هل يعقل أن يموت في لبنان شخص من داء الكلب في القرن الـ21؟

هل يعقل أن يموت في لبنان شخص من داء الكلب في القرن الـ21؟
هل يعقل أن يموت في لبنان شخص من داء الكلب في القرن الـ21؟

إنّه السؤال الذي طرحه النائب بطرس حرب عقب وفاة الشاب إيلي نافعة (21 عاماً) منذ يومين مصاباً بداء الكلب إثر تعرّضه لعضة كلب منذ نحو شهر، مطالباً وزارة الصحة والنيابة العامة الإستئنافية بفتح تحقيق فوري لمعرفة أسباب الوفاة (سيّما وأنّه لجأ إلى المستشفى لتلقي العلاج). السؤال عينه تردّد على ألسنة اللبنانيين الذين صدمهم خبر رحيل ابن شكا العشريني، وحيد أهله وزهرة المنزل التي طال انتظارها، في وقت بدأت تخرج من عائلة الفقيد اتهامات للجسم الطبي بالتقصير في متابعة حالته بل في عدم إعطائه اللقاحات اللازمة.

فما هي الإجابة العلمية؟ وماذا عن هذا الداء الذي كان كفيلاً بسلب شاب في ربيع عمره وعطائه ورونقه أنفاسه إلى الأبد؟!

يشرح الطبيب الإختصاصي في الأمراض الجرثومية جاك مخباط أنّ "داء الكلب ناتجٌ من فيروس موجود في الطبيعة ينتقل إلى الحيوانات آكلة اللحوم (التي تعض) وأيضاً إلى الحيوانات التي تجترّ، علماً أنّ كل حيوان يمكن أن يصاب بالكلب في حال تمّ عضه من حيوان "كلبان"، لكنّ الحيوانات الصغيرة، بما فيها القوارض مثل الفئران، عادة ما تموت من جرّاء العضة نفسها قبل أن تموت بداء الكلب".

وفي حديث لـ "لبنان24"، يشرح مخباط أن فيروس داء الكلب منتشرٌ عند الحيوانات البرية (مثل الواوي والذئب) وعادة ما ينتقل إلى الحيوانات

الداجنة ولا سيّما الكلاب عندما تتعارك هذه الأخيرة، بخاصة في القرى النائية، مع الحيوانات البرية وتتلقى عضات منها. ويذكر مخباط أنّ الخفافيش (الوطواط) قادرة على نقل داء الكلب أيضاً، لكنها في لبنان غير مصابة به بخلاف مثلاً تلك الموجودة في مغاور أميركا الجنوبية حيث تنتقل العدوى بالهواء وليس عبر العض فقط، نظراً إلى أعداد الخفافيش الهائلة هناك وكمية الفيروس المنتشرة في الهواء.

وبحسب مخباط، ينتقل الداء إلى الإنسان عندما يعضّه حيوان مصاب بالفيروس، وقد يكون ذلك في البرية (في حال هاجمت الحيوانات البرية الصيادين)، أو في اي مكان آخر بسبب إصابة حيوان دجين مثل الهرّة أو الكلب بالداء.

وبحسب منظمة الصحة العالمية تنتقل العدوى بفيروس داء الكلب إلى الإنسان عن طريق الكلاب الداجنة في نسبة تصل إلى 99% من الحالات، ويسجَّل أكثر من 95% من حالات الوفاة البشرية في آسيا وأفريقيا.

ويشرح مخباط ان الكلب الذي يصاب بالكلب تظهر عليه عوارض المرض بعد أسبوعين من تلقيه العضّة، لكنه يبدأ بنقل الفيروس قبل 5 أيّام من ظهور أيّ عارض! أما الهررة فتظهر عليها العوارض بعد 15 يوماً من إصابتها.

ومن العوارض الشائعة التي يمكن ملاحظتها على كلب "كلبان": سيلان لعابه الدائم، ضعف في حركة رجليه الخلفيتين، عدوانية واضحة حتى تجاه معلمه كونه لا يعود يتعرّف عليه بسبب فتك الفيروس بدماغه...

ماذا عن إصابة الإنسان بالكلب؟

يكمل مخباط حديثه شارحاً أنه "عندما يتلقى الإنسان عضّة من حيوان مصاب بداء الكلب فإن الفيروس ينتقل من مكان العضّة ويتجوّل عبر العصب وصولاً إلى الدماغ! وكلما كان موضع العضة بعيداً من الدماغ كلمّا كانت "رحلة انتقال الفيروس" أطول، وبالطبع، أقلّ خطراً".

من هنا الحديث عن أنّ فترة حضانة المرض تتراوح بين يومين وشهرين!

يتابع مخباط: "في حال وصل فيروس الكلب إلى دماغ الإنسان فإنه يُحدث التهابات ويؤثر في وظائفه. هنا تبدأ العوارض بالظهور، وأبرزها: ارتفاع حرارة الجسم، الهذيان، رهاب المياه والهواء الناتج من مواجهة المصاب صعوبة في بلع المياه أو تنشق الهواء نتيجة تشنج مؤلم في الحنجرة. هذه التطورات تحصل في خلال ايام قليلة (3 الى 4 أيام) وعادة ما ينتهي المصاب في اليوم الخامس مصاباً بغيبوبة (كوما) التي تؤدي عملياً إلى الوفاة بعد يومين". يعقب الطبيب:" ما يحصل عملياً اليوم هو أننا بفضل الطب الحديث وتطوّره أصبحنا نطيل "عمر" المريض عبر وصله بآلات طبية، علماً أنه حكماً متوفى إذ إنّ التلف الذي سببه الفيروس في الدماغ لا يُمكن إلا أن يؤدي إلى الموت".

إذاً، إنّها الإجابة الصادمة والحزينة على سؤال "هل يعقل أن يموت شخص من داء الكلب في القرن الحادي والعشرين"؟

يوضح مخباط أكثر:" داء الكلب هو المرض الجرثومي الوحيد الذي يؤدي حكماً إلى الموت. لا علاج له ولا شفاء منه في حال استحكم. بعض الأشخاص يمكن أن ينجوا من الإيبولا على سبيل المثال، لكن من الكلب...ما حدا بيزمط منو"!

قد تبدو هذه الثابتة العلمية غريبة إذ كيف عاش كثيرون ممن تلقوا عضات من حيوانات "كلبانة"؟! يقول مخباط: "وحدهم من تلقوا لقاحات ساعدتهم على وقف تطوّر الإصابة بالمرض هم من نجوا".

ويشرح أنّ علاج شخص تلقى عضّة من حيوان مسعور يشمل إبر الكزاز ومضادات حيوية ضدّ الفيروس ولقاحات مقاومة له. "ويعطى العلاج فور حصول حادثة العضّ، فإذا ما كوّن المريض مناعة كافية لحماية دماغه من الإصابة بالفيروس، نقول أنه "زمط". لكن المشكلة تكمن أحياناً في أنّ هناك أشخاصاُ ضعيفو المناعة أو لسبب ما غير قادرين على تطوير تلك المناعة. أما المشكلة الأكبر فهي في مكان العضّة، فإذا كانت في الرأس فهذا يعني أنّها ستسبق العلاج وتصل إلى الدماغ لتلفه". ويشدد مخباط على أنّ ظهور عوارض الكلب يعني وصول الفيروس إلى الدماغ، وبالتالي فإن الموت محتّم.

ماذا على الإنسان أن يفعل عندما يتعرّض لعضّة أو هجوم شرس من حيوان؟

بحسب مخباط، "يجب فوراً الذهاب إلى الطبيب سواء كانت العضّة خفيفة وسطحية أو كبيرة، وذلك من أجل البدء بتلقي العلاج المحدد. من المهم أيضاً أن نعرف ما إذا كان للحيوان مالك لنسأله ما اذا كان قد قام بإعطائه كل اللقاحات ضدّ الكلب، وعلينا أيضاً أن نعرف إذا كان الهجوم من الحيوان غير مُبرر".

الأهم بحسب الطبيب هو عدم قتل الكلب عندما يهاجم شخصاً:" من الضروري جداً إخضاع الكلب للمراقبة أقلّه لمدة أسبوع لمتابعة حالته. إن هذا الأمر يخدمنا في أمور كثيرة أهمها تشخيص الحالة بدقة ومعرفة ما الذي قد حصل فعلاً".

إن تطعيم الكلاب ضدّ داء الكلب هو أمرٌ ينصح به مخباط جميع مالكي هذه الحيوانات الأليفة.

يُذكر أنّ وزارة الصحة اللبنانية دعت المواطنين إلى التقيّد بإرشادات وقائية من داء الكلب سيّما بعد ارتفاع أعداد المعقورين في مختلف المناطق اللبنانية وازدياد أعداد الكلاب الشاردة في أكثر من منطقة.

وهذه الإرشادات هي:

– التوجه فوراً (خلال مهلة لا تتعدى الـ 24 ساعة) إلى أقرب مركز لمكافحة داء الكلب فور التعرض لعقر او حتى خدش ومتابعة البروتوكول الوقائي من داء الكلب حتى آخر جرعة من التلقيح.

– غسل مكان العقر أو الخدش بالماء والصابون جيداً.

– تطهير الجرح باستعمال المواد المطهرة.

– عدم تقطيب الجرح وفي حال الضرورة القصوى يترك جزء من الجرح غير مقطب.

– أخذ حقنة ضد الكزاز.

– تجنب الإقتراب من الحيوانات الشاردة خاصة الكلاب والقطط.

– الإنتباه للأطفال عند اللعب مع الحيوانات.

– ضرورة تلقيح الكلاب الأليفة والإحتفاظ بشهادات تلقيحها.

– مراقبة الحيوان المشبوه لمدّة عشرة أيّام بعد الحادثة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى بري: “الحكي ببلاش”… والجلسة في موعدها