مهمّة تشكيل الحكومة المعقّدة أصلا بفعل الصراع على الحصص والاحجام، باتت اليوم أكثر صعوبة بعد أن رُفع في طريقها في الايام الماضية، حاجز جديد، أين منه عقبات “الأعداد” والارقام! ففي وقت كان البعض يرى ان ثمة صراعا على خيارات الحكومة العتيدة، هو في الواقع ما يعوق تأليفها، أصبح هذا الأمر محسوما و”واضحا وضوح الشمس” في أعقاب الخطاب الاخير للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في مناسبة انتهاء حرب تموز 2006، حيث قال “أحب أن أنصح بعض القيادات، التي نحن على خلاف معها بشأن العلاقة مع سوريا (في إشارة الى الرئيس المكلف سعد الحريري)، ألا يلزموا أنفسهم بمواقف قد يتراجعون عنها”، مضيفا “لينتظروا قليلاً ويراقبوا سوريا إلى أين وما يلزموا أنفسهم لأنه في النهاية لبنان ليس جزيرة معزولة”. وقد ضم الرئيس نبيه بري صوته اليوم الى نصرالله بقوله “إن تصريحات الرئيس المكلف عن العلاقة مع سوريا غير واقعية ولا تفيد”.
هذه المواقف تمهّد، وفق ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية” لمحاولات مكثفة سيبذلها محور 8 آذار في الداخل، لإدراج “التطبيع مع سوريا” في البيان الوزاري للحكومة العتيدة، وهو ما لا يمكن الرئيس الحريري قبوله بأي شكل من الاشكال، وقد حسم بنفسه هذا الامر بقوله الثلثاء “عودة العلاقات مع النظام السوري أمر لا نقاش فيه”، مضيفا ردا على سؤال عن مطالبة البعض بتضمين البيان الوزاري مطلب عودة العلاقات كشرط لتشكيل الحكومة “عندها لا تتشكل الحكومة، وهذا بكل صراحة”.
المصادر تشير الى ان فريق 8 آذار مستعجل قيام حكومة لكنّه لن يقبل الا ان تبصر النور وفق شروطه هو، أي أن تعكس انتصاره في الانتخابات النيابية وتترجم خياراته السياسية المحلية والاستراتيجية وتخدم مصالحه داخليا واقليميا. وبحسب المصادر، فإن ايران التي خرجت “منكسرة” اذا جاز القول من سوريا في ضوء الاتفاقات الاميركية – الروسية في هلسنكي والتي قلّصت الى حد كبير نفوذها في سوريا ميدانيا وسياسيا، قد تسعى الى التعويض عن خسارتها هذه، من خلال الورقة اللبنانية، فتعيد “شدّ ساعدها” وحضورها في بيروت. والحال، أن كل ما يصدر عن “حزب الله” في الآونة الاخيرة، يعكس هذا التوجّه. فهو لم يكتف فقط بسحب “أرنب” الاصرار على التعاون بين دمشق وبيروت، ورميه مجددا على الطاولة، بل عاود وبقوة، القنص على المملكة العربية السعودية، معلنا انها “تتدخل وتقاتل وتدعم مقاتلين في سوريا وتتدخل في العراق وتتدخل في إيران وتعلن حربا شعواء في وضح النهار على الشعب اليمني، وتتدخل في الشأن اللبناني بالتفاصيل والكل يتذكر أنها احتجزت في يوم من الأيام رئيس حكومة لبنان القانوني والدستوري”.
هذا الكلام- الذي استدعى ردا خليجيا وأثار امتعاضا غربيا وعربيا، وفق المصادر، اذ يعد انتهاكا لسياسة النأي بالنفس التي، وبعد اعلان لبنان الرسمي كلّه، وحزب الله ضمنا، الالتزام بها، تراجع الحريري عن استقالته وقدّم المجتمع الدولي المساعدات والدعم لبيروت- يدل الى توجّه لجرّ لبنان، وحكومته المنتظرة، الى المحور الايراني في المنطقة. وعليه، يصبح السؤال عن مصير عمليّة التشكيل، مشروعا.. فالرئيس الحريري لن يقبل الا ببيان وزاري يلحظ النأي بالنفس، على الا يكون هذا التعهد كلاميا فقط، بمعنى انه لن يتساهل في اي قنص على العرب وفي اي تطبيع رسمي مع دمشق، وهو ما أكدته اوساط مستقبلية في الساعات الماضية. فهل دخل التأليف في “نوم سريري” حتى إشعار آخر، وهل المطلوب احراج الرئيس الحريري لإخراجه؟ أم ان ما يحصل يُدرج في خانة رفع السقوف لتحسين الشروط فقط، على ان تعود الى “الواقعية” عندما تدق ساعة الولادة المنتظرة؟