نقولا ناصيف – الاخبار
من الساعة الصفر منتصف ليل غد الأحد، تبدأ ولاية مجلس النواب الجديد. الأربعاء المقبل ينشئ هيئة مكتبه بانتخاب رئيس له ونائب للرئيس، إلى خمسة أعضاء آخرين هم أمينان للسرّ وثلاثة مفوضين. من ثم تباشر مرحلة تغيّر سطحها من دون القعر
عندما سئل الرئيس نبيه برّي هل يذكّره البرلمان المنتخب بذاك الذي ترأسه، للمرة الأولى عام 1992، أجاب: «كان مجلس 1992 الأول في العالم من حيث النشاط الذي قام به خلال ولايته سواء في عدد جلسات التشريع أو جلسات المناقشة العامة والاستجوابات والأسئلة والأجوبة. خرجنا من انتخابات 1992 وسط مقاطعة مسيحية كبيرة، حتّمت على المجلس الجديد الحركة والأداء بإفراط من أجل تأكيد شرعيته التي طعن البعض فيها، وطرحت المقاطعة علامات استفهام من حولها».
يضيف: «أمامنا الآن ورشة جديدة مع كمّ من مشاريع القوانين في أدراج المجلس. لكن الأساس استعجال تأليف حكومة جديدة. لا نريد أن نصبر كما في المرات السابقة سبعة أو ثمانية أشهر حتى تبصر النور. تأخير تأليف الحكومة أكثر من الوقت الذي تحتاج إليه يطيّر كل المؤتمرات الدولية التي ذهبنا إليها أخيراً وعدنا بنتائج إيجابية، خصوصاً مؤتمر سيدر».
على مرّ انتخابات العقدين ونصف العقد المنصرمة، بدءاً من أولها عام 1992، لم يسبق أن شهدت انتخابات هيئة مكتب المجلس اشتباكاً سياسياً بين الكتل. بعض أسباب المرحلة تلك حتى عام 2005 دور سوريا، إذ ألقى بثقله على الاستحقاق، بعدما تيقن من إمساكه بغالبية ثلثي المجلس المنتخب. طوال 13 عاماً ترأس برّي البرلمان، وإيلي فرزلي نيابة الرئاسة، مع تقاسم الكتل الرئيسية حصص هيئة المكتب. في انتخابات 2005، أمكن الانقلاب السياسي الذي أحدثته قوى 14 آذار، وقلب موازين القوى الداخلية على اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، تقويض التقليد: وضعت يدها على نيابة الرئاسة بفريد مكاري مع خسارة فرزلي مقعده، وأمسكت بالغالبية، وتقبّلت تقاسم هيئة المكتب، ووقفت عاجزة عند أبواب الرئاسة. تكرّر الأمر في انتخابات 2009. بذلك أمست تسمية مكاري مرتين على التوالي قرار تكتل المستقبل وحده، بذريعة مبرّرة أنه أكبر الكتل النيابية.
بعد انتخابات 2018، تحاول نيابة الرئاسة اختزال مجمل الاشتباك السياسي في أول الطريق في سلسلة استحقاقات متتالية، وحصرها ــــ للمرة الأولى منذ عام 1992 ــــ بين يدي فريقين مسيحيين يتسابقان في الصراع على مناصب السلطة، هما التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية. قدّم برّي لرئيس الجمهورية ميشال عون، بعيد إعلان نتائج الانتخابات، الحجة المعقولة انسجاماً مع سابقتي 1992 و2005: لتكتل لبنان القوي تسمية مرشحه للمنصب بأحد اثنين من أرثوذكسييّه المعلنين، فرزلي ـ الأكثر ترجيحاً ـ أو الياس بوصعب. ردّت القوات اللبنانية بترشيح أحد نوابها أنيس نصار. لا يعدو الترشيح والترشيح المضاد إلا رأس جبل الجليد الذي ينتظر لاحقاً تأليف الحكومة بين الفريقين المسيحيين القويين، وقد خرجا من الانتخابات بحصص وازنة وضعت سلفاً التمثيل المسيحي بين أيديهما. كلاهما كبّر كتلته على نحو يعزّز ما أتاحه تأليف أولى حكومات العهد طبقاً لمضمون تسوية 2016، وهو أنهما المعنيان مباشرة بالتمثيل المسيحي فيها. باتا الآن جزءاً لا يتجزأ من نتائج انتخابات نيابية أعادت تحديد الأحجام وإلغاء وجود النواب المسيحيين المستقلين أولاً، وانتزعت من الكتل ذات الغالبية الإسلامية امتياز توزير مسيحيين في عدادها ـــــ وقد تضاءلوا ــــ يعود إلى مطلع عهد اتفاق الطائف ثانياً، ووضعت باكراً مصير التأليف أمام مشكلة مسيحية وشيكة تبدأ بنيابة رئاسة الحكومة ولا تنتهي بحقائبها السيادية والمدرارة والهامشية ثالثاً.
ثمة ما يمكن أن يحتاج إليه البرلمان الجديد في افتتاح دورته.
في الأسبوع الذي سبق غياب العميد ريمون إده، في 10 أيار 2000، في مثل هذه الأيام تماماً، طلب من المستشارة في البرلمان البلجيكي ماري جوزيه شدياق تزويده صلاة يتلوها برلمانيون أميركيون قبل بدء مناقشاتهم. أرسلت إليه بالفاكس النص الذي نشرته جريدة «الشمس» في كيبيك في كندا، في عددها الصادر في 28 شباط 1948، قائلة له إن برلمانيي ولاية ويسكونسن في الولايات المتحدة يتلون هذه الصلاة. على أن «الفاكس» وصل إلى فندق كوين إليزابيث في باريس يوم أسلم العميد الروح.
نصت «صلاة البرلماني» على الآتي:
«يا أيها الإله القدير، يا إله كل الحكومات، ساعدنا في ساعة افتتاح هذه الدورة الاشتراعية على إدراك قدسية الأعمال السياسية.
أبعدنا عن الخطايا التي سنقع تحت إغرائها، عندما يعلو صوت الأحزاب والمصالح داخل هذا المجلس.
جنّبنا التفكير في الانتخابات المقبلة، بينما علينا التفكير في الأجيال الطالعة.
جنّبنا الكلام على مسائل الأشخاص بدلاً من مناقشة المبادئ.
إجعلنا لا نولي الأهمية الكبرى للحصول على الأكثرية، في الوقت الذي ينبغي أن نفكر في صواب التدابير الواجب اتخاذها.
جنّبنا في الساعات الحاسمة للمناقشات أن نقول المسائل التي تحدث وقعاً كبيراً، بدلاً من قول المسائل الحقة.
اجعلنا لا نتمتع في المضي في البحث عن الكلمات الجميلة، بدلاً من البحث عن الوقائع.
جنّبنا اعتبار الحزب هدفاً في ذاته، بدلاً من التعامل معه على أنه وسيلة لبلوغ الهدف.
لا نطلب إليك أن تحمينا من الإغراءات المحيطة بالمجالس الاشتراعية فحسب، بل نطلب أيضاً أن تجعلنا ندرك على نحو أفضل ماهية الحكم، كي نتمكن من خدمة مصالح مَن وضعوا حكم هذه البلاد بين أيدينا.
ساعدنا على أن نتذكّر أن الأجيال التي ستأتي تشكّل جزءاً من الهيئة الناخبة، وإن لم يكن لها أصوات في صناديق الاقتراع.
اجعل من احترامنا للحقيقة أكبر من احترامنا للماضي. ساعدنا على أن نجعل من حزبنا في خدمتنا أكثر منه سيّداً علينا.
اجعلنا ندرك أن لا نفع للنجاح في الانتخابات إذا فقدنا طاقاتنا.
ساعدنا على أن نكون مستقلين عن الأكثرية الطاغية، وعن الأقلية المتعقلنة، إذا لم يكن للحقيقة مكان عند هؤلاء أو أولئك.
اجعل الصدق وحياً لدوافعنا والعلم نوراً لمناهج عملنا.
ساعدنا على خدمة الجماهير من دون مداهنتها، واجعلنا نصدّقها من دون الانحناء أمام تطيّرها».