صحيفة الجمهورية
فيما يقف لبنان في عين العاصفة مجدداً، وولادة حكومته العتيدة ما تزال متعثرة، على رغم تجاوز تكليف الرئيس سعد الحريري الـ7 أشهر، تنصبّ الانظار على مستوى الحضور في القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية التي يستضيفها نهاية الاسبوع الجاري، بعدما أُنهيت كافة التحضيرات العملانية واللوجستية لانعقادها. وقد استُبِقت القمة باجتماع تحضيري في وزارة الخارجية من جهة، ومذكرة ادارية قضَت بإقفال الادارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات بعد غد الجمعة تسهيلاً لاستكمال التحضيرات، في حين أوضحت جامعة الدول العربية انه لم يُطلب منها التوسّط بين لبنان وليبيا. فيما اعتبرت كتلة «المستقبل» أنّ «الاعتراض على مشاركة ليبيا في القمة وإنزال العلم الليبي لا يُفيد قضية الإمام موسى الصدر».
على وقع استمرار التحضيرات للقمة الاقتصادية العربية، تتجه الأنظار الى بكركي التي ستشهد لقاء سياسيا مارونيا، تلبية لدعوة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي تلقى اتصالاً من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اطمأنّ فيه على صحته، متمنياً له التوفيق في رعاية اللقاء المقرر اليوم.
لبنان «القوي»
وشدد تكتل «لبنان القوي» على دور بكركي الجامع واصفاً اللقاء الماروني اليوم بأنه «لقاء وطني بامتياز»، مؤكداً انّ «بكركي صرح وطني للتلاقي والتفاهم بين اللبنانيين، ودورها معروف عبر التاريخ، على صعيد الكيان اللبناني منذ العام 1920 وحتى اليوم، وهي تعبّر عن ضمير اللبنانيين لأي طائفة انتموا». وأعلن الذهاب الى اللقاء نواباً موارنة ينتمون الى تكتل «لبنان القوي»، وأنّ اليد ممدودة للجميع «للخروج بصيغة تؤكد حرصنا على لبنان والدستور والأصول وكل المفاهيم الوطنية والثوابت الوطنية التي عبّرت عنها بكركي وعبّرنا عنها كتيار وتكتل على مدى سنوات من النضال».
«القوات»
وفي السياق نفسه، قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ»الجمهورية» انّ لقاء بكركي «يشكّل صرخة وطنية من أجل إنهاء الفراغ الحكومي وتشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن لمواجهة التحديات الوطنية والاقتصادية، خصوصاً في ظل التردي الاقتصادي الكبير والسخونة التي يرتفع منسوبها في المنطقة، فضلاً عن الدعوة الى التمسّك بالدستور ورفض كل محاولات تكريس أعراف جديدة على حساب الدستور».
«الكتائب»
بدورها، مصادر حزب «الكتائب» قالت لـ»الجمهورية» انّ «الكتائب تحضر اللقاء من موقعها المعارض، وترى أنّ كرة الخروج من المأزق هي في ملعب الآخرين الذين أبرموا صفقة التسوية تحت عنوان إحياء عمل المؤسسات الشرعية وضمان الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، فإذا بسياستهم تؤدي الى تعطيل المؤسسات الدستورية والى حالة لا سابق لها من عدم الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي».
وأضافت هذه المصادر: «انّ الكتائب ترى انّ السياسات المعتمدة منذ سنوات أوصَلت لبنان الى شفير الهاوية، وإنّ الحل يبدأ بضرورة اقتناع أركان التسوية باستبدال سياساتهم القائمة على التنازل عن السيادة في مقابل المحاصصات. أمّا بالنسبة الى الحل فقد عبّرت «الكتائب» عن وجهة نظرها التي سبق للبطريرك الراعي ان تبنّاها كذلك تبنّتها فاعليات سياسية واجتماعية واقتصادية عدة، وهي تقوم على المبادرة الى تشكيل حكومة مصغّرة تعمل على معالجة الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية في مقابل انكباب القادة السياسيين والحزبيين على معالجة مَلفّي السيادة والمشكلات السياسية تحت سقف البرلمان.
القمة
وعلى صعيد القمة، وفيما بدأت العاصفة الطبيعية «ميريام»، انحسرت عاصفة الاعتراض على المشاركة الليبية في القمة العربية والتي قادها رئيس مجلس النواب نبيه بري وحركة «أمل» ربطاً بقضية إخفاء الامام موسى الصدر الذي لم يعرف مصيره بعد، استنكاراً لعدم تعاون السلطة الليبية الحالية مع لبنان لكشف مصير الامام ورفيقيه.
وفي هذا الاطار رأت مصادر «القوات اللبنانية» انّ «ما جرى في الأيام الأخيرة غير مشجع على الإطلاق، فكل ما يحصل ضمن قواعد اللعبة السياسية يبقى مقبولاً بالحد الادنى وان كان غير مبرر وغير مفهوم، ولكن ان تنزلق الأمور الى تخطّي المؤسسات الدستورية والقوانين المرعية والأعراف والخروج عن أدبيات التخاطب والممارسة، فهذا أمر غير مقبول على الإطلاق، ويمكن ان يؤدي الى سقوط الهيكل على رؤوس الجميع». وأضافت المصادر: «إنّ إحراق علم دولة عربية في بيروت، أيّاً كانت الأسباب، وفي إطار قمة عربية دعت إليها الجامعة العربية، وبعد موافقة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وبعدما تشكّلت فرَق عمل رسمية لمواكبة هذا الحدث، يشكّل ضرباً لوجود الدولة بالصميم». وتمنّت «ان يكون الحوار هو السبيل لحل الأزمات بعيداً من التشنّج ولغة الشارع، خصوصاً انّ التأزُّم الاقتصادي والإقليمي يستدعي أعلى درجات الوحدة لتجاوز أزمة الفراغ والذهاب إلى تشكيل حكومة، فضلاً عن أنّ لبنان أحوج ما يكون إلى الدعم الدولي والعربي، وانعقاد القمم في دياره يؤكد مدى الاهتمام بدوره وشؤونه». وشددت المصادر «على ضرورة الحفاظ على الاستقرار الذي يشكّل مصلحة لجميع اللبنانيين من غير المسموح التفريط بها».
أميركا وإيران
وفي غمرة الانشغالات الرسمية بالقمة وبلقاء بكركي الماروني، إنفجر الخلاف الاميركي ـ الايراني في المنطقة على ارض لبنان، بعدما تفاعلت مواقف وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو ووكيله للشؤون السياسية ديفيد هيل ضد ايران و»حزب الله»، وترددت أصداؤها في بيروت وطهران. في وقت علمت «الجمهورية» أنّ زيارة هيل، وبعيداً عمّا شهدته محادثاته خلالها من تفسيرات وتحليلات، وصلت الى حد ربطها بمستقبل الاوضاع في المنطقة والتسويات المطروحة لأزماتها، وانّ المهمة الاساسية التي جاء بها الرجل الى لبنان هي إحياء اللجنة الثلاثية اللبنانية ـ الاميركية ـ الاسرائيلية لموضوع ترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان واسرائيل ربطاً بالنزاع القائم حول حقوق لبنان النفطية والغازية في المنطقة الاقتصادية الخالصة البحرية التي تقرصن اسرائيل منها ما يزيد عن 860 كلم2.
وقالت مصادر واكبت زيارة هيل انّ وجود السفير ديفيد ساترفيلد في عداد الوفد المرافق له دَلّت اكثر الى طبيعة مهمته هذه، إذ انّ ساترفيلد عمل قبل اشهر وسيطاً متجوّلاً بين لبنان واسرائيل في الملف النفطي والغازي. ولم يعرف يومها ما اذا كان قد تَوصّل الى نتائج معينة مع الاسرائيليين.
ردٌ إيراني
والى ذلك، وفي رد على بومبيو وهيل، قال الرئيس حسن روحاني: «إذا لفّ وزير الخارجية الأميركي 10 أسابيع في المنطقة، هذه المنطقة تبقى مكاننا، وليس مكانهم». وأكد «عدم قدرة الولايات المتحدة الاميركية على عزل إيران عن العالم».
امّا في لبنان، فبَدا انّ الرد جاء مزدوجاً: أولاً، عبر بيان للسفارة الايرانية في بيروت وصفت فيه الزيارات الاميركية بـ»الإستفزازية والتحريضية»، وأدرجت مواقف هيل في إطار»التدخل السافر في شؤون الغير وإملاء القرارات». وأكدت «أنّ الحرص على الحفاظ على سيادة لبنان لا يكون من خلال التغاضي عن التهديدات الإسرائيلية المتكرّرة للبنان»، ورأت «انّ لبنان اصبح رقماً صعباً في المعادلات الإقليمية وحصيناً وعصيّاً على إملاءات الآخرين وأعدائه»، واكدت انّ وجودها في سوريا «شرعي».
امّا الرد الثاني فتمثّل بزيارة السفير الايراني محمد جلال فيروز نيا للحريري في «بيت الوسط»، حيث كان هيل أعلن مواقفه، وذلك في زيارة هي الاولى له منذ تعيينه في آب الفائت، مشيراً رداً على سؤال عن توقيت الزيارة الى «انّ بعض الظروف تفرض نفسها». وأعلن دعم كل الجهود الرامية لتشكيل حكومة برئاسة الحريري، وأمل في أن تبصر النور في اسرع وقت ممكن، مؤكداً ان لا ربط بينها وبين التطورات في الخارج. وتسلّم السفير من الحريري مذكرة موجهة للرئيس الايراني تطالبه بالافراج عن السجين اللبناني نزار زكّا.
وقالت مصادر «بيت الوسط» انّ زيارة فيروز نيا للحريري لا علاقة لها بزيارة هيل للبنان، ولا تشكّل رداً عليه حسب ما ربطها البعض، «فموعد زيارة فيروز نيا حُدّد قبل فترة سبقت زيارة الموفد الاميركي، وانّ استخدام السفير الايراني المنصّة ذاتها في الرد على المواقف الاميركية لا يعني شيئاً».
إسرائيل
في المقابل، دعت اسرائيل ايران الى سحب قواتها من سوريا بسرعة، وتوعّدت بمواصلة مهاجمة أهداف إيرانية هناك. وقال رئيس وزرائها بنيامين نتيناهو: «سمعتُ أمس المتحدث باسم الخارجية الإيرانية يقول إن ليس لإيران أيّ وجود عسكري في سوريا. نحن نقوم بدور استشاري فقط. لذلك، أنصح إيران أن تخرج من سوريا بسرعة لأننا سنواصل تطبيق سياستنا الحازمة بلا خوف ومن دون هوادة». واتهم نتنياهو ايران بأنها «تكذب في استمرار».
إسرائيلي يجتاز الحدود
من جهة أخرى وفي تطور لافت، أعلن الجيش الإسرائيلي انّ لديه شبهات في أنّ شخصاً اجتاز أمس الشريط الحدودي من إسرائيل الى لبنان، حيث وجدت قوة إسرائيلية في وقت سابق أمس فتحة في السياج الحدودي يشتبه أنه دخل منها. وأعلن انه يجري تحقيقاً في الحادث.
وذكرت تقارير لبنانية في الجنوب أنّ شخصاً يرتدي الزي العسكري للجيش الإسرائيلي يحمل صندوقاً مع مستندات باللغة العبرية، دخل ظهر أمس الى قرية عيتا الشعب اللبنانية. واشارت هذه التقارير الى انّ هذا الشخص ألقى الصندوق، وفرّ هارباً بعد ان اصطدم بالسكان المحليين الذي بدأوا بالبحث عنه.
روسيا
في هذا الوقت، أكدت روسيا في خلال مكالمة هاتفية بين وزير خارجيتها سيرغي لافروف ونظيره اللبناني جبران باسيل، تمسّكها «بسيادة لبنان الصديق واستقلاله ووحدة أراضيه واستقراره»، واكدت انها «تنطلق من ضرورة حل القضايا الحيوية للأجندة الوطنية اللبنانية في الإطار القانوني، بالتوافق مع الدستور وضمن الحوار البنّاء بين أبرز القوى السياسية للبلاد، وعدم قبول أي تدخلات خارجية في شؤونه الداخلية». وأشار الوزير إلى «خطر التأثير السلبي للنزاعات الإقليمية الحادة، وخصوصاً الأزمة في سوريا، على الاستقرار والأمن في لبنان».
وناقش لافروف وباسيل «إمكانيات زيادة الجهود المشتركة الرامية للمساهمة في عملية إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم».