أخشى ما يخشاه اللبنانيون، في غالبيتهم الساحقة، أن يتمدد «الصراع الشعبوي» بين أبرز فريقين في الدولة اللبنانية، وتحديداً الرئاستين الاولى والثانية، الى الشارع، على أبواب الانتخابات النيابية، المقررة في السادسة من ايار المقبل، ان لم يحصل ما قد يؤدي الى تأجيلها.. وهو سيناريو بدأ عديدون يرددونه في مجالسهم الخاصة والعامة.. خصوصاً وأن هذا الصراع لم يغب عن مؤسسات الدولة المركزية، وتحديداً مجلس الوزراء..
من قبل الدخول الى الجلسة في السراي الحكومي، أول من أمس، علت الاصوات في مواجهة وزير الخارجية جبران باسيل الذي يصر على ادخال تعديلات على قانون الانتخابات لتمديد مهلة تسجيل المغتربين الى الخامس عشر من شباط المقبل.. وهي أصوات لم تخل من التهديد، بأن اقرار هذه المسألة «سيفتح الباب واسعاً أمام مجموعة كبيرة من التعديلات» الامر الذي قد يؤدي الى تطيير الانتخابات او الى ارجائها، خصوصاً وان الوقت ضيق ولا يسمح بالدخول في مثل هذه الخلطات غير المعروفة..
السجالات سبقت انعقاد الجلسة.. والاشتباك السياسي، تحديداً بين «أمل» و»التيار الوطني الحر» – تجاوز كل الحدود، إن بالنسبة لمرسوم دورة ضباط العام 1994، وان بالنسبة الى البند 24 الذي تقدم به باسيل والرامي لادخال تعديل على مهلة تسجيل المغتربين..
يرى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ان الكلمة الفصل في حل إشكالية مرسوم منح اقدمية لضباط دورة 1994، تبقى عهدة القضاء المختص… فكان الرد من عين التينة المزيد من القصف على قرار «هيئة التشريع والقضايا» الذي أصدرته في شأن توقيع المرسوم، ورأت على السنة العديد من نواب «التنمية والتحرير» ان «الجهة الوحيدة المخولة تفسير الدستور في مجلس النواب..» وان رأي الهيئة مسيّس وخلفياته لا تخفى على أحد..»؟!
هو «جدل بيزنطي» بكل ما لهذه الكلمة من معنى ادى الى تصاعد المخاوف من أن ينعكس ذلك على وضع الحكومة، التي لم تعد بعيدة عن كل هذا الضجيج الاعلامي – الشعبوي والسياسي.. والملفات الاجتماعية وغير الاجتماعية تتراكم أمامها والعديد من الوزراء يلوحون بعدم حضور الجلسات اذا لم يؤخذ باقتراحاتهم..؟!
هناك أكثر من سؤال وتساؤل عما اذا كان الرئيسان عون وبري حريصان على حل الازمة بين بعبدا وعين التينة؟!.. وكيف ستكون المبادرة الى ذلك ومتى.. والانظار تتجه أكثر ما تتجه هذه الأيام نحو الرئيس بري المنقطع عن زيارة الرئيس عون منذ انتخاب الاخير رئيساً للجمهورية خلافا لما درجت عليه العادة من زيارات دورية تشاورية لرئيس المجلس الى رئيس الجمهورية للبحث في القضايا والملفات السياسية والوطنية.. ولا جواب بعد، سوى ان التصعيد يزداد يوماً بعد يوم، وان بدا بصورة أوضح من جانب عين التينة أكثر منه من جانب بعبدا..
لقد كان لافتاً غياب الدور المؤثر والفاعل لـ»حزب الله» في ازالة هذا «الكباش» بين حليفيه الرئيسين عون وبري.. في ظل ظروف وأوضاع اقليمية ودولية بالغة الدقة والصعوبة تستوجب تحصين الساحة الداخلية بأقصى ما يمكن.. ولم يظهر الى العلن ما اذا كان الحزب أجرى أية اتصالات على خطي بعبدا وعين التينة، خصوصاً بعد تفاعل أزمة المرسوم في ضوء قرار «هيئة التشريع والقضايا والاستشارات في وزارة العدل، الذي رفع سقف المواجهة الى حد لم يكن يتوقعه أحد.. باعلانه «ان وزير المال لا يشترك في التوقيع على مرسوم الاقدميات» والى ان «لا نص في الدستور او في القوانين والانظمة المالية والادارية يجعل من وزير المال قيمّا او مراقبا على أعمال سائر زملائه الوزراء..».
رمى «حزب الله» كرة التوسط بين الرئاستين الاولى والثانية في حضن رئيس الحكومة سعد الحريري.. وتوجهت الانظار الى ما ستكون عليه جلسه مجلس الوزراء.. ومن قبل ذلك، شاء الرئيس عون ان يرمي مسؤولية ما يجري على الاعلام وأن يزيل ما يمكن ان يكون قد تركز في الرأي العام الدولي والداخلي، لجهة ما يحصل، فخاطب رجال السلك القنصلي في لبنان، قائلاً: «ان من يتابع الاعلام يظن ان الامور مشتعلة وهي ليست كذلك..»؟! وفي اليوم التالي أكد خلال استقباله رئيس مجلس شورى الدولة وأعضاء مكتب المجلس «ان أحكام المؤسسات القضائية والهيئات والرقابية وقراراتها يجب ان تحترم..» في رسالة مباشرة الى الرئيس نبيه بري «لأن هذه المؤسسات انشئت لاحقاق الحق والفصل في النزاعات بعيداً من الضغوط والتشكيك..»؟!
أدرك الرئيس الحريري صعوبة، بل خطورة ما آلت اليه التطورات على خط الاشكالات المتراكمة بين بعبدا وعين التينة، وأصر على تجاوز ما يمكن ان تكون عليه التداعيات وما يمكن ان تتركه من تأثير على مجلس الوزراء فاستهل الجلسة بمداخلة وجدانية – عقلانية – حكيمة – سعت الى تهدئة الأجواء وتنفيس الاحتقان ما أمكنه ذلك.. من دون ان يتخلى عن واقعيته في اشارته الى «اننا لسنا فريقاً سياسياً واحداً وهناك وجهات نظر مختلفة..» لافتاً الى ان «هناك أموراً تتطلب حلولاً قبل الاخرى..» متمنياً على «الجميع التروي وتهدئة المواقف السياسية وكل الامور المطروحة يمكن ايجاد حلول لها من خلال التحاور والنقاش الهادئ وليس بانتهاج المواقف الحادة..».
قد يكون من السابق لأوانه الحكم بما ستؤول اليه التطورات خلال الأيام القليلة المقبلة.. إلاّ ان مواقف الرئيس الحريري التي تعززت ببسحب بند تمديد مهلة تسجيل المغتربين واحالتها الى اللجنة الوزارية.. وتأكيد وزراء ان لا جهوزية ولا وفاق سياسي حول تعديل قانون الانتخاب وأعطت اشارة لافتة، الى ان سياسة «التبريد» التي عاد الى اعتمادها الرئيس عون، تحتاج الى اثباتات وأدلة أكثر، تضع عين التينة في موقع يصعب معه المضي في سياسة التصعيد، وتدفعها الى التجاوب أكثر من «الوساطات» المعلنة وغير المعلنة لاعادة البلد الى أجواء طبيعية تساعد على انجاز الاستحقاقات المطلوبة بأقل ضرر ممكن وبأسرع وقت وتقطع الطريق على المصطادين في المياه السياسية العكرة..».
المصدر: الشرق