تتداول أوساط دبلوماسية ان المجتمع الدولي قد جدد رزمة شروطه للايفاء بوعود سيدر لئلا تقتصر هذه المرة على الاصلاحات المالية فقط بل لتطال زيادة على البنزين والـ TVA والاهم وقف دعم الكهرباء فوراً وزيادة التعرفة. هذا يعني ان كل التحايل لتمرير موازنة 2019 وتسويقها على انها خشبة الخلاص الاقتصادي باء بالفشل. اما موازنة 2020 ولو افترضنا انها ستحترم المهل الدستورية فانها ستعود وتطرح كل القضايا التي من شأنها أن تزيد حدّة الاجواء. وستظهر الموازنة المنتظرة بعد فترة المخاض الاليمة التي تسبق ولادتها. ان التدابير المتخذة والتطاول على جيوب الناس لم يثمرا النتائج التقشفية المرجوة. والنتيجة؟ يعاني لبنان من عجز هيكلي دائم. كذلك فانه يواجه على نحو مطرد مخاطر مالية متفاقمة، وايضاً هو يرزح تحت عبء مديونية عالية حيث تشكل خدمة الدين العام اكثر من ثلث الانفاق، فيما تزيد نسبة الرواتب والاجور عن 30%. هذه الارقام كلها تحتّم ايجاد السبل المناسبة لترشيد الانفاق العام منها ما هو متعلق بتغيير واقع "الشراء العام" في لبنان وتحديث القوانين الناظمة للصفقات العامة، اما التدابير الاخرى فتنحصر بالشراكة بين القطاعين العام والخاص.
في الاقتصاد الحديث تبرز الشراكة بين القطاعين العام والخاص كحلّ ربما الوحيد لاعادة احياء مؤسسات الدولة وتفعيل عملها وتطويره. وقد ترجمت الحكومة اهتمامها بتفعيل مبدأ هذه الشراكة عندما عرضت في اجتماع "سيدر" مشاريع من مختلف القطاعات لتنفيذها عبر الشراكة مع القطاع الخاص، كما انها التزمت في بيانها الوزاري منحَ هذه المشاريع الأولوية في برنامجها الاستثماري الممتد على 10 سنوات.
عن الموضوع يقول يقول رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية بول مرقص ان "سيدر كناية عن عروض قدمها المجتمع الدولي للبنان لاعطائه رزمة قروض "بشروط ميسّرة" اضافة الى منح زهيدة. ليست هذه الشروط مفتوحة المدة لان الحكومات ترصد في موازناتها مبالغ للاقراض او تحتفظ بمؤونات واحتياطات لتوظيفها عبر شراء سندات خزينة لدول أخرى او توظيفها في قروض واستثمارات عالمية. كان الاحرى بلبنان ان يكون قد باشر فعلياً بتنفيذ الشروط التي فرضها المجتمع الدولي والتي اعتبرها "سيدر" اصلاحية بنيوية وقطاعية، غير ان ذلك لم يتم بعد. بالتالي فان المخاطرة تكمن في عدم جهوزية لبنان من جهة وفي عامل الوقت من جهة ثانية حيث تظهر امكانية سقوط صرف هذه المبالغ الواحد تلو الآخر قبل ان يتمكن لبنان من تنفيذ التزاماته". ويضيف مرقص "ما يهم في الوقت الراهن هو وضع استراتيجية للدولة في مختلف القطاعات كالصحة والتربية والنفط والغاز وغيرها... وعلى هذه الخطة ألا تتبدل مع تبدل الحكومات ولا مع تغيّر كل وزير وعليها ان تصدر بقوانين مع هامش تنفيذي للحكومات المتعاقبة. اي ان ذلك يكون شبيهاً بما ورد في اعلان فيينا للامم المتحدة. اذاً هذه الشروط ليست موضوعة من قبل سيدر بل انها مشترطة من اجل بناء الدول التي تخرج من مآسٍ ومن حروب. وهي أيضاً مستقاة من الخطة الوطنية لحقوق الانسان. والاقتصاد، اسوة بحقوق الانسان، يجب ان ينهض بناء على خطة قطاعية استراتيجية واضحة وطويلة الامد لتحديد المبالغ المطلوبة والقوانين الملحة والمؤسسات المراد انشاؤها ام الغاؤها او تعديلها. ما حصل ليس سوى بضعة تشريعات صدرت على نحو متفرق وكان عليها ان تكون متكاملة غير انه وللاسف لم تطبق".