الإغلاق يزيد من محنة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وأسرهم

بعد أسابيع من الإغلاق الصارم في فرنسا، أخذ محمد، الصبي البالغ من العمر 14 عاماً والمصاب التوحد، معولاً وبدأ في الضرب على جدران منزله، آملا في الخروج في نهاية المطاف. وعلل ذلك قائلاً: "قضيت وقتاً طويلاً في المنزل، ومن الصعب جداً الانتظار أكثر".

يسبب الإغلاق المصاحب لتفشي فيروس كورونا محنة صعبة على نحو خاص للأطفال ذوي الإعاقة ولأسرهم الذين يكافحون من أجل رعايتهم في المنزل الآن بعد أن تم إغلاق المدارس وبرامج الدعم المختصة بهم.

ولم يرفع محمد الفأس مرة أخرى منذ الحادث الذي وقع الشهر الماضي، كما قال والده صلاح وهو يأخذ تنهيدة. لكن نجله لا يزال يشعر بالسخط، حيث يردد: "أريد أن أحطم المنزل".

ما زاد الأمور سوءا أن والدة محمد، التي تعمل في دار رعاية مسنين، كانت في إجازة مرضية بعد إصابتها بمرض كوفيد-19. وكان عليها أن تعيش لعدة أسابيع معزولة في الطابق العلوي من منزل العائلة في ضاحية "مانت لا جولي" في باريس، مما أجبرها على الابتعاد عن عائلتها. وقد تحسنت صحتها منذ ذلك الحين.

كان هذا الأمر صعباً بشكل خاص بالنسبة لمحمد، الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بوالدته. وقال صلاح: "ظللنا نخبره أن هناك مرضا، وقد فهم الأمر.. ثم حاول مرة أخرى الصعود لرؤيتها".

صدمة.. ونوبات ذعر

وبالنسبة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، شكّل الإغلاق صدمة اقترنت بتفجر العنف وعدم الفهم والنزاعات ونوبات الذعر، حيث عزلهم عن أصدقائهم ومعلميهم وحرمهم من روتين مطمئن اعتادوا عليه.

إجراءات الإغلاق بسبب فيروس كورونا في فرنسا، التي دخلت يومها الـ40 والتي لن تنتهي قبل 11مايو/أيار على الأقل، تعتبر من أكثر الإجراءات الصارمة في أوروبا.

في المنزل، يحتاج محمد إلى اهتمام متواصل حتى لا يعرض نفسه للخطر. وعن هذا الموضوع، قال صلاح: "هذا الوضع صعب عليه. نقوم بتوبيخه، ونقول له: لا!.. ونكون بحاجة إلى التكرار والتكرار".

وأقرّ الأب بالإرهاق الذي نال منه، حيث يعمل في المنزل كمهندس اتصالات بينما يعتني أيضاً بابنيه الآخرين، اللذين يبلغان 12 و8 سنوات.

الشعور العميق بالوحدة

من جهته، يبذل معلم محمد كورينتين سانت فير غارنوت قصارى جهده للمساعدة. وأوضح كورينتين قائلاً: "إذا قمت بإزالة الركائز من شخص يحتاجها من يوم إلى آخر، فسوف تتعقد الأمور للغاية".

وأضاف: "الشعور بالوحدة وقلة النشاط يمكن أن يكون عميقاً جداً" عند الأشخاص المصابين بالتوحد. ويقوم محمد بالاتصال بكورينتين عدة مرات في اليوم.

من جهتها قالت أوريلي كوليه، مديرة المعهد حيث يدرس محمد والذي يقدم خدمات تعليمية وعلاجية متخصصة لعشرات الأطفال الذين يعانون من أنواع مختلفة من الإعاقات، إن بعض المراهقين لم يستوعبوا قواعد الإغلاق في البداية، واستمروا في الخروج. من جهتهم، تحول الآخرون الذين اعتادوا على الاندماج جيداً في فصولهم، وعزلوا أنفسهم في غرف نومهم.

وأضافت أن الموظفين طوروا أدوات مبتكرة لمواصلة التواصل والعمل مع الأطفال، بما في ذلك من خلال شبكات التواصل الاجتماعي.

مخاوف وكوابيس

بدورهما، يعاني توماس (17 عاماً) وبيير (14 عاما)، وهما شقيقان لديهما إعاقة ذهنية يذهبان أيضاً إلى نفس معهد، من حالة عدم استقرار مشابهة بسبب الإغلاق.

بيير وتوماس مع والديهما بيير وتوماس مع والديهما

وقال توماس: "أشعر بالقلق حيال المدة التي سيستمر فيها الإغلاق، ماذا سيحدث بعد ذلك". ولدى المراهق الكثير من الأسئلة حول "عدد الأشخاص الذين سيصابون بالفيروس، ومتى سيتوقف الوباء".

كما أن هناك مصدر قلق آخر كبيرا بالنسبة لتوماس وهو مستقبله، حيث من المرجح أن يتم تأجيل التدريب الذي كان يعتزم القيام به هذا الصيف.

من جهته، يتذكر والداهما أن الولدين في البداية تصرفا كما لو كانا في إجازة حيث كانا يلعبان طوال اليوم ويتواصلان مع أصدقائهما. ثم نظمت الأسرة، التي تعيش بالقرب من فرساي غرب باريس، أنشطة للحفاظ على حياتهما أكثر تنظيماً.

أما الشقيق الأصغر بيير فيقول إنه يعاني من كوابيس أكثر من المعتاد، مضيفاً أن الإغلاق يؤدي أيضاً إلى المزيد من النزاعات العائلية. ويفتقد بيير بشكل خاص أعمال الزراعة في الحديقة التي اعتاد القيام بها في المعهد، لذلك قام بغرس البذور في الأواني لزراعة الفجل في المنزل.

بيير وتوماس مع والديهما بيير وتوماس مع والديهما
استثناءات من الحجر للمتوحدين

بموجب القيود المفروضة على الصعيد الوطني، يمكن للفرنسيين مغادرة المنزل فقط للحصول على الخدمات الأساسية، مثل شراء الطعام أو الذهاب إلى الطبيب، ويجب عليهم البقاء بالقرب من منازلهم خلال قضاء هذه الأمور.

وجرى قصر النشاط البدني في الأماكن العامة على ساعة واحدة يومياً، على أن تُمارس في مكان قريب من المنزل. وتقوم الشرطة بشكل روتيني بتغريم المخالفين.

واعترافاً بالعبء الذي يفرضه هذا الأمر على الأشخاص المصابين بالتوحد، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أوائل أبريل/نيسان استثناء يسمح لهم بالخروج في الأماكن التي اعتادوا على الذهاب إليها، مع اتخاذ الاحتياطات الصحية اللازمة، لكن دون حدود للوقت والمسافة.

ولذا بدأ صلاح مرة أخرى في أخذ محمد للقيام بممارسة ركوب الدراجات في الخارج لبعض الوقت، وهو شيء كان يفعله من قبل.

قال صلاح وهو يبتسم: "هذا الأمر مثل صمام أمان له، هو شيء يحتاج إليه. نواجه صعوبة في ملاحقته، إنه يمضي قدماً، وهو يصرخ بسعادة" خلال ركوبه الدراجة.

محمد يركب الدراجة محمد يركب الدراجة

من جهته، يساعد كورينتين الأسرة على إيجاد حلول ملموسة لمحمد. ولأن لعب كرة القدم مع شقيقيه في الحديقة أثبت أنه صعب بالنسبة لمحمد بسبب القواعد المعقدة للغاية بالنسبة له، اقترح بدلاً من ذلك أن يقوم الأولاد الثلاثة بتبادل التسديدات على المرمى.

الخشية من فقدان مهارات

وتعد هذه التحديات التي فرضها الإغلاق بسبب تفشي كورونا مألوفة لملايين العائلات حول العالم.

ففي جميع أنحاء الولايات المتحدة، يستكشف المعلمون طرقاً جديدة لتقديم دروس متخصصة عن بعد. من جهتهم، لا يقوم أولياء أمور الأطفال ذوي الإعاقة بالتعليم في المنزل فحسب، بل يضيفون أيضاً العلاج والدروس العملية والإدارة السلوكية إلى مسؤولياتهم.

ويخشى المعلمون من أن يقضي بعض الأطفال المصابين بالتوحد أشهراً في إعادة تعلم المهارات التي ربما فقدوها خلال فترة الإغلاق.

يذكر أن ماكرون أعلن أنه سيتم إعادة فتح المدارس "تدريجياً" اعتباراً من 11 مايو/أيار المقبل، لكن السلطات لم تقدم تفاصيل بعد عن الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.

ولدى فرنسا أكثر من 350 ألف طالب من ذوي الإعاقة، من ضمنهم 70 ألفا في نظام التعليم المتخصص.

وعن هذا الموضوع قال كورينتين إن حالة عدم اليقين صعبة بشكل خاص على الشباب مثل محمد. وأضاف: "أعلم أنه سيسألني مرة أخرى: متى ينتهي هذا الأمر؟".

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى لتجنب قصور القلب... نصيحة طبية للنساء فوق سن 60 عاما