تثمن الاستقلال الذي اكتسبته على مدى الحرب وستقاوم الاندفاع إلى إعادة السلطة المركزية للدولة إلى صنعاء.

بالإضافة إلى أن عدم معالجة المظالم الاجتماعية والاقتصادية التي أشعلت الانتفاضة الشعبية في اليمن في عام 2011 وأسهمت في صعود الحوثيين سيؤدي إلى عدم الاستقرار والحرب في المستقبل.

الوقت

 
وألمحت مجموعة الأزمات إلى أنه يمكن لجميع الأطراف المتحاربة أن تشير إلى أسباب تدفعها إلى تأجيل التوجه نحو السلام، فالحوثيون يعتقدون أن الوقت يعمل لصالحهم، لكن العوامل التي أجبرت السعودية على اتخاذ موقف أكثر تصالحية – أي الضغوط المالية في الداخل التي فاقمتها تداعيات جائحة كوفيد-19 وانهيار الإيرادات النفطية، والرغبة بالتخلص من حرب ألحقت الضرر بمكانة المملكة لدى حلفائها الغربيين – قد لا تدوم.

 فكما تظهر معركة السيطرة على مأرب – التي عادت إلى الاشتعال في مطلع عام 2020 ، فإن الحوثيين يواجهون مقاومة محلية قوية مع التدخل السعودي أو بدونه.

وقد تشعر حكومة هادي بإغراء الانتظار إلى أن يحدث تحول حاسم لصالحها، مدفوع بالدعم السعودي، لكن بمقاومة المفاوضات، فإنها تخاطر بتردي موقفها أكثر على الأرض وبأن تصنف من قبل القوى الخارجية التي تعتمد عليها في مكانتها بوصفها السلطة المعترف بها على أنها مفسدة للاتفاقات. 

أما المجموعات المعادية للحوثيين وغير المتحالفة مع الحكومة، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات المقاومة المشتركة، قد ترى في صراع يستمر لمدة أطول فرصة لخلق وقائع على الأرض قد تؤدي إلى تحسين موقعها التفاوضي، لكن فعل ذلك قد يعني المراهنة على أن الدعم الإقليمي سيستمر، وهو رهان غير مؤكد، خصوصاً خلال الجائحة.

في وقت ما خلال مسار الحرب، بالغ كل طرف بتقدير قدرته على تحقيق أهداف قصوى، ليصدم بانتكاسات رئيسية، وإن التوصل إلى اتفاق مقبول من الجميع اليوم لن يؤدي إلى تحقيق التسوية التي يفضلها أي طرف من الأطراف، لكن من شبه المؤكد أنها ستكون أفضل مما قد يكون متوفراً بعد سنوات أخرى من الصراع.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى بريكس: “العائلة” الصّينيّة… و”الجسر” الرّوسيّ