وكانت روسيا قد أعلنت الشهر الماضي حالة الطوارئ على المستوى الوطني بعد تسرب 21 ألف طن من الديزل جراء انهيار خزان في محطة لتوليد الكهرباء تديرها الشركة الروسية العملاقة للمعادن "نوريلسك نيكل" خارج مدينة نوريلسك، ما تسبب بتلوث نهر غطته بقع حمراء فاتحة يمكن رؤيتها من الفضاء.
وحاولت الشركة التي تملك الخزان من خلال شركة أخرى تابعة لها احتواء الأضرار بمفردها ليومين قبل أن تلجأ إلى خبراء من كل أنحاء روسيا.
وتأثر بشدة من التسرب نهر أمبارنايا الذي يغذي بحيرة بياسينو بالمياه، والتي تعد مصدرا مائيا رئيسيا لنهر بياسينا الحيوي بالنسبة إلى منطقة شبه جزيرة تايمير.
وتسببت البقعة النفطية بتلويث 180 ألف متر مربع من الأرض قبل أن تصل إلى النهر، وفق مسؤول روسي.
وأظهرت صور أقمار صناعية بقعا كبيرة من الوقود يميل لونها إلى الاحمرار وقد تحركت نحو20 كيلومترا باتجاه البحيرة.
وتمكن أوائل المستجيبين لهذه الكارثة من احتواء انتشار التسرب عبر استخدام عوائق عائمة لمنع البقعة النفطية من الوصول إلى البحيرة، لكن وكالات صيد الأسماك الروسية وبعض البيئيين حذروا من أن العوائق غير قادرة على وقف التلوث.
وأعلنت السلطات الروسية احتواء البقعة النفطية ووقف توسعها وامتدادها للبحيرة، وقالت قبل أسبوع إنها أزالت نحو 90 في المئة من الوقود المتسرب، وسط شكوك مراقبين.
الموظف لدى الوكالة البيئية الحكومية الروسية "Rosprirodnadzor" فاسيلي ريابينين الذي تحدث للشبكة الأميركية قرب المدينة رغم خطورة ذلك على مستقبله ومستقبل عائلته، قال إنه استقال من وظيفته في الوكالة ليتحدث علنا عن هول الكارثة.
ويشير التقرير إلى أن آثار التسرب النفطي لا تزال واضحة في نهر دالديكان الذي يبعد كيلومترات فقط عن المدينة، ولا يزال مكتسبا للون الأحمر، وهو أيضا نهر يصب في بحيرة بياسينو.
ويقول "مطلق الصفارة" الروسي إنه بعد التسرب وصل إلى النهر والتقط العديد من الصور، ووصف المشهد: "بدا الأمر مروعا عندما وصلنا إلى هناك... يمكنك أن تشم رائحة الديزل على بعد نصف كيلومتر... مديري (كان برفقته) خشي حتى التدخين هناك حتى لا يحدث انفجار".
ويقول إن ما شاهده يتناقض مع رواية المسؤولين الروس ووسائل الإعلام حينها بأن الأمر أصبح تحت السيطرة، ووصف ذلك بأنه "كذب واضح".
ويشير إلى تقاعس من قبل الوكالة الحكومية التي كان يعمل لديها حينها عن التحقيق في الأمر، وتبنيها رواية الشركة المالكة لمحطة الكهرباء بأنه تم احتواء التسريب.
وبسبب ذلك، قرر أن يتحقق هو بنفسه من الأمر بواسطة مروحية أقلته في المنطقة يوم السابع من حزيران، ومن هناك استنتج أن تكون كمية الوقود وسرعة التيار قد وسعت دائرة التلوث.
ويشير تقرير الشبكة إلى ناشط بيئي آخر ومدون يدعى جورجي كافانوسيان، كانت له تجربة مماثلة.
كافانوسيان الذي شكك أيضا في الرواية الرسمية عن مساحة البقعة النفطية، أراد أيضا التحقق من الأمر بنفسه فذهب إلى البحيرة لأخذ عينات.
ونظرا للإجراءات الأمنية المشددة حولها، أجرى عمله خلسة، واكتشف من خلال العينات أن مستويات تلوث الهيدروكربونات النفطية الذائبة هي أعلى 2.5 مرة من النسبة المسموح بها رسميا.
ويشير تقرير "سي أن أن" إلى المضايقات التي يتعرض لها أفراد ومنظمات وحتى مشرعين في روسيا للحصول على عينات من المنطقة.
وتتعرض منطقة نوريلسك منذ عقود لتلوث ناجم عن إنتاج المعادن وأنشطة صناعية أخرى، وقال خبير الصندوق العالمي للحياة البرية أليكسي كنيجنيكوف إن السكان المحليين، بمن فيهم مجموعات السكان الأصليين توقفوا منذ فترة طويلة عن الصيد.
وفي مناسبات عدة سابقة تحولت مياه الأنهار حول نوريلسك، وهي المدينة الأكثر تلوثا في روسيا، إلى اللون الأحمر بسبب مواد من مخلّفات من المصنع الرئيسي لشركة نوريلسك نيكل.
إل أندري، سائق في المدينة رفض الكشف عن اسمه الأخير قال لـ"سي أن أن" إن: "كل شيء يموت هنا. الناس قلقون من الغازات الملوثة، وأحيانا يصبح الأمر سيئا للغاية ولا نسمح للأطفال بالخروج".
التحقيق الأولي للشركة المالكة للخزان رجح أن يكون ذوبان الجليد قد أثر على عمل الخزان، وهو استنتاج رفضه الناشطان، وقالا إن روسيا لديها خبرة كافية في البناء على الجليد ويمكنها تجميد الأرض إذا لزم الأمر، ورجحا أن يكون سبب الكارثة سوء الصيانة أو غياب الرقابة.
ورغم ذلك بدا أن التحقيقات الفردية التي قام بها الناشطان أتت ثمارها، فبعد أسابيع من النتائج التي أعلنا عنها أقرت وكالة "Rosprirodnadzor" بأن بحيرة بياسينو تعرضت للتلوث، وقدرت حجم الأضرار بها بأنها أكبر 14 مرة من التقييم الأولي للشركة، وطلبت منها دفع ملياري دولار تعويضات.
كافانوسيان وصف تحرك الوكالة بأنه خطوة "ثورية" أرسلت إشارة إلى جميع الشركات "التي تلقي النفايات في الأنهار والبحيرات ولا تنفق على محطات معالجة المياه".