تَتَنافَسُ الضوضاءُ السياسيةُ في بيروت الغارقةِ في “حُفْرَةِ” مأزقِ تشكيلِ الحكومةِ مع الضجيجِ الإقليمي – الدولي فوق “الصفيح” السوري الذي يبدو على مَشارف مُفْترقٍ قد يشكّل انعطافة بمسار لعبة “الشطرنج” المتعددة الساحات.
وإذ عاود الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري إدارة محركاتِ مشاوراتِه في عمليةِ “جسِّ نبضٍ” جديدة حيال استعداد مختلف الأطراف لتنازلاتٍ متبادلة تتيح التوافق على تشكيلة “قابلة للحياة”، استمرّت الأنظار على “الطبقة الاقليمية” من الأزمة الحكومية وسط طلائع “العواصف” التي تتراكم مؤشراتها في الميدان السوري وبين لاعبيه، كما على الجبهة الإيرانية – الأميركية والتي لا يمكن عزْل تأثيراتها عن لبنان.
وتركّز أوساطٌ سياسية اهتمامَها على “ديبلوماسية الكيماوي” التي اندفعتْ مع التحذيرات من واشنطن وحلفاء لها للنظام السوري من أيّ استخدامٍ للسلاح الكيماوي في معركة ادلب التي تُقرع طبولها، في موازاة “الاتهامات المسبقة” من موسكو لواشنطن وشركائها الغربيين بالتحضير لافتعال “ذريعة كيماوية” لضرْب قوات النظام السوري.
وتتساءل هذه الأوساط إذا كانت “الحرب بالنظّارات” في الملف السوري هي مقدّمة لـ “ضرْبةٍ” تقتاد الجميع إلى الحلّ السياسي الذي يفتح الباب أمام إعادة الإعمار وتالياً عودة النازحين، مُلاحِظة أن الحرب السورية ورغم النقاط الثمينة التي حقّقها الرئيس بشار الأسد إلا أنّها بلغتْ “ستاتيكو” اصطدمتْ به موسكو في ظل عدم تجاوب المجتمع الدولي مع أي منحى لمحو آثار الحرب وتغطية استرجاع اللاجئين قبل معاودة تأهيل النظام في إطار بلوغ التسوية السياسية والتفاهم على شروطها.
ورغم الترجيحات بأن لبنان سيبقى في دائرة المرواحة في غمرة “المرحلة الانتقالية” الفاصلة إقليمياً والتي تشمل أيضاً محطة العقوبات النفطية على إيران، فإن الحريري أطلق جولةَ مفاوضاته تحت سقف “الهنْدسة السياسية” التي يقارب عبرها تشكيل الحكومة على قاعدة “3 لاءات”: لا لحكومة أكثرية تُقصي مكونات ذات تمثيل وازن في البرلمان، لا لحكومة يتحكّم طرف واحدٌ فيها بالثلث المعطّل، ولا لحكومةِ غَلَبَةٍ يتحكّم بمفاصلها فريق مع حلفاء له عبر نيْل ثلثي الوزراء.
وبينما تصطدم “هنْدسة” الحريري بالمعادلات الرقمية بأبعاد سياسية التي يرسمها فريق عون ومن خلفه “حزب الله”، فإن حركة الرئيس المكلف بنسختها الجديدة تشكّل ما يشبه “تدليكاً” لمسار التأليف الذي كان شهد جموداً كبيراً ملأه التلويح بـ“كلام آخَر” من رئيس الجمهورية ابتداءً من مطلع سبتمبر، في سياق إعلان “انتهتْ سياسة الانتظار” والضغط الضمني على الحريري، تارة عبر “فتاوى” دستورية تلمّح لوضعْه بين خياريْ التشكيل أو الاعتذار، وطوراً عبر محاولة تصويره “أسيراً سياسياً” للخارج والمطلوب “تحريره”.
وإذ أُعلن الثلثاء أن الحريري اتصل الاثنين بعون وتشاور معه في تأليف الحكومة واتفقا على لقاء قريب وسـط عدم استبعاد أن يحمل الرئيس المكلف الى رئيس الجمهورية رسْماً تشبيهياً للحصص والحقائب، عاود الحريري خلال اجتماع كتلته البرلمانية رسم “خطوطه الحمر” حول صلاحياته الدستورية والموقف من المحكمة الدولية الناظرة في اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري بعد تهديد الأمين العام لـ“حزب الله” حسن نصر الله من “اللعب بنارها”، عشية استعدادها لاختتام المحاكمات الشهر المقبل تمهيداً لصدور الأحكام في 2019.
وكان لافتاً أنه بينما نُقل أن رئيس البرلمان نبيه بري يلاقي الحريري ويساعده بفكفكة العقد الحكومية، عاود السفير السوري علي عبد الكريم علي إقحام ملف التطبيع مع النظام السوري في المشهد السياسي بعدما بدا أن تحالف فريق عون – “حزب الله” أطلق هذا المسار ويحاوَل فرْضه على أجندة عمل الحكومة المقبلة، وهو ما يتصدى له الحريري.
فالسفير علي قال الثلثاء بعد لقاء بري: “إن التطبيع قائم وعلاقاتنا مع لبنان موجودة بوجود السفيريْن وبتعاون الحكومتيْن وكلام البعض يدعو للرثاء”.