قراءة في خطاب جعجع... لا عودة إلى الوراء!

قراءة في خطاب جعجع... لا عودة إلى الوراء!
قراءة في خطاب جعجع... لا عودة إلى الوراء!
وإن إرتدت معراب أمس الأحد في الأول من أيلول حلّة "قداس الشهداء" وازدانت بمظاهر عرس الشهادة ومعمودية الإيمان ومشاعر الوفاء ومشاعل الإلتزام بالقضية التي استشهد من أجلها الآلاف في صفوف المقاومة اللبنانية، فإنّ هذه المشهدية لم تخرج عن التألق الذي طبع مناسبات معراب منذ أن اعتمدت "القوات اللبنانية" ساحة المقر العام مركزاً لنشاطاتها الكبرى، وقد تميزت هذا العام بإضافة مدرّج للحضور ساهم في زيادة قدرة الإستيعاب من دون أن يتمكن من وقف الشكوى من الحزبيين والمناصرين الذين يتطلعون إلى المشاركة في المناسبة، خاصة أن تنوّع الحضور السياسي أصبح تنوعاً شعبياً مناطقياً وطائفياً، حيث شهدت الساحة مزيجاً متناسقاً يعكس صورة "القوات" المنفتحة والمنتشرة على كامل مساحة لبنان الكبير على أبواب المئوية الثانية.

خطاب الدكتورسمير جعجع كان ناريًا حمل من المقاربات المبدئية بقدر ما حمل من المقارنات بين لبنان الشهداء ولبنان الذي نعيشه اليوم، بين الدولة المنشودة ودولة المحسوبيات، بين الواقع المهترئ الذي وصلت إليه "مصالحة معراب" وما كان المرتجى منها.

لم تخلُ كلمة جعجع من العتب والإنتقاد، لم يسمِّ الأشخاص باسمائهم بل بأوصافهم وأفعالهم عاكساً مدى الخيبة التي أصابت القواتيين خاصة واللبنانيين عامة نتيجة سوء إدارة البلاد وانكسار الآمال ببناء دولة على صخور التبعية والإستزلام وتوزيع الحصص والمكاسب الآنية على حساب اقتصاد ومالية الدولة والتصنيف الإئتمان، وقد جاءت مواقفه بالتفصيل كالآتي:

إنتخاب عون رئيسًا
أولًا، في إنتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية، "الذي أقدمنا عليه على الرغم من الخصام التاريخي الذي كان قائما بيننا". وبين الأسباب التي حدت بـ"القوات" للإقدام على هكذا خطوة، واصفًا إياها، أي السباب، بأنها "وجيهة وحيوية"، مؤكدًا أنها:
- لوضع حد للفراغ الرئاسي المتمادي الذي كاد يفكك الدولة.
- تأمين التوازن الفعلي في المؤسسات الدستورية بوجود رئيس يتمتع بصفة تمثيلية.
- تحقيق مصالحة تاريخية متمسكين بها حتى النهاية، من خلال تفاهم معراب، الذي هو كناية عن اتفاق شراكة حقيقية بين اكبر حزبين مسيحيين، مثلما يجري بين أعرق الأحزاب الديموقراطية في العالم كله، وليس اتفاقا لتقاسم الحصص كما يحلو للبعض وصفه.

إتفاق معراب
ثانيًا، إتفاق معراب "الذي تمّ الانقضاض عليه والتنكر له والتنصل من موجباته، وكأن الطرف الآخر أراده لمجرد الوصول إلى الرئاسة، ومن بعدها فليكن الطوفان، ولو أن الطرف الآخر تنصل فقط من اتفاق الشراكة السياسية بينه وبين "القوات"، لكان الأمر مفهوما في إطار الجشع السياسي وحب التفرد بالسلطة والاحتكار، ولكنه تنصل أيضا من ورقة النقاط العشر، التي تليت أمام الرأي العام والإعلام في معراب، وبحضور الفريقين، والتي تعنى مباشرة وبشكل واضح وصريح بقيام الدولة السيدة القوية القادرة المسؤولة وحدها عن مصير شعبها".

العلاقة مع العهد
ثالثًا، علاقة "القوات" بالعهد "الذي أردناه وما زلنا عهد استعادة الدولة من الدويلة، عهد بحبوحة وازدهار، لم يكن حتى اليوم على قدر كل هذه الآمال، إن لم نقل أكثر(...)فالدولة القوية التي أردنا قيامها من خلال هذا العهد، باتت اليوم تخسر أكثر فأكثر من رصيدها ومقومات وجودها، في شتى المجالات والميادين".

الفساد
رابعًا، التصويب على الفساد وربط هذا الأمر بغياب الدولة وبروز "أنياب الدوبلة أكثر من اي وقت مضى"، معتبرًا "إن سوء إدارة مؤسسات الدولة مقرونا بغياب الكفاءة وارتفاع نسبة الفساد والهدر والمحسوبيات، أدت الى تردي الأوضاع المالية للدولة، مما أدى بدوره إلى خفض تصنيف لبنان الائتماني، وضرب صورة لبنان المال والاقتصاد في العالم، مما تسبب بإقفال شركات وصرف موظفيها، وتناقص فرص العمل، وهجرة الشباب، وتزعزع الوضع الاجتماعي".

بين "القوات" والآخرين
خامسًا، إجراء مقارنة بين الغير و"القوات اللبنانية"، التي "لا تجلب لكل واحد منكم سمكة، ولكنها تسعى لتوفير صنارة لكل لبناني على الإطلاق"، وهي "لا تريد توظيف شخص لأسباب انتخابية لتحرم بقية اللبنانيين من إدارات منتجة، وبالمقابل فإنها تريد خلق استقرار نقدي واقتصادي طويل الأمد يؤمن فرص عمل لكل فرد من أفراد المجتمع، "القوات" لا تطعمكم دسما خدماتيا ممزوجا بسم إفلاس الدولة، لكنها تريد أن يحصل الجميع على المن والسلوى ضمن أسس اقتصادية ونقدية متينة ومستقرة ومستدامة".

ارانب السياسة

سادسًا، الهجوم على رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل من دون أن يسميه، فوصفه بـ"الأرنب"، وقال:"صحيح أن بعض أرانب السياسة اليوم تتوهم بأنها تسابق القوات بمجرد انها تقفز يمينا ويسارا وتصدر الأصوات والضوضاء وتركض سريعا امامنا وتخلف على دربنا الحصى وتثير الغبار، ولكنها مهما ركضت وقفزت وافتعلت بهلوانيات، تبقى مجرد ارانب، وتبقى القوات هي الأساس".

الشراكة المسيحية
سابعًا، الشراكة المسيحية متوجهًا إلى من يدّعيها بالقول:"إن الضنين بتحقيق الشراكة المسيحية في السلطة لا يسعى لتهميش جميع المسيحيين الذين لا يدينون له بالولاء، ويحرمهم حتى فرصة المنافسة الشريفة. ان تحقيق الشراكة لا يكون بتزكية مبيضي الوجوه والوجوه الصفر والانتهازيين الصغار في الدولة، لاننا بالنهاية سنعود وندفع كمسيحيين وكلبنانيين ثمن ادارة فاشلة فاسدة، كما ثمن التفرد والاستنسابية في الاختيار. ان الحريص على الحضور المسيحي في الدولة يجب أن يكون حريصا على الدولة بالدرجة الأولى. فماذا ينفع الشراكة المسيحية إذا ربح المسيحيون وظائف في الدولة، والدولة بحد ذاتها مغتصبة الصلاحيات، وعلى شفير الإفلاس.

بين الدولة والدويلة
ثامنًا، الهجوم على الدويلة وعلى من يؤّمن لها غطاء شرعيًا، إذ أن تأمين التوازن في الدولة لا يكون بدعم سلاح خارج الدولة والاستقواء به على باقي المسيحيين واللبنانيين"، وقال:"حافظنا على الشرعية عندما دق الخطر على ابواب الدولة، وهم وبكل بؤس ووقاحة يسخرون الشرعية لخدمة الدويلة في زمن قيام الدولة، وأن المواطن اللبناني محروم وممنوع من الوصول الى دولة فعلية تحقق له تطلعاته بحكم وجود دويلة داخل الدولة، دويلة تصادر القرار الاستراتيجي، وتقيم اقتصادا موازيا، ولا تتورع عن استخدام وسائل عنفية مدانة لمحاولة تطويع معارضيها وكم أفواههم. "

بالطبع إن كلام جعجع سيلاقي ترحيبًا من قبل البعض، وكذلك سيلقى معارضة وهجومًا من قبل البعض الآخر، وهو كلام وصف بأن "القوات" قررت عدم العودة إلى الوراء.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى