المدينة التي حملت في رحمها، أكبر نسبة من العاطلين عن العمل، والتي أجهضت بالتهميش الذي لحق بها أحلام المئات.. ها هي اليوم تضيء الطريق.. فـ"الأمل الموجود"، والأمل على من ولد هنا عبارة جديدة، بعد سنوات من اليأس والإحباط.
طرابلس لم تعد محبطة، فهؤلاء الذين يفترشون الساحات هم "الغد"، الأطفال الذين يبيتون في العراء هم "الثورة"، والمناضلون والمناضلات الذين تكاتفوا في الشوارع بحثاً عن حقهم في هذا الوطن هم "أيقونة" هذا الصخب الذي امتد من شمال لبنان إلى جنوبه.
أبناء هذه المدينة، وجّهوا صفعة لكل من شيطنها، وساحة النور أصمتت الأبواق التي حوّلت كلمة "الله" فيها إلى كلمة طائفية، وكأنّ الله هو لطائفة دون أخرى، في هذه الساحة رفعت راية الحسين لعيون أهل النبطية وصور وبنت جبيل، وجهت التحيات، وُحّدت الساحات، ومن هذه الساحة انطلق شبان إلى الجنوب تضامناً مع إخوة لهم تعرّضوا للاعتداء، وإليها وفد لبنانيون من كل المناطق، لم يسألوا عن هويتهم، ولا عن إسمهم، ولا عن ايّ شيء، فكل هذه تفاصيل والوطن هو الجامع.. وهل هناك أكبر من الوطن؟!
بالأمس اعتذر الإعلام من طرابلس، اعتذار متأخر، لم يأتِ طوعاً ولا مكرمة، فالمدينة لا يهمها ما تقوله هذه الشاشات، صورتها أكبر من الكاميرا، وحضور أهلها أوسع من الأقلام، هذا الإعلام الذي حجب طرابلس عن لبنان وكأنّها في بلد آخر، ها هو اليوم يقرّ مرغماً لا مخيّراً أنّها قلب لبنان، أوَ ليس "القلب ع الشمال"!
الثورة في طرابلس مستمرة، لم يطفئ شعلتها المطر الذي انهمر، فها هم المتظاهرون في الساحات، ارتووا من الكرامة، فلم تعد تخيفهم قطرات المياه، ارتفع صوتهم بالحرية فلم يعد يرهبهم صوت الرعد!
طرابلس قبل الثورة، ليست كما بعدها.. هي مدينة انتفضت، على نفسها، على أوليائها من أهل السلطة، على واقعها.. هي لم تعد فقط مدينة "العلم والعلماء"، إنّها مدينة الثوار والأحرار.