آمال خليل – الاخبار
في مربع النبطية وحاصبيا ــ مرجعيون وبنت جبيل (دائرة الجنوب الثالثة)، تنوع طائفي وسياسي يجاور التأييد الساحق لحزب الله وحركة أمل. تنوع فرض توزع المعارضة على خمس لوائح في مواجهة «لائحة الأمل والوفاء». جزء من المعارضة، وجد في هذه الخماسية نتيجة طبيعية لعدم التقاء مشاريع وبرامج متضادة. هذا التنافر أسعد «الثنائي» وحلفاءه، لما يوفره من تشتيت لأصوات معارضات لو اجتمعت لكانت توافرت للمرة الأولى منذ عام 1992 فرصة خرق «المحدلة». كل على حدة: تيار المستقبل والقوات والكتائب والتيار الوطني الحر والحزب الشيوعي اللبناني والمجموعات الشيعية المعارضة لحزب الله وبعض مجموعات ما يسمى «المجتمع المدني». هؤلاء يخوضون المنازلة بأشكال مختلفة.
عند مثلث كفررمان، وهو مدخل مدينة النبطية، سهام حديدية تدل على اتجاهات جغرافية مختلفة. سهم واحد تمايز بلونه البني الشبيه باللون الذي تعتمده وزارة الثقافة للاستدلال إلى المواقع التراثية والأثرية. كتب على هذا السهم: «دارة النائب عبد اللطيف الزين». ربما رمز اللون البني إلى «تراثية» دارة آل الزين التي تم تشييدها منذ أكثر من مئة عام في كفررمان. في أي حال، فإن نجل يوسف بك الزين، تحوّل في حياته (85 عاماً) إلى جزء من إرث الذاكرة الجماعية للمنطقة؛ من زمن والده إلى زمنه الخاص الذي أمضى منه 58 عاماً نائباً عن النبطية. بقرار من الرئيس نبيه بري، تحرر الزين هذه السنة من عبء النيابة، وتقدم مكانه أحد أبرز قياديي حركة أمل في المنطقة هاني قبيسي خلفاً له. هكذا صار المقعد أخضر بالأصالة، فيما يواصل ياسين جابر (النائب منذ 1992) رحلته النيابية صديقاً لآل بري وحركة أمل. في المقابل، يبقى نصاب مقعد حزب الله معقوداً لمن يشغله منذ أكثر من ربع قرن، أي النائب محمد رعد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة.
في مقر ماكينة «أمل» الانتخابية المركزية لدائرة «الجنوب الثالثة»، توحي الزحمة بأنها معركة «أمل» الأولى في القضاء. اختار قبيسي، رئيس الماكينة، مبنى مستوصف حزب الكيان في النبطية، مقراً. و«الكيان» حزب سياسي أسسه عصام أبو درويش، أحد أبرز خصوم بري الجنوبيين. «استناداً إلى صداقتي بنجله محمد، استأذنته لاستخدام المبنى ومرأبه الواسعين» قال قبيسي. قسّمت غرف المبنى الشاغر بين صالة يستقبل فيها قبيسي المراجعين والمناصرين. وأخرى فيها شاشة عملاقة، يتدرب فيها عناصر الماكينة على تفاصيل قانون الانتخاب وآلية التصويت والفرز. وخصص مكتب جامعي لتوزيع الأدوار على أعضاء الماكينة في الأقضية الثلاثة، منهم 2650 مندوباً في النبطية وحدها. فريق لتأمين الغذاء والمياه للمندوبين في يوم الاقتراع، وآخر يتولى نقلهم من أماكن إقامتهم في بيروت والبقاع والشمال والجبل… أما عن المسافرين، فيشير إلى أن الحركة طلبت من القادرين من عناصرها الحضور على نفقتهم الخاصة. استعانت «أمل» بالتكنولوجيا في رصد حركة الناخبين في يوم الانتخابات. هواتف مزودة بتطبيق رقمي يستخدمه المندوبون داخل أقلام الاقتراع يقضي بتحديد من اقترع، ويرتبط مباشرة بمقر الماكينة المركزية، علماً بأن الآلية المعتمدة لدى حزب الله متشابهة إلى حد كبير.
كيف يمكن للمرشحين المعارضين مواجهة أمل وحزب الله في ظل إمكاناتهما اللوجستية والمالية الكبيرة ونفوذهما السياسي السلطوي الذي لا حدود له؟ يقول قبيسي إن سر قوة الحزب والحركة «ليس بالإمكانات بل بثقة الناس». يستطرد أن «التهديدات الإسرائيلية بشن الحرب على المقاومة أثرت إيجاباً على البيئة الحاضنة، وكذلك المواقف الحادة لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي هاجم بري في عقر داره الجنوبي». يقر بأن توحد قوى المعارضة الذي لم يتحقق في «الجنوب الثالثة» كان كفيلاً، لو حصل، بإحداث خرق في مقعد واحد في حاصبيا – مرجعيون، إما السني أو الأرثوذكسي.
من مكامن الارتياح، التنسيق بين الثنائي على توزيع الصوت التفضيلي بين مرشحيهم الستة في بنت جبيل والنبطية. في النبطية على سبيل المثال، سيتم التوزيع بين المنتسبين إلى الحركة وفق القطاعات التنظيمية. قطاعات محددة ستمنح «التفضيلي» لقبيسي، في حين تعطي قطاعات أخرى «التفضيلي» لجابر. أما «تفضيلي» حزب الله، فهو محصور برعد. لا يمكن للثنائي تكهن مآلات التصويت بدقة. «فجمهور الأصدقاء والمناصرين لا يمكن أن نفرض عليهم من يفضلون». بعد توليفة توزيع التفضيلي، تأتي أولوية رفع نسبة الاقتراع (460 ألف ناخب على مستوى الدائرة)، ما يرفع سقف الحاصل الانتخابي من حوالى 21 ألفاً إلى حوالى 23 ألفاً. الارتفاع يقلص احتمالات الخرق.
يقر المرشح عن أحد المقاعد الشيعية الثلاثة في النبطية (لائحة الجنوب يستحق) نديم سميح عسيران، بقدرات منافسيه الذين ينازلهم منذ عام 1992. ماكينته مؤلفة من عشرات المؤيدين والمتطوعين، يتجمعون في بيت صغير قديم استأجره عسيران منذ سنوات واستخدمه كمكتب خدمات ومراجعات. يعوّل عسيران على «رغبة الناس بالتغيير. وفي حال جددوا للقوى ذاتها، فهذا راجع لهم». يتحدث عن محاولات عدة للتضييق على جولاته الانتخابية ورفع صوره في أنحاء النبطية. لكنه يحتكم في النهاية إلى «15 في المئة من المعتكفين والصامتين الذين يكفي تصويتهم لتغيير المعادلة».
التبغ حملة انتخابية كافية
«لو هاجم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الرئيس نبيه بري في بلدة غير رميش خلال جولته الانتخابية في دائرة الجنوب الثالثة قبل أسبوعين، لكان وقعها أقل». هكذا وصّف أحد أبناء أكبر البلدات المسيحية في قضاء بنت جبيل «سقطة باسيل التي أحرجت المسيحيين قبل الآخرين». إحراج استدعى تبرئة ذمة من رئيس بلدية رميش فادي مخول، برغم حضوره الاحتفال الذي شهد مواقف باسيل. رفضه تهويله قائلاً إننا «نعيش في بلدتنا بكامل كرامتنا ونحافظ على أحسن العلاقات مع محيطنا ونحصل على حقوقنا وغير مهددين بلقمة عيشنا». ربما عبّر مخول عن وجهة نظر كثيرين في رميش ودبل وعين إبل يعتبرون «الأبناء المدللين» لبري. المربع الثلاثي الذي يعتاش معظم المقيمين فيه من زراعة التبغ، يحظى بامتيازات خاصة في نيل تصاريح الزراعة. فضلاً عن مشاريع ومساعدات عدة يخصها بها المدير العام للريجي القيادي في «أمل» ناصيف سقلاوي، ومثلها مشاريع قدمها مجلس الجنوب والوزارات التي تعاقب عليها وزراء «أمل».. خليل ذيب واحد من أكثر من 17 ألف مزارع تبغ في الجنوب، 45 في المئة منهم من بلدات بنت جبيل. ورث المهنة عن جده وأبيه ويناضل منذ سنوات «لتحرير المزارعين من استغلال الريجي». يختصر معاناة المزارعين بالقول إن «كيلو الدخان في زمن جدي كان يعادل ثمن كيسَي ترابة، وفي زمن أبي صار يعادل ثمن كيس واحد. أما في هذه الأيام، فثمن 2 كيلو يعادل أقل من ثمن كيس ترابة». يتساءل عن «حرص المرجعيات النافذة جنوباً على صمود الناس في أرضها وهي لم تنتزع لهؤلاء المزارعين حق الضمان الصحي والاجتماعي وتحصر إدارة القطاع بمؤسسة واحدة تتحكم بالسعر وتوزع رخص زراعة التبغ سنوياً على أساس المحسوبيات».