من الطبيعي أن يدعو رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعد إقفال محضر الجلسة الانتخابية الرئاسية التاسعة، إلى الحوار مجدّدًا، وهو صادق في ما دعا إليه. فهو سبق له أن دعا إلى مثل هكذا حوار منذ ما قبل نهاية عهد الرئيس ميشال عون، لكن لا أحد تجاوب معه، وبالأخصّ القوى المسيحية، التي هي في حاجة إلى حوار بين بعضها البعض أكثر من حاجتها إلى الانتقال إلى مرحلة محاورة الآخرين. ولكن عدم التجاوب مع دعوته الأولى لم تحبطه ولم تدعوه إلى اليأس والقنوط، بل حاول مرّة جديدة، على أمل ألا تكون الأخيرة. وبذلك، وفق ما تقول أوساط عين التينة، يكون الرجل قد فعل المستحيل من أجل انتخاب رئيس يكون نتيجة تفاهم اللبنانيين بين بعضهم البعض قبل أن تأتيهم "التعليمات" من الخارج، فيجد ممثلوهم أنفسهم منصاعين لانتخاب رئيس لا يقتنعون بأن في مقدوره أن يساهم في إنقاذ ما يجب إنقاذه قبل فوات الأوان.
فإذا لم يتحاور اللبنانيون في ما بينهم على مسألة خلافية كانتخاب رئيس للجمهورية، وهي مسألة يقرّ الجميع بأنها مدخل للحلول الأخرى، فعلى ماذا يمكن أن يتحاوروا؟ فالمواضيع الخلافية بينهم كثيرة، وفيها الكثير من التباعد في وجهات النظر بين هذا الفريق وذاك. يكفي أن نشير إلى ما سبق أن ذكرناه في أكثر من مقالة إلى أن أبيضَ هذا الطرف يراه الطرف الآخر أسودَ. وهكذا دواليك في كل صغيرة وكبيرة. ما يتفق عليه اللبنانيون، أقّله نظريًا، هو أنه يجب عليهم أن يتفقوا، ولكن لا أحد يبدو مستعدّا للبدء بالخطوة الأولى، وهي الأصعب في مسيرة حوار لا بدّ منه في نهاية المطاف.
لا أحد يريد أن يتحاور مع الآخر، لأن مبدأية الحوار تفرض على كل طرف أن يقدّم تنازلات معينة عمّا يعتقده صوابًا. وكما هو واضح لا أحد من القوى السياسية "الواقفة على سلاحها" مستعدّة لتقديم أي تنازل عمّا تعتبره المدخل الطبيعي لأي حلّ ممكن من غير الجائز تجاوزه أو تخطّيه أو تجاهله للوصول إلى أي تفاهم منطقي وعقلاني.
ولكي تكون الأمور أكثر وضوحًا ولا لبس فيها نقول إن عقدة العقد هي "سلاح حزب الله"، إذ تعتقد فئة كبيرة من اللبنانيين، التي تسمّي نفسها "سيادية" أن هذا السلاح هو أساس كل مشاكل لبنان، ومنه تتفرع المشاكل الأخرى، السياسي منها والاقتصادي والمالي والاجتماعي، وما إلى هناك من مشاكل جانبية. وتعتبر هذه الفئة أنه لولا هذا السلاح لما تمادى الفاسدون في فسادهم. وتتساءل: كيف يمكن أن يحاور اللبناني الأعزل شريكه الآخر وهو يضع سلاحه على طاولة الحوار؟
أمّا الطرف الآخر فلديه رؤية مختلفة عن دور هذا السلاح، خصوصًا أن الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله سبق أن حدّد مواصفات الرئيس الذي يريده، وهو أن يحمي ظهر "المقاومة"، أي بتعبير آخر أن يحمي سلاحها، الذي لولاه لكانت إسرائيل استباحت السيادة اللبنانية، جوًّا وبرّا وبحرًا، أكثر بكثير مما تفعله اليوم. ولولا هذا السلاح لما كان اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل قد أبصر النور. ولولا هذا السلاح لكان تنظيم "داعش" قد اجتاح لبنان واستباح كل شيء.
فمع هذين المنطقين المعبّر عنها في المواقف السياسية اليومية لا يمكن لأي حوار أن ينجح إلاّ إذا قرّر اللبنانيون أن يضعوا هذه المسألة الحسّاسة والدقيقة، والتي لها ارتباطات إقليمية أكبر من قدراتهم الذاتية على جنب، والذهاب إلى "حوار الطوارئ"، مع ما يفرضه هذا الحوار من "أدبيات" وسلوكيات تأخذ في الاعتبار أولوية انتخاب رئيس جديد للجمهورية وفق أسس واضحة تقوم على رؤية انقاذية سياسية واقتصادية ومالية اجتماعية واصلاحية.
فالحوار هو كرقصة "الفالس" تفرض وجود شريكين لتكتمل مشهدية الرقص. والحوار لا يكون عادة بين متفاهمين، بل بين مختلفين. فالرئيس بري سعى لكن الآخرين خذلوه، ولم يبق أمامه سوى أن يرفع يديه نحو العلى ويقول "اللهم أشهد أني قد بلغت".
لا أحد يريد أن يتحاور مع الآخر، لأن مبدأية الحوار تفرض على كل طرف أن يقدّم تنازلات معينة عمّا يعتقده صوابًا. وكما هو واضح لا أحد من القوى السياسية "الواقفة على سلاحها" مستعدّة لتقديم أي تنازل عمّا تعتبره المدخل الطبيعي لأي حلّ ممكن من غير الجائز تجاوزه أو تخطّيه أو تجاهله للوصول إلى أي تفاهم منطقي وعقلاني.
ولكي تكون الأمور أكثر وضوحًا ولا لبس فيها نقول إن عقدة العقد هي "سلاح حزب الله"، إذ تعتقد فئة كبيرة من اللبنانيين، التي تسمّي نفسها "سيادية" أن هذا السلاح هو أساس كل مشاكل لبنان، ومنه تتفرع المشاكل الأخرى، السياسي منها والاقتصادي والمالي والاجتماعي، وما إلى هناك من مشاكل جانبية. وتعتبر هذه الفئة أنه لولا هذا السلاح لما تمادى الفاسدون في فسادهم. وتتساءل: كيف يمكن أن يحاور اللبناني الأعزل شريكه الآخر وهو يضع سلاحه على طاولة الحوار؟
أمّا الطرف الآخر فلديه رؤية مختلفة عن دور هذا السلاح، خصوصًا أن الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله سبق أن حدّد مواصفات الرئيس الذي يريده، وهو أن يحمي ظهر "المقاومة"، أي بتعبير آخر أن يحمي سلاحها، الذي لولاه لكانت إسرائيل استباحت السيادة اللبنانية، جوًّا وبرّا وبحرًا، أكثر بكثير مما تفعله اليوم. ولولا هذا السلاح لما كان اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل قد أبصر النور. ولولا هذا السلاح لكان تنظيم "داعش" قد اجتاح لبنان واستباح كل شيء.
فمع هذين المنطقين المعبّر عنها في المواقف السياسية اليومية لا يمكن لأي حوار أن ينجح إلاّ إذا قرّر اللبنانيون أن يضعوا هذه المسألة الحسّاسة والدقيقة، والتي لها ارتباطات إقليمية أكبر من قدراتهم الذاتية على جنب، والذهاب إلى "حوار الطوارئ"، مع ما يفرضه هذا الحوار من "أدبيات" وسلوكيات تأخذ في الاعتبار أولوية انتخاب رئيس جديد للجمهورية وفق أسس واضحة تقوم على رؤية انقاذية سياسية واقتصادية ومالية اجتماعية واصلاحية.
فالحوار هو كرقصة "الفالس" تفرض وجود شريكين لتكتمل مشهدية الرقص. والحوار لا يكون عادة بين متفاهمين، بل بين مختلفين. فالرئيس بري سعى لكن الآخرين خذلوه، ولم يبق أمامه سوى أن يرفع يديه نحو العلى ويقول "اللهم أشهد أني قد بلغت".