تبحث دول مجلس التعاون الخليجي العديد من الخيارات لمعالجة الأوضاع المالية التي تدهورت على خلفية انتشار فيروس كورونا. الجائحة تسببت في وقف العديد من الأنشطة الاقتصادية بالتزامن مع انهيار أسعار النفط، لذا قررت سلطنة عمان فرض ضريبة على أصحاب الدخل المرتفع في العام 2022، لتصبح أول دولة خليجية تفرض هذا النوع من الضرائب على السكان.
وتوقع الباحث الاقتصادي العماني هيثم اليافعي قيام الحكومة بفرض ضرائب جديدة على الشركات التجارية محذرا من التأخر في إقرارات الإصلاحات الاقتصادية الملحة. الخطوة العمانية لن تكون الأخيرة، حيث تسعى دول خليجية أخرى إلى إصلاحات مالية واقتصادية خلال الفترة المقبلة من خلال ترشيد الإنفاق وفرض الضرائب على الدخل وزيادة الضريبة على القيمة المضافة فضلاً عن الضرائب التصاعدية على أرباح الشركات.
وكانت السعودية قررت رفع قيمة ضريبة القيمة المضافة التي كانت فرضتها في مطلع عام 2018، من 5 في المائة إلى 15 في المائة، وسط مساعي الكويت إلى فرض ضريبة القيمة المضافة وخفض الدعم، بحسب ما ذكرته وكالة فيتش للتصنيف الائتماني.
بين السعودية والإمارات
وأصبحت السعودية أكثر المتضررين من أزمة جائحة كورونا التي تسببت في تدهور الأوضاع المعيشية للسكان، حيث كشفت القرارات التقشفية عن الوضع المترهل للاقتصاد السعودي الذي يعاني بسبب تفاقم عجز الميزانية وتراجع الإيرادات النفطية فضلا عن توقف الأنشطة الاقتصادية في وقت سابق وهبوط إيرادات السياحة الدينية للحج والعمرة. وفي مطلع العام الحالي، وأعلنت السعودية موازنة 2020 بإنفاق 272 مليار دولار، مقابل إيرادات بـ222 مليار دولار، متوقعة عجزا قيمته أكثر من 50 مليار دولار، إلا ان تفاقم عجز الميزانية بسبب تفشي كورونا تسبب في الإعلان عن خفض نفقات الحكومة في اعتمادات السفر والانتدابات، وتأجيل مشاريع، كما قررت تقليص الميزانية بنحو 13 مليار دولار.
وقال رئيس وحدة البحوث في مركز الخليج العربي للاستشارات الاقتصادية عبد العزيز الخالدي إنه لا مفر أمام السلطات السعودية سوى تطبيق الإصلاحات الاقتصادية بعد عقود من التخبط والسياسات العشوائية التي قادت الاقتصاد السعودي إلى الانهيار، لافتا إلى أن أزمة كورونا أثبتت هشاشة الاقتصاد السعودي. وأضاف الخالدي أن الإصلاح الاقتصادي لا يجب أن يتحمله الساكن في السعودية، وحده، بل يجب أن يمتد إلى تغيير السياسات من خلال وقف التدخلات الخارجية وإنهاء الحرب في اليمن التي تستنزف الموارد المالية للمملكة، وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية.
فيما توقع صندوق النقد الدولي انكماش اقتصاد الإمارات بنحو 3.5 في المائة في العام الحالي، أدت جائحة كورونا إلى تراجع الثقة في الاقتصاد الإماراتي بعد توقف العشرات من مشاريع التنمية في مختلف المناطق وخصوصا دبي أكبر المتضررين من الجائحة.
وقبل أيام، خفضت الإمارات ميزانيتها الاتحادية للعام القادم إلى 15.8 مليار دولار وبنسبة 5.3 في المائة مقارنة بميزانية العام الجاري البالغة 16.7 مليار دولار.
وقال الباحث الاقتصادي الإماراتي عادل الريامي إن الاقتصاد الإماراتي يواصل نزيف الخسائر بسبب أزمة تفشي كورونا وتراجع الإيرادات النفطية وهبوط حركة السياحة في دبي على الرغم من فتح المجال الجوي، فضلا عن الانخفاض الكبير الذي تشهده الخدمات المختلفة التي يعتمد عليها الاقتصاد الإماراتي.
وأوضح الريامي أنه على الرغم من تأكيد السلطات الإماراتية على عدم وجود خطط لفرض ضرائب خلال الفترة المقبلة، إلا أنه يجب على الحكومة البدء في الإصلاحات الاقتصادية واتخاذ قرارات جريئة من أجل إنقاذ الأوضاع وانتشال الاقتصاد من أزمة غير مسبوقة أثرت على حياة المواطنين والمقيمين وأثارت المخاوف بشأن المستقبل.
وتم تطبيق ضريبة القيمة المضافة في الإمارات في 1 يناير/ كانون الثاني 2018، وهي ضريبة غير مباشرة بنسبة 5 في المائة تفرض على معظم السلع والخدمات التي يتم توريدها.
إصلاحات الكويت وقطر
وتجدد الحديث في الكويت بشأن قانون ضريبة القيمة المضافة الذي يلقى معارضة كبيرة من نواب مجلس الأمة والأوساط الشعبية، في ظل الانهيار الاقتصادي من جراء تداعيات جائحة كورونا. وفي وقت سابق، توقع تقرير لوكالة “فيتش” بدء تطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 في المائة في الكويت في إبريل/ نيسان المقبل، وأوضحت أنه من المرجح أن تشمل تدابير التقشف والتعديلات المالية للحكومة ضرائب انتقائية وخفض الإعانات والمزايا والدعوم.
وأكد الخبير الاقتصادي الكويتي حجاج بوخضور السلطات الكويتية كانت قد كلفت وزير المالية براك الشيتان بإعداد وثيقة الإصلاح الاقتصادي، مشيرا إلى أن التسريبات السابقة تفيد ببدء تطبيق إجراءات مؤلمة خلال الأشهر المقبلة. ولفت بوخضور إلى أن الإصلاحات الاقتصادية يجب أن تتضمن ترشيد الإنفاق وتقليص مزايا القياديين في الدولة ومحاربة الفساد وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل.
ودعا بوخضور الحكومة الكويتية إلى زيادة الرسوم الحكومية بنسب معقولة وفرض الضرائب التصاعدية على أرباح الشركات وضريبة القيمة المضافة مثل دول الخليج التي بدأت في تطبيقها منذ عام 2018، فضلا عن تقليص الدعم ووقف منحه لغير المستحقين.
وتعد قطر أقل دول الخليج تضررا من جائحة كورونا، في ظل مواصلة السلطات تنفيذ المشروعات الضخمة استعدادا لتنظيم كأس العالم عام 2022. وبحسب وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني فإن الحكومة القطرية قادرة على توفير مصدات كافية للصمود في وجه الصدمات، كما توقعت استجابة في الوقت المناسب على صعيد السياسة من الدوحة لدعم سيولتها.
وأصدرت قطر، في أواخر عام 2018، قانونا بشأن ضريبة الدخل استثنت منه رواتب الأفراد، وآخر للضريبة الانتقائية فرضت فيه ضرائب تصل إلى 100 في المائة على منتجات بينها التبغ ومشروبات الطاقة و50 في المائة على المشروبات الغازية. وينص القانون على عدم إخضاع رواتب وأجور الأفراد من المواطنين والمقيمين لأية ضريبة، ومنح إعفاءات للاستثمارات في الأسهم المدرجة بالبورصة وأرباحها والفوائد والعوائد المصرفية، وقطاعات الزراعة، والصيد البحري، مع إعفاء خدمات الملاحة الجوية والبحرية بشرط المعاملة بالمثل.
البحرين: إجراءات مؤلمة
وقامت السلطات البحرينية بتطبيق ضريبة القيمة المضافة في المملكة ابتداءً من 1 يناير/ كانون الثاني 2019 بقيمة 5 في المائة، فيما يعتبر الجهاز الوطني للإيرادات في البحرين مسؤولاً عن تسجيل دافعي القيمة المضافة والتزامات القيمة المضافة الخاصة بهم والتحقق من صحة الإقرارات المقدمة وتقييم الأمور ذات الصلة. وتشير التوقعات إلى قيام السلطات البحرينية باتخاذ المزيد من القرارات المؤلمة التي ستمس جيب المواطن البحريني مثل فرض الضرائب على الدخل وإلغاء الدعوم.
وبحسب توقعات صندوق النقد الدولي سيتراجع نمو الاقتصاد البحريني بنسبة 3.6 في المائة، كما سيرتفع عجز الموازنة إلى 15 في المائة في 2020، بعد أن كان قد وصل إلى 10 في المائة في 2019، كما ستتراجع الإيرادات الحكومية بنسبة 27 في المائة. في المقابل، تحاول السلطات العمانية اتخاذ تدابير اقتصادية لمعالجة الوضع المالي المتأزم بسبب إجراءات مواجهة كورونا الذي تسبب في تعطيل الأنشطة الاقتصادية من بينها القطاع السياحي. وأعلنت وزارة المالية العمانية، فرض ضريبة دخل تطبق على أصحاب الدخل المرتفع في عام 2022، بعدما خفضت الإنفاق العام بنحو 1.3 مليار دولار خلال 2020.