هيام القصيفي – الاخبار
مع استمرار المشاورات حول تأليف الحكومة، تتواصل القراءات حول خلفية مطالبة حزب الله بإعادة إحياء وزارة التخطيط، فهل هي مطالبة تقنية أم لها خلفيات سياسية؟
لا يزال الكلام عن مطالبة حزب الله بإعادة إحياء وزارة التخطيط وتسلمها، محور قراءات سياسية، كونها جاءت مكملة لإعلان الحزب على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله إصراره على الدخول في صلب إدارة الدولة ومكافحة الفساد. ثمة قراءة سياسية تنطلق من هذه النقطة لتتوسع حول الاطار السياسي الذي يطاول عمل مجلس الوزراء ونظرة الحزب اليه. فهذه المطالبة تتقاطع في مكان حساس مع مجلس الوزراء، والمؤسسات التابعة لرئاسة الحكومة. وهذا يتخطى حصر الكلام بمجلس الإنماء والإعمار والسيطرة عليه. هناك مجموعة من المجالس والمؤسسات والادارات المتعددة والنافذة تشكل هيكلاً قائماً بذاته تتبع لرئاسة الحكومة مباشرة، سياسياً وإدارياً. وهذا يعني أن تمركز المال والسلطة يكمن في مكان واحد، لا يشبه أبداً الرئاسة الاولى و لا الثانية حكماً.
الواقع يُبيّن أن أهم المؤسسات التنفيذية والعملانية تتبع لرئاسة الوزراء: 6 مؤسسات عامة و9 مجالس وصناديق وإدارتان عامتان و4 هيئات رقابية، ما عدا الهيئات الدينية والمحاكم الشرعية، و6 فروع تابعة للمديرية العامة لمجلس الوزراء. وإذا كان الكلام عن وزارة التخطيط لا يتعلق بالهيئات الدينية، بل بالمجالس والصناديق، التي تتوجه الأنظار اليها، لأنها لعبت ولا تزال دوراً مهماً في المشاريع والتخطيط والتنفيذ، وتتحكم في إدارة لعبة أموال كبيرة، كانت في كثير من الاحيان تستقطب الاتهامات ضد ممارساتها المتفلتة من كل رقابة ومحاسبة، إلا أن ثمة جانباً سياسياً لا يمكن تجاهله.
من هنا تعيد القراءة السياسية التذكير بنقطة جوهرية تتعلق بالنظام الداخلي لمجلس الوزراء، الذي لم يرَ النور، والذي اختفى الكلام عنه ولا يطالب به اليوم رئيس المجلس النيابي، تحاشياً لإثارة الحساسية السنية ـــ الشيعية، وفي الآونة الأخيرة، يتم تجاهل ما ورد في الدستور لجهة إقامة مقر خاص لمجلس الوزراء، علماً بأن أي كلام عن صلاحيات الرئاسة الثالثة، يستجلب فوراً تعاضد رؤساء الحكومات السابقين جميعهم، على اختلاف توجهاتهم، فيرفضون أي مسّ بها. وقد شهدنا قبل الانتخابات النيابية سجالات بين رؤساء حكومات سابقين ومرشحين حول أهمية الحفاظ على صلاحيات الرئاسة الثالثة ومؤسساتها وهيبتها ومكانتها. هؤلاء يقابلون أي كلام، من قريب أو بعيد، بشأن صلاحيات رئاسة الوزراء، بالرفض التام لأيّ مسّ بها، حتى حين يتعلق الأمر بأداء الأمين العام لمجلس الوزراء في مرحلة من المراحل.
فنظرة حزب الله وحركة أمل الى مجلس الوزراء هي من باب الإصرار على التعامل معه انطلاقاً من حقيقة واحدة، هي أن الصلاحيات تعود الى مجلس الوزراء مجتمعاً، ويريدان حصر القرارات السياسية والادارية والاقتصادية بمجلس الوزراء مجتمعاً، ولهذه الكلمة أهميتها، كونها تعبّر تماماًَ عن أن لا تفرّد حتى لرئيس الحكومة في عمل مجلس الوزراء بعد الطائف. ويتم التعامل مع مجلس الوزراء ككيان تنفيذي موحد، مع توزيع الحقائب السيادية والخدماتية، وصلاحيات الوزراء التي لا تشبه ما كان قائماً قبل الطائف، ولكنها ليست صلاحيات متفلتة بالمطلق.
لذا يبرز الإصرار في السنوات الأخيرة على تأكيد التعامل مع الحكومة على أنها حكومة وطنية وجامعة، تارة من باب الحرص على التوافق الداخلي، وتارة أخرى بحجة تطورات المنطقة، علماً بأن النظام الديموقراطي البرلماني يفترض حكومة موالاة أو معارضة بحسب ما تفرزه نتائج الانتخابات. وهذا يعطي بعداً إضافياً لنظرة الطرفين الى مجلس الوزراء. والكلام عن وزارة التخطيط، لا يندرج في خانة إعادة إحياء وزارة لها بصماتها في تاريخ لبنان الاداري والسياسي، بل يدخل بطريقة غير مباشرة على خط التقاطع مع مؤسسات رئاسة الحكومة. وبذلك لا يخوض الطرفان مواجهة مباشرة مع الاطراف السنّة الذين يريدون الدفاع عن مؤسسات رئاسة الحكومة، من خلال تقليص أو حل أو معالجة أوضاع المجالس التابعة لرئاسة الحكومة أو «الوصاية» عليها، وشلّ متفرعاتها الكثيرة وإمساكها بمفاصل حساسة في تركيبة الدولة، لكن يعيدان تأطير هذه المؤسسات من ضمن وزارة التخطيط، تحت عنوان مكافحة الهدر والفساد وتجميع مقدرات الدولة في مكان واحد منظم. أما الشق السياسي، فيستكمل عن طريق الدخول بروية الى البنية الاساسية لإدارات الدولة التي تتجمع مؤسساتها تحت جناح الرئاسة الثالثة، لا سيما في المرحلة التي يطمئن فيها حزب الله الى الرئاسة الاولى، سياسياً، كما أنه لا يخشى معها أي قرارات منفردة في أي ملف اقتصادي أو سياسي أو إداري، والكلام بين الطرفين بات واضحاً في الآونة الاخيرة حول التنسيق على هذا المستوى.