محمد وهبة – الأخبار
منذ عام 2010، خاض بعض القوى السياسية معارك شرسة ضدّ بعضها الآخر، دارت حول الخيارات المؤقتة لزيادة إنتاج الكهرباء. التيار الوطني الحرّ، الممسك بوزارة الطاقة، وتيار المستقبل، كان خيارهما شبه الدائم المعامل العائمة (البواخر) لهذه المرحلة، وجرت محاولات عدّة للتلزيم على أساس أن تعمل هذه البواخر بواسطة الفيول أويل الذي تستورده الحكومة، وبالسعر الذي يوافق عليه مجلس الوزراء. حزب الله وحركة أمل والقوات اللبنانية وتيار المردة عارضت حصر الخيارات بالبواخر وربطها بالفيول أويل.
اليوم يعود هذا الملف إلى مجلس الوزراء بعد تعديلات أجرتها وزارة الطاقة بالتعاون مع البنك الدولي على ورقة سياسة القطاع، لكن هذه التعديلات لم تمسّ أصل الخيارات، بل بدت أقرب إلى كونها استجابة لمطالب القوى المعترضة على الخيارات المحصورة في المعامل العائمة ونوع الوقود المستعمل، فتُركت عبارات «مفتوحة» عن المعامل المؤقتة، رغم أنها ربطتها بـ«الموقع المناسب لتصريف الإنتاج» وبنوع الوقود الذي يوفّره العارض.
قد يعني هذا الأمر أن هناك «تسوية ما» تمكّن التيار الوطني الحرّ من نسجها مع القوى السياسية المعترضة، ولا سيما أن التلزيمات المعروضة على مجلس الوزراء لا تنحصر بمعمل أو باثنين، بل بسبعة معامل في سبعة مواقع مختلفة. وكانت وزيرة الطاقة ندى البستاني، قد جالت على القوى السياسية الممثلة في الحكومة، وشرحت بنود خطتها، وأخذت بالاعتبار كل الطروحات والملاحظات التي أوردتها القوى السياسية، ورفعت الورقة بعد تعديلها على مجلس الوزراء حيث سيفتح باب النقاش في شياطين التفاصيل على مصراعيه.
وقالت وزيرة الطاقة لـ«الأخبار»: «سأعرض اليوم على طاولة مجلس الوزراء الخطة التي وُزِّعَت عليهم، علماً بأنني التقيت معظم القوى والأحزاب السياسية، وعرضت الخطة عليهم، ولمستُ أجواءً إيجابية، خاصة لناحية ما تضمّنته من خفض للعجز وتجفيف لمصادر الهدر، أبرزها إزالة التعديات في كل المناطق، إضافة إلى زيادة الإنتاج، والاعتماد على مصادر عدة أبرزها الغاز الطبيعي والطاقة الشمسية، وإشراك القطاع الخاص عبر اعتماد مناقصة عالمية، وكل ذلك عبر جدول زمني واضح».
الخطة تأتي بالخلفية الآتية: بلغ العجز المالي لمؤسسة كهرباء لبنان أكثر من 1.8 مليار دولار في 2018 بسبب تثبيت تعرفة الكهرباء على معدل أقل من كلفة الإنتاج، واستخدام معامل قديمة بكلفة تشغيلية مرتفعة، ونسبة هدر فني تبلغ 16% وهدر غير فني (سرقة التيار الكهربائي) بنسبة 21%، فضلاً عن استهلاك النازحين السوريين نحو 500 ميغاوات… ما أدّى طوال السنوات الـ25 السابقة إلى تراكم عجز مالي تجاوز 30 مليار دولار، علماً بأن القسم الأكبر من العجز سببه شراء الفيول.
انطلاقاً من هذه المعطيات، ذهبت الخطّة في اتجاه حلّ يقضي بالعمل على خفض الهدر الفني والسرقة، وزيادة القدرة الإنتاجية والإنتاج بواسطة الغاز الطبيعي، وزيادة التعرفة. وسيُكرَّس هذا الحلّ في مناقصة عالمية تعتمد على نوعين من الحلول: مؤقت ودائم، مع إمكانية دمجهما ضمن حلّ موحّد.
وتقترح الخطة الآتي:
– إنشاء/ استقدام معامل مؤقتة ابتداءً من عام 2020 ولفترة تراوح بين ثلاث سنوات وخمس سنوات وبقدرة إنتاجية تبلغ 1450 ميغاوات «يجري تركيبها في أي موقع مناسب لتصريف الإنتاج الإضافي بشكل سريع». وأوردت جدولاً يتضمن بعض المواقع المقترحة من دون أي حصرية. وهذه المواقع هي: دير عمار، الزهراني، حريشة، الذوق، الجية، صور.
– مع الأخذ بالاعتبار أن الفيول المتوافر حالياً في لبنان يقتصر على الغاز أويل وزيت الفيول الثقيل، غير أن العروض المقدّمة يمكن أن تقترح نوع وقود مختلفاً، على أن يكون توفيره على عاتق العارض.
– إخراج المعامل القديمة في الذوق والجيّة والحريشة من الخدمة ابتداءً من عام 2020، تمهيداً لاستبدالها في نفس المواقع بمعامل حديثة صديقة للبيئة وذات مردودية وفعالية عاليتين.
– بالتوازي، سيُعمَل على توفير الغاز الطبيعي المسال في عام 2021 عبر محطات التخزين وإعادة التغويز العائمة، ما يسهم في تخفيف الأثر البيئي لمعامل الإنتاج ويخفض كلفتها التشغيلية مبدئياً.
– سيجري تركيب مشاريع الطاقة المتجددة التي ستؤدي دوراً أساسياً في هذه المرحلة، بقدرة 840 ميغاوات من المحطات الشمسية، و«مزارع الرياح» بقدرة 600 ميغاوات تقريباً.
– يجب تنفيذ كافة مندرجات المخطط التوجيهي للنقل الذي أقرّه مجلس الوزراء في 2017 بهدف تأمين تصريف الإنتاج ومعالجة «الخنقات».
– بالتوازي، سيُعمَل بين عامي 2019 و2026 على تحصيل 1200 مليار ليرة من خلال خفض مجمل الهدر من 34% إلى أقل من 11%.
– ستُفعَّل الجباية لتحصيل نحو 555 مليار ليرة، و444 مليار ليرة من المستحقات المترتبة على المخيمات الفلسطينية و1820 مليار ليرة من المستحقات على الإدارة العامة ومصالح المياه.
– إن تنفيذ كل هذه المشاريع سيؤدي إلى رفع العجز المالي لمؤسسة كهرباء لبنان، وبالتالي أصبح ضرورياً زيادة المعدل الوسطي لهذه التعرفة من 138 ليرة لكل كيلوات ساعة ليصبح ابتداءً من مطلع 2020 نحو 217 ليرة للكيلوات ساعة.
في المرحلة الثانية من المشروع، أي مرحلة المعامل الدائمة، تقول البستاني، إن العمل سيستكمل لإضافة معملين جديدين بقدرة 1100 ميغاوات «علماً بأن هذه المرحلة تلحظ إنهاء عقد المعامل المؤقتة بين عامي 2023 و2025 وإزالة المعامل الحالية في الذوق والحريشة والجية. وتجدر الإشارة إلى أن العمل على إنشاء معامل جديدة بشكل مستمر ضروري من أجل تغطية الزيادة الطبيعية على الطلب بشكل يحتّم إضافة معمل بقدرة 600 ميغاوات كل خمس سنوات».