بين عهد وآخر، يستفيق ملف الاستراتيجية الدفاعية بحثاً عمن يتبنّاه، لكن سرعان ما يعود إلى حالة الغيبوبة في "وطن بلا سياج". لكن اللافت هذه المرّة، أن الرئيس ميشال عون، الحليف الاستراتيجي لحزب الله، هو آخر من أعاد فتح هذه المعضلة، مشيراً إلى أن البحث فيها ينطلق بعد الانتخابات النيابية.
أمام هذا الواقع المستجد، يطرح العميد المتقاعد المحلل الاستراتيجي نزار عبدالقادر، صاحب كتاب "وطن بلا سياج"، تساؤلات مشروعة حول مضمون وبنود هذه الاستراتيجية أو المسودة التي قد يتقدم بها الرئيس عون، وهو الحليف المؤتمن الفعلي الذي لم تهتز قناعاته بالتحالف مع الحزب منذ عودته إلى لبنان لغاية اليوم، إلى مختلف القوى السياسية.
وهنا لا بد من قراءة لأحد تصريحات الرئيس التي لا توحي بإمكانية البحث في مضمون مقبول أو يخدم في المعنى السياسي والأمني مصلحة لبنان. في إحدى تصريحاته للإعلام المصري، تحدّث الرئيس عن حاجة لبنان لسلاح "المقاومة" لسنوات مقبلة لمواجهة العدو الإسرائيلي، وهذا التصوُّر مدخل يشير إلى أن أكثرية اللبنانيين لن توافق على مثل هذا الطرح من جديد. أضف إلى القضية النفطية التي ستقف عائقاً اليوم، أمام أية مبادرة جديدة.
عبدالقادر الذي خصّص كتابه لوضع مشروع الاستراتيجية الدفاعية التي يجب أن يعتمدها لبنان، يسلّط الضوء، بالإضافة إلى هذا التحالف، على دور سلاح حزب الله الذي يتعدى، اليوم، لبنان، وأصبح قوة إقليمية وأحد أعمدة الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة، قائلاً "سلاح الحزب مسألة إقليمية دولية لبنانية".
ويضيف أنه لم يعد باستطاعة لبنان بمؤسساته السياسية حل هذا الاشكال، ذاهباً إلى أبعد من ذلك، "بل أصبح من المستحيل البحث عن أية صيغة ولو بمساندة خارجية لوضع حدّ لهذا الجموح في استعمال السلاح على الصعيدين المحلي والإقليمي، إلا إذا تغيّر النظام الإيراني. عدا عن ذلك تعتبر كل الطروحات مضيعة للوقت لاعتماد استراتيجية دفاعية تفضي إلى التخلص من سلاح الحزب، وحصر هذا السلاح بيد الجيش اللبناني.
لكن قبل انتشار الحزب في المنطقة العربية، إذ أصبح من شبه المستحيل أن يمتلك لبنان القرار لإيجاد حلّ لمسألة السلاح، أبرز المحلل الاستراتيجي في كتابه، بنداً هاماً للاستراتيجية الدفاعية يكمن في عدم البدء بالشق التنفيذي عبر مطالبة حزب الله بتسليم سلاحه فوراً، إنما بعد فترة زمنية على أن يتم تأمين الإمكانيات اللازمة لبناء القوة العسكرية القادرة على تأمين هذه الاستراتيجية.
ويحدد العميد الفترة الزمنية بحوالي الست سنوات، وكلفة المشروع بـ6 مليارات دولار، مشيراً إلى أن لبنان قادر على تأمين هذا المبلغ من الدول الداعمة، وتقسيطه لمدة حوالي 20 عاماً. وعندما يتم التأكيد على قدرة الجيش، تنطلق الاجتماعات لبرمجة نزع السلاح.
ويعود عبدالقادر في السنوات عندما طلب منه الرئيس الأسبق اميل لحود، بصفته قائداً للجيش، وضع مقاربة لتنظيم الجيش اللبناني وتوحيده، إذ في تلك الفترة، انتشر أكثر من جيش في المناطق الغربية والشرقية وجيوش أمر واقع.
وانطلاقاً من أن "للجيش وظيفة الدفاع عن الحدود وفي مقدمتها من العدو الإسرائيلي الأخطر على لبنان"، علماً أن هناك تهديدات أخرى من الحدود الشرقية مع سوريا، مع إمكانيات البلد المحدودة، بدأت عملية البحث عن طريقة يؤمن من خلالها لبنان المواجهة اللازمة أمام الخطر الإسرائيلي أو في حال اضطراب واسع في لبنان. ووجدت الوسيلة عبر اعتماد لبنان على مواجهة الردع المحدود. ورسم استراتيجية للجيش على هذا الأساس، من حيث عدد الألوية والوحدات، والتجهيزات عسكرية، إلا أن الدولة لم تتبناها.
توقف الحديث عن الاستراتيجية الدفاعية في التسعينات، بعد ضغط النظام السوري وجهات سياسية أخرى على وزير الدفاع، آنذاك، حتى لا يقبل بهذه الخطة. وبعدها دخل لبنان في لعبة "طاولة الحوار".
كما توقف الحوار بعد الوصول إلى سلاح حزب الله ومعادلة "جيش شعب مقاومة"، باعتبار ألا أحد يُسمح له البحث في هذه المعضلة. عاد الملف في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان الذي طلب من كل الأطراف تقديم طروحات لرسم الاستراتيجية الدفاعية، واستند من كل الأوراق على 3 صفحات سمّاها مدخل إلى الاستراتيجية الدفاعية. يطفو الملف اليوم، لكن وفقاً لمراقبين عدة، ستكون المرّة الأسرع التي يعود فيها إلى الأدراج.
فيفيان الخولي - ليبانون ديبايت