الدور التركي في أزمة سوريا التي صارت حربا كان خطيرا في كل المراحل والتقلبات. وليس ما يحدث اليوم سوى استمرار العمل بوسائل مختلفة لطموح واحد. ففي مرحلة التظاهرات عرضت انقرة على دمشق من خلال احمد داود اوغلو مشروع حل سياسي رفضه النظام يقضي بتولي الاخوان المسلمين نصف السلطة. وفي بدايات الحرب طلبت تركيا، ومعها معارضون، اقامة منطقة آمنة في الشمال السوري. لكن الرفض جاء من اميركا التي قالت في دراسة لهيئة الاركان المشتركة ان المشروع يحتاج الى وجود عسكري بري وأسلحة مضادة للطيران وأسراب من الطائرات تعمل على مدار الساعة، فوق كونه استفزازا لموسكو وعقبة في وجه التسوية السياسية. وهكذا لجأت انقرة الى وسائل اخرى، بحيث دعمت، من بين من دعمتهم، منظمات سلفية جهادية تمارس الارهاب وترفض اي حل سياسي وتعتبر ان الديمقراطية كفر.
الآن يعلن وزير الخارجية الاميركي ريكس تيليرسون تفهم بلاده للهواجس الأمنية التركية المشروعة، والتفاهم على اقامة منطقة آمنة. والرئيس رجب طيب اردوغان يكشف الاتفاق مع الروس على عملية غصن الزيتون في منطقة عفرين. وليس أمرا قليل الدلالات أن يتمكن اردوغان من اللعب بين الروس والاميركيين ومعهم وبرضاهم من دون أن تخرج بلاده من عضويتها في الحلف الاطلسي. وليس خارج المألوف في الألعاب بين الكبار أن تتبادل واشنطن وموسكو الاتهامات حول ما يدور في سوريا. وعين كل منهما على تفاهم بينهما. فالكل يلعب في سوريا وبها. الأميركيون، الروس، الأتراك، الايرانيون، وسواهم.
والكل يراهن على أهداف تحمل شيئا من الواقعية وشيئا من السوريالية السياسية. أميركا وحلفاؤها يراهنون على دور روسي ناعم في اخراج النفوذ الايراني من سوريا او أقله من المناطق الجنوبية المحاذية للاردن واسرائيل. والكرد يراهنون على فيديرالية بالدعم الاميركي القوي والدعم الروسي الناعم، وسط اتهام موسكو لواشنطن بتعزيز الاحلام الانفصالية الكردية وتهديد وحدة سوريا، مع ان الجميع يعلن الحفاظ على سوريا موحدة ارضا وشعبا. والروس يراهنون على ارضاء النظام والمعارضين والكرد والايرانيين والاتراك ثم الذهاب الى صفقة مع اميركا اكبر من سوريا.
والأيتام هم السوريون. القوى التي تأخذهم الى جنيف تتركهم عند الباب. روسيا تأخذهم الى سوتشي للرقص في كرنفال احتفالي بدستور روسي. ايران تريد ما يتجاوز حصة في الكعكة. وتركيا التي ارادت كل شيء ترضى حاليا بغزو عسكري يضمن قاعدة جغرافية لضرب الكرد.
وكل الكلام على خيار سياسي، ولا شيء سوى الاندفاع في خيارات عسكرية.
المصدر: الأنوار