بداية غير مشجّعة للحرب على الفساد، تفوق التغطية الطائفية والحزبية لمن يُمكن أن توجّه إليهم إتّهامات في هذا الإطار، خصوصاً أن كل الأطراف تتعامل مع الموضوع على قاعدة الإنتقام والتشفّي، أو زجّ الحلفاء الاستراتيجيّين في معارك مقنّعة ضدّ الحلفاء الموسميّين أو الظرفيّين، وهو ما يجعل الحروب على الفساد تتمّ بالوكالة في تفاصيل كثيرة منها.
وبمعزل عن الإسناد الطائفي الذي حصل عليه الرئيس فؤاد السنيورة من قِبَل مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللّطيف دريان أمس الإثنين، وبغضّ النظر عن عدم إمكانية تحميل السنيورة وحده جبال تجاوزات ارتُكبت في لبنان منذ التسعينيات، وبعيداً من إمكانية أن تفتح حروب الفساد ملفات إتّهامات تتعلّق بإثراء غير مشروع، أو رحلات تجارية واستثمارية خاصّة تحت ستار القيام بجولات في كثير من الدّول بإسم الدولة اللبنانية… لبعض من هو مقرّب من هذا الفريق أو ذاك، بعدما تمّت لفلفة كل تلك الملفات في مراحل سابقة، على طريقة “أنا هسّ وإنت هسّ”… يبقى الخوف الأكبر من أن لا يتمكّن “المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء” من القيام بدوره كما يجب، لأسباب سياسية.
أكد الوزير السابق ابراهيم نجار أن “تشكيل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء هو موجب دستوري، ولا علاقة للسياسة به، إذ إنه من الأمور التي ينصّ عليها القانون والدستور في شكل مستقلّ عن ملف الفساد الذي تتمّ إثارته حديثاً، فيما يظهر أن الفساد يستشري أيضاً خارج إطار المسؤولين السياسيين”.
وشدّد في حديث الى وكالة “أخبار اليوم” على أنه “يجب أن يكون بدء العمل بموضوع الفساد أمام القضاء اللبناني في مرحلة أولى. وإذا اتّضح خلال السير بالتحقيقات أنه يتعيّن محاكمة أحد المسؤولين السياسيين، عندها يُطبَّق القانون وتُرفَع الحصانات وتُحال القضية أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء”.
وشرح نجار:”لا بدّ من الإشارة الى ما يسمّى مرور الزمن المُسقط للملاحقة، وتوجد ثلاثة أنواع من مرور الزمن. ففي القضايا الجنائية، يبلغ مرور الزمن 10 سنوات. وفي قضايا الجنح، يبلغ مرور الزمن ثلاث سنوات، فضلاً عن وجود قضايا تبلغ مخالفات مرور الزمن فيها سنة واحدة”.
وأضاف:”الى أي مدى تخضع قضايا الفساد التي يُثيرها البعض حالياً الى السقوط بمرور الزمن؟ هذه مسألة أولية. فإذا نظرنا الى هذا الموضوع بصورة عامة، نجد أن المواضيع المعنية بقضية الفساد يجب أن لا يرجع عهدها الى أكثر من 10 سنوات، اذا كانت من النوع الجنائي. فالجناية هي توصيف يعتمده قانون العقوبات، والعقوبات تختلف عن الإتهامات السياسية”.وتابع نجار:”يتوجّب توفّر جناية للتمكّن من الملاحقة، والجناية يجب أن تتّفق مع المفهوم الذي ينصّ عليه قانون العقوبات، وهذا الموضوع ليس كما يبدو موضع مقاربة جدية وقانونية الى الآن، إذ إننا حالياً في أجواء سياسية أكثر منها قانونية بالمعنى الدقيق للكلمة. وهذه الاجواء توحي بأن هناك “أجندا” سياسية أكثر منها قضائية وقانونية. و”الأجندا” السياسية هذه خطيرة جداً لأن عقوبتها سياسية، وقد يكون ذلك أخطر من العقوبة الجنائية”.
وقال نجار:”يبدو أن إثارة ملفات الفساد كما يحصل حالياً لا تتعلق لا بمؤتمر “سيدر” ولا حتى بموضوع إنشاء “المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء”، ولا بالقانون والدستور وقانون العقوبات، بل إنها سياسية وغير جديّة، لأن التطرّق إليها لا يتمّ أمام القضاء، بالشكل الموضوعي والعلمي المطلوب”. ولفت نجار الى أنه “في ما يتعلّق بالمؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس فؤاد السنيورة، الهدف الواضح منه هو توجيه السنيورة رسالة تقول إنه إذا أردتم معرفة كيف صُرفت تلك الأموال التي يُحكى عنها، ما عليكم إلا مراجعة القيود الموجودة لدى وزارة المال. وفي المقابل، لم تتطرّق أي جهة الى مسألة كيف صُرفت ولماذا صُرفت تلك الأموال؟ واقتصر الأمر على مجرد إحالة الجميع الى القيود الموثقة لدى وزارة المال، ولذلك لم تتمكّن أي جهة من الردّ عليه (السنيورة)”.
ورداً على سؤال حول إمكانية الذهاب بملفات الفساد الى تحقيق دولي، أجاب نجار:”لا، أبداً. لا يتوجّب العودة الى المرحلة التي حملت سجالات حول المحكمة الخاصة بلبنان. كما لا يجب التنازل عن السيادة اللبنانية من أجل قضايا فساد”.
وأوضح:”جناية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، والجنايات الأخرى المتلازمة معها، هي قضايا إرهابية على نطاق أوسع من لبنان، لذلك استوجبت تدخل المجتمع الدولي ومجلس الأمن”.
وعن مسألة وجود ممارسات فاسدة من قِبَل مسؤولين سوريين بالتعاون مع مسؤولين لبنانيّين، خلال مرحلة الإحتلال السوري للبنان في التسعينيات، وصولاً الى عام 2005، أو ربما بعده بقليل، ختم نجار:”يجب النظر إذا ما كانت تلك الملفات خاضعة لمرور الزمن أيضاً”.