خبر

3 محاور تشوبها التباسات وتنذر بتداعيات في المرحلة المقبلة

منذ أن عادت الحكومة الى استئناف جلسات مجلس الوزراء، ساد اعتقاد في مختلف الاوساط، بأنّ العمل الحكومي خلال الفترة الفاصلة عن الاستحقاق الانتخابي في أيار المقبل، سيعوّض أشهر التعطيل الثلاثة، بمقاربات سلسة للملفات الداخلية، وبإنتاجية تحاكي الأزمة ومتطلباتها، وتخفف من وطأتها على اللبنانيين، ولا تستفزّ أي طرف، وعلى وجه الخصوص الأطراف الحاضنة للحكومة، ولا سيما انّ المناخ العام بات مضبوطاً على إيقاع الانتخابات وما يرافق الاستعدادات لها من سخونة وتوترات، ولا يحتمل بالتالي أن يُحقَن بما يفاقمه من منغّصات سياسية او غير سياسية.

ولكن هذا الاعتقاد، الذي بُني على ما وعد به أهل الحكومة، سرعان ما تبيّن بما لا يقبل أدنى شك، أنّه متسرّع، لا بل مُحيَ مع المنخفض السياسي الذي ضرب الحكومة في الساعات الاخيرة، وبدا وكأنّ شبحاً ما، كامن في مكان ما، وظيفته إرباك حكومة تعاني أصلاً الحدّ الأعلى من الهشاشة، وإعادة نصب المتاريس في داخلها، وبين الاطراف السياسية.

وتجلّى هذا الأمر بوضوح على ثلاثة محاور، تشوبها التباسات، وتنذر بارتدادات وتداعيات في المرحلة المقبلة:

– المحور الأول، التعيينات التي جرى تمريرها في جلسة لمجلس الوزراء مخصّصة اصلاً للبتّ بمشروع موازنة السنة الحالية وإحالتها بصورتها النهائية الى المجلس النيابي.

فبمعزل عن الضرورة أو الأسباب التي أملت تمرير هذه التعيينات، إلّا انّها بالطريقة التي أُخرِجت فيها، أشعلت فتيلاً في قلب الحكومة وبين أهلها، ينذر بأزمة جديدة عنوانها توقيع مراسيم هذه التعيينات، وبدأت نذرها تطلّ بالأمس عبر الاعلان صراحة، ومن عين التينة تحديداً، بأنّ هذه المراسيم لن تحظى بالتوقيع الشيعي المتمثل بتوقيع وزير المال.

وعلى ما هو واضح، فإنّ هذه التعيينات، التي قد تُستتبع في جلسة الثلاثاء المقبل بتعيين نائب رئيس جهاز أمن الدولة، وهو مركز شيعي، جاءت مستفزّة لثنائي حركة «أمل» و«حزب الله». وكما تقول مصادر الثنائي لـ«الجمهورية»، انّ قرار عودة وزراء الثنائي الى المشاركة في جلسات الحكومة، اتُخذ لتسهيل عمل الحكومة وخدمة مصالح اللبنانيين، وليس لأن يتمّ تجاوزنا، وكأنّنا غير موجودين».

وقال مصدر مسؤول في هذا الفريق لـ«الجمهورية»: «انّ ما جرى في مجلس الوزراء بالأمس، لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام، أو التعامل معه وكأنّه أمر واقع».

أضاف المصدر: «من الأساس، موضوع التعيينات، أيّاً كان نوعها او حجمها، هي مسألة حساسة لا يمكن ان تُحسم الّا بالتوافق وليس بفرضها او تهريبها. وإزاء ذلك، لم نعد الى المشاركة في الحكومة لكي نكون شهود زور، ونغطي على أخطاء وارتكابات تحصل، او نغضّ النظر على محاولة ترسيخ «ثنائيّات» داخل الحكومة، تتجاوزنا هكذا بكلّ بساطة، وتنسف مبدأ الشراكة، وتتفرّد باتخاذ القرارات وبتمرير تعيينات استنسابيّة مفصّلة على بعض المقاسات السياسية».

ولفت المصدر عينه الى «اننا لن تثبّت سابقة تتجاوزنا او عُرفاً تمرّر فيه تعيينات او قرارات بمعزل عنّا، وتبعاً لذلك يُخطئ كثيراً من يحاول ان يعتبرنا «كمالة عدد»، فهم طرقوا الباب في مجلس الوزراء ومرّروا تعيينات لا علم لنا بها، وبالتأكيد سيسمعون الجواب، وخلاصته انّ مراسيم هذه التعيينات لن تمشي».

واللافت في هذا السياق، انّ رد الفعل الشيعي الرافض للطريقة التي تمّ فيها تمرير التعيينات، لم يقتصر على المستوى السياسي، بل تعدّاه الى المستويات الدينية التي التقت كلّها على التأكيد على ما بدا انّه «توجيه عام» يعتبر «انّ ما جرى بالأمس في مجلس الوزراء يعكس الواقع المرير بشكل فاضح، فعلى قاعدة «مرقلي لمرقلك»، جرى استغفال الثنائي الوطني لتمرير بعض التعيينات. إنّ هذا الالتفاف على «الثنائي» من قِبل الحكومة، ما هو سوى مجافاة وتجاهل للشراكة والتفاهم، وكأنّ البعض لا يحلو لهم الّا التفرّد بالقرارات، بإسلوب النكد السياسي، كما كان التفرّد بالكهرباء على سبيل المثال لا الحصر، الذي اوصل البلد الى ما نحن فيه من تراكم الدين على خزينة الدولة».

المحور الثاني، هو الموازنة التي اعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي انّ مجلس الوزراء قد أنجزها في جلسة مجلس الوزراء امس الأول الخميس.

فعلى ما تؤشر الوقائع المحيطة بهذه الموازنة، يبدو انّها تسير في طريق شائك، وملتهب باعتراضات، على ما تضمنته من أعباء ورسوم على المواطنين. وهو أمر، تؤكّد مصادر مجلسية لـ«الجمهورية»، انّه لا يشي بعبور سلس لهذه الموازنة في مجلس النواب. فهي ليست موازنة متوازنة، بل هي موازنة تُفقد البلد توازنه وتشلّ المواطن، بحيث تأخذ منه ولا تعطيه. ويُخشى ان يكون أقصى المراد من احالتها بهذه الصورة الى مجلس النواب، هو أن توحي الحكومة بأنّها ادّت واجباً مطلوباً منها لصندوق النقد الدولي، وانّها قامت بما عليها والباقي على مجلس النواب.

واذا كانت المصادر الحكومية تؤكّد لـ«الجمهورية» انّ الموازنة بالصيغة التي أُقرّت فيها في مجلس الوزراء، إنجاز افضل الممكن، يلائم الأزمة وكيفية احتوائها، وهي وإن كانت تتضمن اموراً غير شعبية، فهذا أمر طبيعي يوجب شراكة الجميع في تحمّل الأعباء»، فإنّ مصادر وزاريّة تقول لـ«الجمهورية»: «على الرغم من اعلان رئيس الحكومة بأنّ الموازنة قد أُقرّت في جلسة الخميس، الّا انّ المسألة ما زالت ملتبسة بالنسبة الى غالبية الوزراء، حيث لم نعرف كيف أُقرّت هذه الموازنة، ولم تُطرح على التصويت، ولا يبدو انّها تحظى بالإجماع الوزاري عليها، وهو أمر سيثار من جديد في جلسة مجلس الوزراء الاسبوع المقبل».

اما المحور الثالث، فيتجلّى في ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، ربطاً بحركة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين لإعادة اطلاق المفاوضات غير المباشرة بين لبنان واسرائيل.

وحول تقييمها لنتائج مباحثات هوكشتاين في بيروت، قالت المصادر لـ»الجمهورية»: «ما نستطيع ان نقوله هو انّ النقاش هذه المرّة كان جدّياً جداً، انما هذا لا يعني أنّه جيد جداً. فالوسيط الاميركي يسعى الى بلوغ نتائج سريعة وضمن مهلة اسابيع قليلة، وهو سيعود مجدداً الى بيروت في وقت قريب، وننتظر ما سيحمله من افكار من شأنها أن تسرّع في إعادة الاطراف إلى طاولة المفاوضات».

وعمّا يُحكى عن انّ لبنان يتعرض لشيء من الابتزاز في ملف الترسيم من باب ازمته الاقتصادية والمالية الخانقة، لم تنف المصادر عينها هذا الأمر. الّا انّها كشفت انّ الموقف اللبناني يعتريه بعض الإرباك والغموض في ادارة هذا الملف، وخصوصاً بعد الرسالة الملتبسة الى الأمين العام للأمم المتحدة، والتي حُجبت عن اطراف اساسيين معنيين بملف الترسيم مثل رئيس مجلس النواب نبيه بري.