هل فعلاً باتت الأدوية في لبنان الأغلى في المنطقة؟ وهل صحيح ان الفاتورة الدوائية التي يدفعها المواطن اللبناني هي الاعلى في المنطقة؟ واين اصبحت سياسة دعم مصانع الادوية في لبنان وتشجيعها ليصبح سعر الدواء مشابها للاسعار التركية وبالجودة نفسها للدواء الاوروبي وغير الاوروبي الذي نستورده؟ اسئلة كثيرة طرحت في الاونة الاخيرة بعد توجه مئات اللبنانيين الى تركيا، ليس بهدف السياحة فحسب، انما لشراء الادوية التي تلزمهم باسعار مخفوضة كثيرا عما هي عليه في لبنان.
يرد نائب رئيس الحكومة وزير الصحة غسان حاصباني على هذه التساؤلات نافيا في حديثه لـ«المستقبل» ان تكون الأدوية في لبنان هي الأغلى مقارنة مع الدول المماثلة للبنان، ويؤكد في المقابل انها ضمن المعدلات المقبولة بالنسبة الى حجم السوق والاقتصاد. هو يشرح انه «في المقارنة مع دول عربية اخرى تتمتع بقطاع صحي متقدم، فان اسعار الادوية في لبنان تندرج ضمن المعدلات واحياناً أقلّ. هي مقارنة لا تصح مع دول كالهند (مليار و300 مليون نسمة) او مصر (100 مليون نسمة) او تركيا ( 80 مليون نسمة)، بفعل تدني تكلفة التصنيع فيها من جهة وكبر حجم اسواقها من جهة اخرى. هذا اضافة الى الدعم المتوافر التي تؤمنها حكومات هذه الدول لصناعاتها من الادوية».
عن تركيا تحديدا، يوضح حاصباني ان انخفاض سعر صرف العملة المحلية ساهم بخفض مهم للأسعار عموما، بما في ذلك الأدوية التي باتت تُصنّع في تركيا بتراخيص من الشركات الأم.
اما عن تسعير الدواء في لبنان، فيوضح حاصباني ان أُسس هذا الامر مبنية منذ عقود على هيكلية حسابية يتم فيها أخذ رأي كل من وزارات: المال، الاقتصاد والتجارة، الصناعة، نقابة مستوردي الادوية واصحاب المستودعات ونقابة مصنعي الادوية، وذلك بعد استشارة مجلس شورى الدولة. كما تعمد لجنة تسعير الدواء الى تحديد السعر في بلد المنشأ ومقارنته مع 7 دول عربية ذات نظام اقتصادي شبيه بلبنان وهي: السعودية، الاردن، الكويت، الامارات، البحرين، سلطنة عمان وقطر، ومع 7 دول غربية وهي: فرنسا، بريطانيا، بلجيكا، سويسرا، ايطاليا، اسبانيا والبرتغال، حيث يتم اعتماد السعر الادنى فيها.
يبلغ معدل الفاتورة الدوائية للمواطن اللبناني، بحسب وزير الصحة، 244 دولاراً سنوياً مقارنةً بفاتورة في بلدان أخرى تصل الى نحو 700 دولار سنوياً، وفي بعض الدول تلامس الـ 1500 دولار سنوياً. «لكن هذا الانخفاض في معدل الفاتورة الدوائية في لبنان لا تعني ابداً اننا لسنا بصدد إعادة النظر بتسعيرة الدواء، فهناك آلية تُعدل من وقت لآخر كان آخرها في العام 2016. ثم عندما تسملت حقيبة الصحة، قمنا بتعديل في الـ2017 ساهم في خفض الأسعار مع بداية الـ 2018 للأدوية التي تجاوز عمرها الـ5 سنوات في السوق اللبنانية كما جرت العادة. اما اليوم، وبفعل التعديل الجديد، أصبح بإمكاننا إعادة النظر بتسعيرة الدواء في الشهر الأول من السنة الثالثة من تاريخ تسجيل الدواء في لبنان، وفي حال انخفض السعر في البلد المنشأ قبل ثلاث سنوات من تاريخ تسجيله ينخفض سعره ايضاً في لبنان». ويؤكد حاصباني ان لبنان على موعد مع بداية العام 2019 مع إعادة تسعير جديدة لنحو 3340 دواء، وان نسبة الانخفاض قد تصل الى نحو 70 في المئة من أصل نحو 5000 دواء، منها 1630 في شهر كانون الثاني والباقي بين آذار وحزيران المقبلين.
لا شك أن آلية التسعير الجديدة للأدوية المستوردة ساعدت المواطن، الا انها، في بعض الأحيان أثرت سلباً على سعر الدواء حيث أصبح الدواء «الجنريك» أغلى من الدواء الاساسي، «لذلك قامت وزارة الصحة بتعديل آلية التسعير بحيث يبقى سعر الدواء الجنريك اقل من الأساسي بـ 10 في المئة كحد أدنى»، يشرح حاصباني. ويضيف «حتى الادوية التركية المدعومة والتي تعتبر رخيصة يتواجد في غالبية الاصناف اللبنانية أدوية جنريك ارخص منها وبالمعادلة العلمية ولكن باسم مختلف. كل هذا يُتيح للمواطن اللبناني اختيار الدواء حسب السعر الذي يناسبه. ليس هذا فحسب، سيتقدم نواب كتلة الجمهورية القوية باقتراح تعديل قانون مزاولة مهنة الصيدلي بالبند المتعلق بموضوع بالسماح للصيدلي باستبدال الدواء الأساسي في حال كان متوفرا بآخر جنريك شرط ان يتمتع بالجودة والفعالية نفسها كالدواء الأساسي ولكن بسعر اقل، وعندها يبقى للمريض الحرية في الاختيار».
الصيادلة: لمراعاة السوق
آلية التسعير الجديدة لم تلقَ ترحيباً واسعاً لدى الصيادلة الذين، ورغم تفهمهه لما تقوم به الوزارة الا انهم يناشدون وزير الصحة عبر «المستقبل» العمل معهم من أجل حمايتهم وحماية هذا القطاع الذي بات مهدداً.
يؤكد الصيدلي ربيع شهيب في حديثه لـ«المستقبل»، ان مهنة الصيدلي هي مهنة انسانية بالدرجة الاولى وليست تجارية، وان الالية التي اعتمدتها وزراة الصحة خطوة جيدة للمواطن والقطاع من دون شك، «لأن المواطن اللبناني، وكما بات معلوماً، يذهب الى تركيا من أجل تأمين ادويته بسبب تدني الأسعار. اما اليوم ومع هذه الآلية، اعتقد ان السوق اللبنانية ستنتعش قليلاً خصوصاً وان الاسعار ستكون قريبة جداً من الأسعار التركية المحلية ولكن بجودة أوروبية لذلك أعتقد ان اللبناني سيتجه مجدداً الى سوقه». لكنه يضيف «فكرة زيادة الـ 750 ليرة على الأدوية التي أقرتها وزارة الصحة سابقاً كانت ايجابية للمواطن والصيدلي معاً، لذلك نتمى على الوزير ايجاد آلية جديدة لمساعدة قطاع الصيادلة على الاستمرار تزامناً مع آلية اعادة التسعير الجديدة خصوصاً وان معظم الأدوية تتجه الى الانخفاض الى نحو 70 في المئة وبالتالي ربح الصيدلي سيسلك الطريق نفسه».
لا يختلف رأي الصيدلي هشام عبد الله عن رأي شهيب من حيث أهمية انخفاض أسعار الأدوية بالنسبة للمواطن، ولكن «ألا تكون على حساب قطاع»، مؤكداً ان السوق التركية أضرّت بهذا القطاع، خصوصاً وان معظم اللبنانيين باتوا يقصدون تركيا لشراء أدويتهم.
يقول لـ«المستقبل» «كل دواء لا يدخل عن طريق الوكيل الرسمي يُعتبر بحكم القانون مهرب يجب مكافحته، وهذا ما لا نراه اليوم. فمئات الأدوية تأتي من تركيا ويُسمح لها بالدخول بحجة انها أدوية لاستعمالات شخصية، واذا بها تُباع في لبنان. لذلك على نقابة الصيادلة دور اساسي في الضغط على الدولة من أجل مكافحة هذه الظاهرة التي باتت تؤثر بشكل سلبي على قطاعنا، فلنأخذ الامارات العربية مثلا التي منعت مؤخراً دخول اي دواء الى أراضيها دون وصفة طبية رسمية وبكمية معينة، نتمنى من وزير الصحة العمل على معالجة هذه الظاهرة الجديدة والتي بدأت تكبر وتنتشر أكثر فأكثر».
يؤكد الصيدلي باسل سبيتي لـ«المستقبل» «انه من حق المريض ان يحصل على الدواء الارخص ثمنا خصوصاً في ظل الضائقة الاقتصادية التي يعيشها المواطن اللبناني. ونحن مع اي خطوة من شأنها ان تساهم في خفض كل الأسعار خصوصاً الأدوية، ولكن اي آلية يجب ان تراعي مصلحة السوق الدوائية التي تصب بالنهاية في مصلحة المواطن، لان اي اهتزاز بالسوق قد يؤدي الى انقطاع الادوية وبالتالي سينعكس سلبا على صحة المواطن. لذلك يجب ان تتم عملية الخفض بطرق مدروسة وتدريجية تضمن بقاء الادوية في متناول الجميع. كما يجب يؤخذ في عين الاعتبار اعادة تصحيح جعالة الصيدلي باعادتها لما كانت عليه قبل ان يتم توزيعها الى شطور مع ما تبع ذلك من اجحاف. ومن هذا المنطلق لا بد من المحافظة على الصيدلي ومساعدته على البقاء كونه جزء مهم من المنظومة الصحية».
سبيتي الذي يُطالب «وزارة الصحة بالتحرك ضد المضاربات غير المشروعة والتي تضر بهذا القطاع خصوصاً بعض المستوصفات التي تقوم ببيع الادوية خلافاً للقانون حيث يُفترض ان توزعها مجانا على الناس».
وحاصباني يطمئنهم
لم يتأخر حاصباني بالرد على هواجس بعض الصيادلة والتي كانت «المستقبل» قد نقلتها اليه ويؤكد «انه لا مساس بجعالة الصيادلة فهي حق لهم وخفض اسعار الدواء لن يكون على حسابهم ابداً».
ويضيف «لقد دعمنا هذا القطاع في المرحلة الأولى خصوصاً وان جعالة الصيادلة هي نسبة مئوية من سعر الدواء. فالأدوية التي انخفضت اسعارها وهي تُشكل نسبة كبيرة دون الـ20 الف ليرة لبنانية فقامت وزارة الصحة بوضع نسبة مقطوعة لهم هي 750 ليرة لبنانية بغض النظر عن سعر الدواء الأساسي، وسنستمر بدعمهم في تأدية رسالتهم النابعة من ايماننا برسالة الصيدلي ودوره الاساسي في القطاع الصحي، مطالباً اياهم بالالتزام بالوصفة الطبية الموحدة، وعدم اعطاء اي دواء دون وصفة».
أما في ما يتعلق بموضوع المستوصفات، فيوضح حاصباني «ان القانون واضح، فهناك رسم مقطوع 10 آلاف ليرة لبنانية يدفعها المريض تتضمن المعاينة والدواء، واي مستوصف لا يلتزم بهذا القانون نتمتى ابلاغ وزارة الصحة لاتخاذ الاجراءات اللازمة بحق المخالفين التي قد تصل الى سحب التراخيص».