«التيار»… على «شوار»!

«التيار»… على «شوار»!
«التيار»… على «شوار»!

نبيل هيثم – الجمهورية

غالبية الأطراف السياسية سلّمت بالأمر الواقع الذي فرضه القانون الانتخابي، وأقرّت بخسارتها لبعض المقاعد النيابية، وراحت تبحث عمّا يمكن أن يحدّ من هذه الخسارة ويجعلها ضمن السقف المعقول الذي يمكن أن تتحمّله، ولا يؤثر على حضورها ودورها السياسي ولا على موقعها، ومواقعها، في السلطة.
التحضير لانتخابات أيار، ظهّر إرباك الطاقم السياسي، انما بنسب متفاوتة بين طرف وآخر، وصار الهمّ الأساس هو كيفية بلوغ «الحاصل» أو «الحواصل»، قبل الصوت التفضيلي وتحديد وجهته ضمن اللوائح. ولتحقيق هذا الهدف، اعتمدت هذه الاطراف قاعدة «الغاية تبرّر الوسيلة»، فبرّرت لنفسها صياغة تحالفات هجينة وغير واقعية، يقفز فيها كل طرف فوق كل مبادئه وثوابته السياسية.

تلك المبادئ والعناوين تربّى عليها جمهور كل طرف، وتفاعل معها على مدى سنوات طويلة، ودافع عنها، وتحمّل نتائجها بسلبياتها وإيجابياتها، فجأةً يتمّ القفز عنها، وبطريقة أظهرت هذا الجمهور، مجرّدَ أغنام لا رأيَ لها، مهمّتها فقط أن تُساق في يوم الانتخاب الى الاقلام لتُسقط صوتها في صندوق الاقتراع، بلا أيّ تحفّظ او اعتراض.

وكما هذه التحالفات أثرت على الجمهور، الذي سيظهر طبعاً يوم الانتخاب، إلّا أنها حرّكت تساؤلات جدّية داخل التيارات والأحزاب المشاركة فيها، وتحفظات واعتراضات على هذه التحالفات، وجرى التعبير عنها بصوتٍ عالٍ أحياناً، من قبل فئة من الكوادر والمسؤولين في بعض الأحزاب والتيارات، وجدت نفسها فجأة، أمام «أمر» القيادة الحزبية: «نفّذ ثمّ اعترض»، ويفرض عليها أن تنقاد مكرَهة لأن تقبل اليوم بما كانت ترفضه أمس، و«تبلع» قناعاتها وكل ما يعارض ويناقض المسلمات والمبادئ التي تربّت عليها، أو وضعها على الرفّ!

على أنَّ دويَّ هذه التساؤلات، كان الأعلى والأكثرَ صخباً، داخل التيار الوطني الحر؛ شريحة واسعة من الكوادر لم تستسِغ فكرة «الانتخابات المصلحية»، ولا الطريقة التي تُعتمد في نسج التحالفات واختيار المرشحين وحلفاء اللوائح. وهو الامر الذي دفع البعض منهم الى الاستقالة من التيار ومغادرته احتجاجاً على الأداء السياسي والانتخابي.

وإذا كانت قيادة التيار مصمّمة على المضي في الطريق التي رسمتها والمؤدّية الى ترجمة شعار «التيار القوي» وتحقيق اكبر حضور نيابي للتيار في المجلس النيابي المقبل، إلّا أنّ كلاماً آخر متداوَلاً داخل التيار، وبين الناشطين المبعَدين منه والمعارضين للقيادة، حول أزمة كامنة في الداخل، ومن تأثيراتها المباشرة أنّ هناك مَن استقال، وهناك أيضاً مَن ينتظر، أو أنه صار على وشك المغادرة. ومن تأثيراتها أيضاً سؤالٌ إتّهامي طرحه أحدُ الكوادر الحاليين: «هل إنّ ما يقوم به التيار بقيادته الحالية اليوم هو الصحّ، وإنّ ما كل ما قام به منذ انطلاقته هو الغلط»؟

هذه الأزمة، يردّها المعترضون الى مجموعة أسباب:

• وجود إرادة ممنهَجة لنسف الارشيف الوطني للتيار، ونحر وخيانة كل المبادئ والقيَم والأخلاقيات السياسية التي قامت عليها الحالة العونية منذ العام 1988.

• الهروب الدائم من حقيقة الوضع، تغطيتها بالمبالغة في الحديث عن القوة الذاتية ورسم نتائج خيالية في الانتخابات، فهذا الامر يُحرج التيار، ويُدخله في خيبة كبرى سياسية ومعنوية ومسيحية في ما لو جاءت النتائج على غير ما هو متوقّع. ما يجب الإعتراف به هو انّ القوة الذاتية للتيار تقف على مساحة شعبية كبرى، ولكنها غير قادرة على إدارة انتخابات التيار وحدها، ولا على التحكّم ببعض الدوائر، من دون الاستعانة بصديق يرفدها. والامثلة عديدة من المتن الى بعبدا وعاليه، الى كسروان وجبيل وصولاً الى زحلة وجزين والاشرفية ودائرة الشمال المسيحية.

• إنعدام المعايير في اختيار المرشحين، لخدمة هدف تجميع كتلة نيابية كبرى بأيّ طريقة وأسلوب، ومن أينما كان، حتى ولو بالترقيع، لا تضمّ في صفوفها كوادر وناشطين عونيين، بل مجموعة من رافعي الأيدي خلال التصويت في المجلس لا أكثر. هنا يقتضي التنويه بأداء «القوات اللبنانية»، التي رشّحت قواتيين، ولم تفتح بازاراً ولم تذهب الى تحالفات هجينة.

• عدم ثبات الموقف السياسي، فبالأمس مثلاً كان هناك اشتباك سياسي عنيف مع حركة «أمل»، ثمّ يتمّ التحالف معها في بعض الدوائر، وحتى الأمس القريب كان الرئيس ميشال المر صديقاً، وأما اليوم فحوّلته القيادة الحالية هدفاً لمحاولة الاغتيال السياسي والإقصاء. ولا ننسى الأداء الإحراجي مع «حزب الله»، سواءٌ حول رفض مرشّحه في جبيل، أو ترشيح منافسين لمرشّحي الحزب في دوائر أخرى.

• إرتكاب خطأ قاتل بالقفز فوق الخيار السياسي والثوابت، وإنعاش جهات سياسية تختلف مع التيار 180 درجة، وجعل التيار جسرَ عبور لها الى المجلس النيابي، كميشال معوّض، والجماعة الإسلامية التي لا تلتقي مع التيار حول الكثير من الأساسيات.

• التحالف مع عيّنات تخالف تاريخ التيار وعناوينه وشعاراته وأهدافه، من متموّلين وأصحاب ملايين، ومن بينهم مَن اتهمهم التيار، في زمن الانتخابات البلدية بأنهم يصرفون المال الانتخابي لشراء الضمائر والأصوات في بعض الدوائر، ومن بينهم أيضاً مَن هم من عالم المال والاقتصاد، ولطالما كان التيار من أشدّ المعترضين على سياسته ومقارناته التي فرزت اللبنانيين أيام الحركات المطلبية قبل فترة، بين فئة «هاي» وفئة من جماعة «أبو رخوصة».

في خلاصة توصيف المتحفّظين وكذلك الناشطين المعارضين، لوضع التيار بأنه كمَن يقف على «شوار» والمستقبل لا يبشر، والأزمة الكامنة حالياً يؤشّر تفاقمها الى أنها لن تتأخّر وتظهر الى العلن. وأما المسؤولية فيلقونها على القيادة الحالية للتيار. كما يلقون مسؤولية معنوية على رئيس الجمهورية الذي يأخذ عليه المتحفظون والمعارضون أنه لا يتدخّل ويبدو كمَن يغضّ النظر على ما يجري داخل التيار الذي أسّسه.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى