شحّ السيولة بالعملتين الوطنية والأجنبية: سقف السحوبات بالليرة ينخفض.. 'يهوي'!

شحّ السيولة بالعملتين الوطنية والأجنبية: سقف السحوبات بالليرة ينخفض.. 'يهوي'!
شحّ السيولة بالعملتين الوطنية والأجنبية: سقف السحوبات بالليرة ينخفض.. 'يهوي'!

كتب خالد أبو شقرا في "نداء الوطن": نشرة جوّية مكفهرّة في نهاية الأخبار، كانت تتكفّل خلال السنوات الماضية، بهجوم على المتاجر للتبضّع وتخزين المأكولات والمشروبات... فكيف إذا كانت كل الأخبار قاتمة السواد، تُنذر بالإنهيار وتترافق مع مؤشرات موضوعية تعجز عن تقديم رؤية واضحة لأبعد من ساعات!

حالة الهلع التي يعيشها اللبنانيون وخوفهم على مصيرهم، قد لا تكون الاولى من نوعها، ولكنها الأخطر والأقسى. فالأزمة التي فُرضت عليهم، لم تترك لهم الكثير من الخيارات، "هناك حلّان: إما الهجرة، وهي صعبة ومعقّدة وخصوصاً في هذه الظروف. وإما تأمين مقومات الصمود، لمواجهة ما تخبّئه الايام القادمة"، تقول إحدى السيدات أمام مركزٍ للتسوق.

الخطير في الموضوع هو أن هذه السلطة التي تحاول بشتى الوسائل تحميل عبء الأزمة للمواطنين، تلعب بطريقة قذرة. وتقصيرها الفاضح لا يتمثّل فقط باستمرار نهج المحاصصة والتقاسم الطائفي بعد 47 يوماً على اندلاع الإنتفاضة، إنما في خلقها حالة من التسابق المحموم بين المواطنين على المقدرات والموارد، قبل نفاد الكميات الموجودة.

أزمة السيولة وضياع المصارف أربكا الداخل والخارج، ودفعا منذ أيلول الفائت إلى تنفيذ أوسع عملية سحوبات نقدية من المصارف، فاقت في أيام قليلة 3 مليارات دولار. وبحسب أوساط مصرفية فإن نسبة كبيرة من الاموال لم تخرج من لبنان، أقلّه عبر القنوات الرسمية، وبقيت في الداخل، ولعل ارتفاع مبيعات متجر الخزنات الحديدية في أحد شوارع العاصمة، هو دليل إضافي على عمليات تكديس الأموال في المنازل. الأزمة بحسب أوساط مصرفية بدأت مع أول ارتفاع لسعر صرف الدولار إلى 1550 ليرة في السوق الثانوية، عقب امتناع المصارف عن تنفيذ عمليات تحويل الليرة إلى الدولار لتسديد المتعاملين مستحقاتهم بالعملة الأجنبية. تغيّر سعر الصرف بعد 22 عاماً من الثبات كان بمثابة جرس الإنذار الأول للأزمة.

موظفو المصارف لاحظوا بشكل واضح قبل انتفاضة "17 تشرين" بأسابيع عمليات سحب كبيرة بالعملتين اللبنانية والأميركية. و"بالرغم من القيود التي فرضت على عمليات السحب في الآونة الأخيرة، لا نزال نلمس عدم ثقة المواطنين بترك أموالهم في المصارف. والكثيرون منهم يعمدون الى زيارة البنوك بشكل أسبوعي لسحب ما يحق لهم، بغض النظر إن كانوا بحاجة إلى المبالغ المسحوبة أم لا"، يقول نقيب موظفي المصارف أسد خوري.

وبحسب خوري فإن هذه الحالة جنتها المصارف على نفسها وعلى المواطنين، "فتقييد السحوبات على الدولار تحديداً بشكل قسري، أجفل المودعين وخلق عندهم ردة فعل سلبية تجاه تعاملهم مع المصارف". وبرأيه فإن "المشكلة الأكبر التي ستواجه المودعين هي ما يجري العمل عليه جدياً لتقييد السحوبات بالليرة اللبنانية بشكل رسمي. وهو ما سيخلق مشكلة إجتماعية ونقدية خطيرة جداً".

عقب الإقفال الأول، الذي دام أسبوعين، فتحت المصارف أبوابها على أكبر عملية تقنين للسحوبات النقدية شهدها البلد. فحدّد السقف الأقصى أسبوعياً بـ 1000 دولار أميركي و25 مليون ليرة لبنانية. أيام قليلة وعادت المصارف لتخفض سقف سحب الدولار بنسب تراوحت بين 50 و 70 في المئة، حيث وصل حد السحب الأسبوعي ببعض المصارف إلى 200 دولار أميركي فقط.

العملة الوطنية التي تُركت محرّرة نسبياً، عادت بدورها لتشهد تقييداً واضحاً، فانخفض السقف من 25 مليون ليرة إلى 10 ملايين ووصل مع بداية هذا الشهر في الكثير من المصارف الى 2.5 مليون أسبوعياً.

عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان الرمال يرى أن "هذا التخفيض هو نتيجة شح السيولة بالعملتين الوطنية والأجنبية، ومحاولة المصارف الحفاظ على أكبر كمية من البنكنوت تسمح لها بالإستمرار بتقديم الخدمات لأطول فترة ممكنة، ريثما يتضح مسار الأزمة وتحدد معالمها".

مقابل الصورة الواضحة لعملية تقنين الدولار، والتي تعود إلى توظيف المصارف معظم ودائعها في مصرف لبنان وبـ"اليوروبوندز"، لا تزال أسباب تقنين السحوبات بالعملة الوطنية مبهمة، وتثير الكثير من الشكوك والتساؤلات.

أحد الخبراء في مؤسسة دولية، فضّل عدم الكشف عن اسمه، أشار إلى انه ليس من تفسير علمي لهذه الخطوة، إلا ان منطق الأمور يدفعنا إلى الشك بواحد من هذه الأساب أو كلها مجتمعة:

ـ محاولة المصارف المحافظة على نسب سيولة مقبولة بالليرة اللبنانية، خصوصاً في ظل الهجمة الكبيرة على السحوبات وعدم اطمئنان المودعين إلى ترك أموالهم في البنوك.

- ممارسة ضغط من قبل السلطة النقدية لحث المواطنين على استخدام السيولة الكبيرة التي جرى سحبها والتي تناهز الـ 3 مليارات دولار.

- الحدّ من عمليات السحب غير المبرر.

- عدم رغبة المصارف في تحمّل كلفة استدانة مبالغ بالليرة اللبنانية من مصرف لبنان. فحتى لو كان "المركزي" يملك القدرة على طبع العملة، فهو لا يقدّمها كهبة للمصرف بل كتسليفات وديون.

- دفع المواطنين إلى استخدام بطاقات الإعتماد بشقيها الدائن والمدين، الأمر الذي يُبقي البنكنوت في المصارف، وذلك للحدّ من تكديس السيولة في المنازل.

- الحدّ من التضخّم الذي من الممكن أن ينشأ عن الإنفلاش الكبير في الكتلة النقدية.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى