تصويت صاعق في مجلس العموم البريطاني ضد «بريكست»… وبريطانيا بين أزمة حكومة وحكم
أردوغان يحلم بالمنطقة العازلة… ودمشق: الأولوية لانسحاب القوات الأجنبية
مساعٍ لاحتواء تجاذبات القمة… لاستئناف الحراك الحكومي مطلع الأسبوع
كتب المحرّر السياسيّ – البناء
ترنّحت حكومة تيريزا ماي أمام مجلس العموم بخسارة مدوّية للتصويت على اتفاقية «بريكست» التي تنظم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث صوّت ضدها 432 نائباً وأيّدها فقط 202 نائب. وفتحت هذه الحصيلة التي وصفها خصوم ماي بالصاعقة الباب لتصويت اليوم على الثقة بحكومة ماي، التي إن بقيت ستكون أضعف من أن تعود للتفاوض مع الاتحاد الأوروبي على تعديل الاتفاقية، وإن أطيح بها ستفتح في بريطانيا ما يتخطى أزمة حكومة، لأن حزبها ليس جاهزاً لإنتاج زعامة بديلة بخطة واضحة تبقي المحافظين في الحكم، وزعيم حزب العمال المنافس الذي يطمح للفوز برئاسة الحكومة لا يملك التصويت الكافي للقيام بالمهمة، ما قد يحول الأزمة إلى أزمة حكم، في ظل كلام قالته ماي عن خطر تفكك بريطانيا كدولة، في ظل وقوف الانقسام حول «بريكست» على خطوط تماس مكوّنات عرقية وقومية وإتنية لبريطانيا، بين الإيرلنديين والسكوتلنديين وسائر المكوّنات الأصغر حجماً لبريطانيا.
الأزمة البريطانية التي تعبر دائماً عن واجهة ما يجري في الغرب ليست بعيدة عن مظهر مختلف لأزمات الغرب كما تظهره حال فرنسا، العاجزة عن التعامل الطويل المدى مع ظاهرة السترات الصفراء التي تتجذّر وتتّسع رغم القمع والتنازلات الاجتماعية للحكومة، ولا تختلف في الجوهر عن الاضطراب في السياسات الأميركية التي تحوّلت بالونات إعلامية للإيحاء بالقوة في زمن العجز عن الاستثمار على المزيد من القوة.
في سورية، كما في لبنان، ظهرت علامات الاضطراب الأميركي، فبينما لحقت بالمبعوث الأميركي ديفيد هيل قبل مغادرته لبنان ردود إيرانية من باب رئاسة الحكومة التي اعتلى منبرها للتهجم على إيران والمقاومة، ردت سورية بقوة على الكلام الأميركي التركي المشترك حول إقامة منطقة حدودية عازلة في الأراضي السورية بين تركيا والمسلحين الأكراد، وردّد الرئيس التركي رجب أردوغان صدى الاتصال الهاتفي بينه وبين الرئيس الأميركي دونالد ترامب مجدداً حلمه بالمنطقة العازلة، فقال مصدر سوري، إن الدولة السورية ستتصدّى بكل الوسائل المتاحة لأي عبث بوحدتها وانتهاك لسيادتها، بينما كان وزير الخارجية السورية وليد المعلم خلال استقباله المبعوث الأممي الجديد غير بيدرسون، يؤكد أن الأولوية السورية هي انسحاب جميع القوات الأجنبية من سورية.
في لبنان خيّم هدوء سياسي وإعلامي بعد أيام السجالات التي سبقت انعقاد القمة الاقتصادية العربية التي تبدأ جلساتها التمهيدية اليوم بلقاءات لرجال الأعمال العرب، وتتواصل فاعلياتها حتى نهاية الأسبوع، وبرزت مساعٍ لاحتواء السجالات وتهدئة المناخات، باعتبار القمة ستكون حدثاً رتيباً بلا بيان ختامي يظهر شعار الازدهار في السلام الذي يحمل في طياته «تبشيراً» بالتطبيع مع «إسرائيل»، وفي ظل مفاعيل الرد الإيراني على الكلام الأميركي، وما يوحي به من فرضيات ردود مشابهة على أي تهجم على إيران تشهده القمة، بينما تحدثت مصادر سياسية مطلعة عن معاودة الحراك الحكومي بقوة بعد الانتهاء من استحقاق القمة مشيرة لمبادرات جديدة يتم الإعداد لها.
فيما هدأت الجبهات المحلية والخارجية على خلفية انعقاد القمة الاقتصادية التنموية في بيروت في العشرين من الحالي بعدما اعتذرت ليبيا عن عدم الحضور، شهد لبنان في الساعات الماضية توتراً جديداً وتحديداً على خط بيت الوسط الذي شهد اشتباكاً وقصفاً كلامياً إيرانياً أميركياً، على خلفية تصريحات وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل ضدّ إيران وحزب الله. فزار السفير الإيراني محمد جلال فيروزنيا بيت الوسط حيث استقبله الرئيس سعد الحريري، مؤكداً دعم بلاده الجهود الرامية إلى التسريع في تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة برئاسة الرئيس الحريري، وتأمل أن تبصر الحكومة اللبنانية النور في أسرع وقت. أما على صعيد التطورات الإقليمية، فأشار إلى انّ الولايات المتحدة الأميركية التي تريد أن تروّج لنفسها على أنها دولة غيورة على مصلحة هذه المنطقة وشعوبها، هذا منطق لا يصدّقه أحد. وأصدرت السفارة الإيرانية في لبنان بياناً ورد فيه أنّه «في إطار الزيارات الاستفزازية والتحريضية التي قام بها مؤخراً عدد من المسؤولين الأميركيين في بعض الدول والتي تتقاطع مع مستجدات إقليمية أظهرت أكثر من أيّ وقت مضى انتكاسة سياسات الإدارة الأميركية وفشلها وخيباتها المتكرّرة، أطلق وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل سلسلة من المواقف، والتي لا تندرج إلا في إطار التدخل السافر في شؤون الغير وإملاء القرارات». و«بما أنّ الزائر تناول في تصريحاته المستفزة الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، رأت السفارة أنّ «كون المبعوث الأميركي عمل سابقاً في لبنان، لا بدّ أنه يعلم انّ الحرص على الحفاظ على سيادة لبنان واستقلاله وعزّته وكرامته لا يكون من خلال التغاضي عن التهديدات الإسرائيلية المتكرّرة للبنان أرضاً وسماءً ومياهاً والسكوت عن الانتهاكات التي يرتكبها هذا الكيان بصورة يومية تحت أنظار الإدارات الأميركية المتعاقبة التي كانت ولا زالت تقدّم الدعم المطلق والسخي والأعمى لهذا الكيان»، مشيرة إلى «أنّ لبنان كما نراه أصبح اليوم بفضل قيادته الحكيمة وحكومته وشعبه وجيشه ومقاومته المسؤولة، رقماً صعباً في المعادلات الإقليمية بحيث أصبح حصيناً وعصياً على إملاءات الآخرين وأعدائه، فلا يسمح لأيّ طرف كان بأن يُملي عليه القرارات الخاطئة».
ولفتت مصادر مطلعة في 8 آذار لـ»البناء» إلى أنّ طهران اختارت أن تردّ من المنبر نفسه على واشنطن لا سيما أنّ هيل اختار منبر الرئيس المكلف سعد الحريري للهجوم على حزب الله وإيران. ولفتت المصادر إلى تجاوب الحريري مع طلب المعنيين في السفارة الإيرانية إعطاء موعد زيارة فيروزنيا بيت الوسط بشكل عاجل مشدّدة على أنّ خطة الردّ الموجعة لهيل نجحت، فاللقاء حقق نوعاً من التوازن مع زيارة المسؤول الأميركي، وأظهر تمايزاً عن الأخير لا سيما أنّ فيروزنيا أكد دعم بلاده تأليف الحكومة وبرئاسة الرئيس الحريري. وذكر من بيت الوسط بقوة لبنان في المعادلة الإقليمية بفضل ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، لافتة في الوقت عينه إلى أنّ بيان السفارة الإيرانية الذي سبق الزيارة جاء مدروساً بالمصطلحات التي استخدمت. واعتبرت المصادر أنّ كلام هيل المشروط حيال نوع الحكومة المختارة يؤكد أنّ واشنطن تضع العصي في الدواليب وتعرقل التأليف بدليل أنّ هيل شجّع حكومة تصريف الأعمال على المضيّ قدُماً لا سيما على صعيد الاقتصاد، وكأنّ هناك قراراً يربط التشكيل بالشروط الأميركية.
وتحضيراً للقمة التنموية العربية الاقتصادية والاجتماعية التي ستنعقد في بيروت من 16 الحالي إلى 20 منه، عُقد في وزارة الخارجية والمغتربين في قصر بسترس اجتماع حضره الوزراء في حكومة تصريف الأعمال: للخارجية جبران باسيل، للاقتصاد والتجارة رائد خوري، وللشؤون الاجتماعية بيار بو عاصي. وأعلن الأمين العام لوزارة الخارجية والمغتربين السفير هاني شميطلي بعد الاجتماع أنّ العمل الاقتصادي العربي المشترك لا يقلّ أهمية عن رفاهية الشعوب ولا يمكن تحقيق النمو من دون عمل عربي مشترك. وأوضح انه لن يكون هناك بيان سياسي في ختامها لأنّ القمة اقتصادية.
وأكدت الجامعة العربية أنه لم يطلب منها القيام بوساطة بين لبنان وليبيا على أثر قرار الأخيرة بمقاطعة القمة الاقتصادية العربية التي تعقد في بيروت. وأعلن محمود عفيفي المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط أنّ ليبيا أعلنت رسمياً مقاطعتها للقمة في ضوء حرق حركة «أمل» في لبنان للعلم الليبي في بيروت، واصفاً واقعة حرق العلم بـ«المؤسفة». واشار إلى أنّ الجانب الليبي اعتبرها إهانة لرمز الدولة لهذا اتخذ موقفه بالمقاطعة.
وأكدت كتلة المستقبل «أهمية انعقاد القمة العربية الاقتصادية والإنمائية في بيروت»، لافتة إلى انّ توفير مقوّمات سلامتها ونجاحها مسؤولية تقع على كلّ المعنيين بإعادة تأهيل لبنان للأدوار الطليعية في محيطه العربي، وهي مهمة لا يجوز الإخلال بها في ظلّ التحديات السياسية والاقتصادية والإنمائية التي تواجه لبنان والدول العربية الشقيقة، منوّهة «بالإجراءات والجهود التي تقوم بها رئاسة الجمهورية لتأمين مقتضيات نجاح هذه القمة». ورأت انّ «ما رافق الاعتراض على مشاركة الدولة الليبية في القمة، واللجوء إلى الشارع لترجمة هذا الاعتراض والإقدام على إنزال العلم الليبي عن الأعمدة وإحراقه على الصورة التي ظهرت في أحد شوارع بيروت ومحيط المقرّ الذي ستنعقد فيه القمة، هو أمر يسيء إلى هيبة الدولة اللبنانية ولا يفيد قضية الإمام المغيّب موسى الصدر في شيء».
واعتبر تكتل «لبنان القوي» عقب اجتماعه الأسبوعي انّ «انعقاد القمة الاقتصادية ليس تحدّياً لأحد، لأنّ مصلحة لبنان تكمن في انعقادها»، ودعا «لنتنافس على من يأتي بالمشاريع لتقوية الاقتصاد بدل التقاتل على من رفع علماً أو من أنزله». ولفت إلى انّ «قضية الإمام موسى الصدر من الأولويات بالنسبة إلينا ونعتبره من أركان الوحدة الوطنية».
من جهة أخرى، تلقى باسيل اتصالاً مطوّلاً من نظيره الروسي سيرغي لافروف، تمّ خلاله البحث في موضوع الأمن والأمان في لبنان وأهمية المحافظة على الاستقرار من دون ربطه بمشكلات المنطقة، خصوصاً لجهة تأليف الحكومة، كما تمّ البحث في ملف الأزمة السورية وضرورة السير بالحلّ السياسي وأهمية إنشاء لجنة وضع الدستور، وعدم ربط عودة النازحين السوريين إلى سورية بأيّ أمر آخر، خصوصاً في ظلّ التقارير التي ترد عن محاولات لثني النازحين عن العودة، على الرغم من توفير ظروف العودة للكثيرين منهم. كذلك تناول الاتصال موضوع إعادة إعمار سورية والدور المهمّ الذي يمكن أن يلعبه لبنان. ووعد وزير الخارجية الروسي نظيره اللبناني باستمرار دعم روسيا لتسهيل العودة مع جميع الجهات المعنية.
وبينما تجمع بكركي اليوم نحو 33 شخصية مارونية للبحث في جملة ملفات تتصل بالملف الحكومي والوضع الاقتصادي والمعيشي المتردّي على ان يتوّج بنداء لإنقاذ الدولة وحثّ المسؤولين على ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة، تلقى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي اتصالاً هاتفياً من رئيس الجمهورية اطمأن فيه إلى صحته، متمنياً له التوفيق في رعاية اللقاء الماروني التشاوري.
وشدّدت مصادر قواتية لـ «البناء» على انّ رئيس حزب القوات سمير جعجع وعقيلته النائب ستريدا جعجع اعتذرا عن عدم الحضور بداعي السفر، لافتة إلى أنّ نواب الجمهورية القوية سيؤكدون اليوم موقف القوات التقليدي من ضرورة تعزيز عمل المؤسسات بعيداً عن الاستنسابية، لافتة إلى أنّ موقفنا واضح من تأليف الحكومة في أسرع وقت لا سيما أنّ المعطل بات معروفاً والعقدة معروفة ومكان حلها معروف، مشدّدة على أننا نرحب بدعوة بكركي لما تمثل من مرجعية وطنية كبيرة، لكننا كنا نفضل في الوقت عينه لو أنّ اللقاء التشاوري موسّع ولم يحصر فقط بالموارنة.
وشدّدت مصادر نيابية في تكتل لبنان القوي لـ «البناء» على أنّ مشاركتنا اليوم في لقاء بكركي تنطلق من هدف أساساً يتمثل بحرصنا على الثوابت الوطنية وتطبيق الدستور، لافتة إلى انّ التكتل سيحضر بـ14 شخصية وهو منفتح على جميع الأفكار والطروحات ويده ممدودة للجميع قائلة يجب ان يستثمر هذا اللقاء للاتفاق حيال مواضيع الساعة المطروحة لا سيما في ما خصّ الوضع الاقتصادي. وإذ اعتبرت المصادر أن سقف بكركي يجمع، لفتت إلى أنّ الاجتماع أبعد من تأليف حكومة التي من الصعب أن تكون حكومة اختصاصيين في الوقت الراهن، لا سيما في ظلّ اتفاق المعنيين على تأليف حكومة وفاق وطني.
وأكد رئيس الجمهورية خلال استقباله مجلس إدارة جمعية تجار بيروت برئاسة نقولا شماس أنّ الاقتصاد اللبناني لا يبنى وفقاً لبعد واحد، «بل هو تفاعل لمختلف وسائل الإنتاج»، مشدّداً على ضرورة بذل الجهود لتطوير الاقتصاد ومواجهة الواقع الذي نتج عن سنوات من الأزمات التي تراكمت على لبنان. وأشار الرئيس عون إلى أنّ الاجتماع المالي الذي رأسه في قصر بعبدا الأحد الماضي، أعاد ضبط اللغط الذي نشأ نتيجة تصريحات تناقلتها وسائل الإعلام حول الواقع المالي للدولة وعادت الأمور إلى طبيعتها.