عماد مرمل – الجمهورية
بدت الانتخابات في دائرتَي الجنوب الثانية (صور – الزهراني) والثالثة (النبطية – حاصبيا – مرجعيون – بنت جبيل) بمثابة استفتاء على خيارات تحالف حركة «أمل» و»حزب الله» أكثر ممّا هي منافسة حقيقية بين اللوائح المتعددة على الفوز بالمقاعد النيابية، نظراً إلى التفوّق الكبير للثنائي الشيعي في تلك المنطقة.
وهناك من اعتبَر مبكراً أنّ الانتخابات بمعناها السياسي العريض انتهت في هاتين الدائرتين قبل أن تبدأ، وإن تكن قيادتا «أمل» و»الحزب» قد حرصتا على عدم تعميم مثلِ هذا الانطباع، بغية تنشيط الناخبين ورفعِ نسبة الاقتراع، لتقليص احتمالات حصول خرقٍ في أيّ مقعد، وتحديداً السنّي في العرقوب، والأرثوذكسي في مرجعيون، والكاثوليكي في شرق صيدا.
وإذا كانت مفاعيل القانون الاكثري قد حوّلت سابقاً لوائح الثنائي الشيعي في الجنوب «محادل»، ومعارضيه «ضحايا»، فإنّ النسبية المعتمَدة في القانون الجديد بدّلت بعض الشيء في قواعد اللعبة، وأفسَحت المجال امام حدّ ادنى من العدالة التمثيلية تبعاً لحقيقة الاحجام والاوزان على الارض بعيداً من «الحسابات الدفترية»، الامر الذي من شأنه ان يمنح الارقام هذه المرّة صدقيةً اكبر، وأن يخفّف مبرّرات الشعور بالمظلومية لدى من كانوا يعيدون إخفاقاتهم الى استقواء تحالف حركة «أمل»- «الحزب» بـ «عضلات» النظام الاكثري.
وليس خافياً أنّ تبعثُر «المعارضة الجنوبية» وتوزُّعها على خمس لوائح في الدائرة الثالثة، أفاد بقوّة حركة «أمل» و»حزب الله» اللذين خدمهما تفتُّت اصوات خصومهما، في حين أنّ ائتلاف قوى تلك المعارضة كان من شأنه، لو حصل، ان يُحسن شروط معركتِها بدلاً من ان ينخفضَ سقف «المشاغبة» الى حدود محاولة صعبة جداً لخرقِ مقعدِ النائب قاسم هاشم أو مقعدِ النائب اسعد حردان، فيما بدت معركة لائحة «معاً نحو التغيير» أصعبَ بكثير في مواجهة اللائحة التي يقودها الرئيس نبيه بري في الدائرة الثانية.
ومِن الواضح انّ ارتفاع نسبة التصويت في صفوف الناخبين الشيعة في مقابل انخفاضِها لدى المكوّنات الاخرى، على رغم محاولات التحفيز التي بذلها الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل، إنّما أدّى الى تسهيل مهمّة الثنائي الشيعي. وعُلم انّ الماكينتين الانتخابيتين لحركة «أمل» و»حزب الله» توَلّتا تنظيمَ عملية توزيع الاصوات التفضيلية على مرشّحي لائحتَي «الأمل والوفاء» في الجنوب الثانية والثالثة، وفق ما تقتضيه حسابات الربح.
وبمعزل عن «وهج» النتائج التي كانت محسومة سلفاً في معظمها، لعلّ المكسب الوحيد الذي حقّقه منافِسو الثنائي الشيعي في الجنوب هو أنّ الانتخابات النيابية منَحتهم فرصةً لمعاينة الارض عن قرب، واختبار نقاطِ القوّة والضعف، و»تزييت» الحضور، واستخلاص الدروس، في انتظار استحقاقات أخرى.
وبينما واجهَت آلية التصويت داخل بعض الأقلام الجنوبية بطئاً نتيجة تقنيات القانون الجديد، شكت لائحة «كلّنا وطني» التابعة لـ»المجتمع المدني» من تعرّضِ المرشّحة ريما حميد للاعتداء في قلم اقتراع في بنت جبيل.
أمّا على مستوى الدلالات والرسائل السياسية لليوم الجنوبي الطويل، فإنّ انتخابات الدائرتين الثانية والثالثة، كانت قبل كلّ شيء أداةَ قياس علمية، لا عاطفية، للشعبية التي لا يزال يَحظى بها خيار المقاومة وسط تصاعدِ الضغوط الداخلية والخارجية عليه، وبالتالي فإنّ أبلغ الرسائلِ المضادة في هذا التوقيت هي تلك التي يمكن ان تخرج من صناديق الاقتراع في أقضية صور والزهراني والنبطية وحاصبيا ومرجعيون وبنت جبيل التي تقع على تماس مع الخطر الاسرائيلي وتُشكّل تاريخياً البيئة الحاضنة للمقاومة والمتفاعلة معها.
ولم تخلُ العملية الانتخابية في الدائرتين الجنوبيتين مِن بُعدٍ داخلي عزّزته جولة رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل على بعض بلدات الشريط الحدودي وشرق صيدا عشيّة الانتخابات وما رافَقها من توتّر سياسي، ذلك انّ الخطاب الحاد الذي اعتمده باسيل في منطقة الجزاء داخل ملعب الثنائي الشيعي، ساهمَ خصوصاً في تعبئة القاعدة الحركية وشدّ عصبِها، وصولاً الى «تحريض» الناخبين المتردّدين على الاقتراع للائحة «الأمل والوفاء».
لكنّ الأهمّ في ما خصّ «الظلال الداخلية» لانتخابات الجنوب، يَكمن في رمزية الدائرة الثانية تحديداً، ربطاً بترؤس برّي للائحة «الأمل والوفاء» فيها. بهذا المعنى، فإنّ زعامة بري شكّلت ضمناً مادةَ الاستفتاء الشعبي هناك، ويمكن القول إنّ حصيلة الاقتراع في هذه الدائرة، معطوفةً على النتائج الإجمالية للثنائي الشيعي في المناطق الأخرى، ستَسمح بعودة قوية وجارفة لبري الى رئاسة المجلس، يصبح معها أيُّ اعتراض هزيلاً.
وقد بلغَ معدّل الاقتراع في الدائرة الثانية 59, 47% وفي الدائرة الثالثة 23، 48%، علماً انّ الدائرة الثانية تضمّ 7 مقاعد تتوزّع كالآتي: 6 شيعي، 1 كاثوليكي. واقتصَر التنافس فيها على لائحتين، هما «الأمل والوفاء»، و»معاً نحو التغيير» التي يترأسها رياض الأسعد.
أمّا الدائرة الثالثة فإنّها تضمّ 11 مقعداً كالآتي: 8 شيعة، 1 روم أرثوذكس، 1 درزي 1 سنّي. وبلغ عدد اللوائح 6، هي:
• «الأمل والوفاء» (حركة «أمل» و»حزب الله» وبعض الحلفاء) وهي الوحيدة المكتملة، خلافاً لوضع اللوائح الخمس الاخرى:
• «الجنوب يستحق» («التيار الوطني الحر»، تيار «المستقبل»، مستقلون)، «صوت واحد للتغيير» (الحزب الشيوعي)، «شبعنا حكي» (تدعمها «القوات اللبنانية»)، «فينا نغيّر» (أحمد الأسعد)، و«كلنا وطني» (المجتمع المدني)
لعلّ المكسبَ الوحيد الذي حقّقه منافسو الثنائي الشيعي في الجنوب هو انّ الانتخابات منَحتهم فرصة لمعاينة الارض عن قرب واختبار نقاط القوة والضعف و»تزييت» الحضور واستخلاص الدروس، في انتظار استحقاقات أخرى.