“ثرثرة ومعارك دنكيشوتية” على ضفاف القمة العربية…

“ثرثرة ومعارك دنكيشوتية” على ضفاف القمة العربية…
“ثرثرة ومعارك دنكيشوتية” على ضفاف القمة العربية…

دافيد عيسى

من المفيد أن يستقبل لبنان العام الجديد باستضافة قمة عربية اقتصادية وقدوم القادة والمسؤولين العرب إلى أرضه بعدما افتقدهم لفترة طويلة إذ كانت آخر قمة عربية في بيروت في العام 2002 وعرفت بقمة مبادرة السلام العربية.
هذا الحدث الاقتصادي بعنوانه السياسي وبأبعاده يعيد إلى لبنان بعضاً من بريق مفقود ودور ضائع ويحجب ولو لفترة وجيزة الصورة الداخلية غير المشجعة وغير المتناسبة مع هذا الحدث العربي على أرضه.
فقد كان من الأنسب والأفضل لو أن حكومة جديدة قد تشكلت لتكتمل حلقة المؤسسات الدستورية والمصداقية السياسية والدولية للبنان، ولكن لم يحصل ذلك وجاء انعقاد القمة العربية في ظل فراغ حكومي ليرسل إشارة سلبية إلى المجتمعين العربي والدولي بمعنى أن لبنان الذي يريد الجميع دعمه وإنهاضه ليس مؤهلاً لتلقي مثل هذا الدعم.
لكن أكثر ما استوقفني عشية هذه القمة، الضجة اللبنانية المفتعلة والقرقعة التي تصم الآذان وتحول الأنظار باتجاه سجالات ومعارك وهمية، وليت كل هذه السجالات والنقاشات و”البطولات الدنكيشوتية” كانت تتمحور حول مضمون القمة وبرنامجها وما يمكن أن تخرج به من نتائج ومقررات لمصلحة لبنان، ولكن للأسف تتوزع هذه السجالات والمواقف بين من هو داعم لدعوة سوريا الى القمة، وبين من يعترض على هذه الدعوة…
وكأن مسألة دعوة سوريا إلى القمة العربية هي مسألة لبنانية داخلية، لهؤلاء المزايدين ومن الطرفين أقول إن لبنان لا علاقة له بالدعوة وليست من اختصاصه، والدعوات تأتي من الجامعة العربية ودور لبنان ليس أكثر من “ساعي بريد” وهو ليس إلا بلداً مضيفاً لهذه القمة لا أكثر ولا أقل، وما عليه سوى أن يوفر المناخ الملائم والضيافة الجيدة حتى تكون قمة منتجة ويكون المدعوون في وضع مريح.
أما المزايدات والتجاذبات فليست إلا “معارك صوتية” لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تؤثر على مسار القمة ومجرياتها.
من المؤسف ان البعض في لبنان يعتقدون أنهم محور الأحداث والقمم وانهم من يصنعون ظروفها ويرسمون إطارها ولكنهم في الواقع ليسوا إلا متلقين للنتائج وخاضعين للظروف والمعادلات، وليس لبنان إلا لاعباً صغيراً وهامشياً على المسرح الشرق أوسطي الكبير، وبالكاد هو قادر على تنظيم هذه القمة وتأمين مقوماتها التقنية واللوجستية وسط مشاكل كثيرة وكبيرة تحاصره على المستويات السياسية والاقتصادية وادارة شؤون البلاد.
ألا يشعر المتبارزون في هذه المعركة الوهمية التي تجري تحت عنوان دعوة سوريا وحضورها القمة العربية، بالخجل والحاجة إلى التواضع عندما يرون هذا العجز في إدارة “العواصف” وهذا الانكشاف في وضع البنى التحتية وعندما يرون هذا العجز في حل مسألة الكهرباء والماء والنفايات في لبنان…
ألا يسألون أنفسهم لماذا سوريا التي ضربتها نفس العاصفة، ولا أدري إن كان اسمها هناك “نورما” أيضاً، تعاملت مع العاصفة بكل هدوء واستيعاب وهي الدولة الغارقة في حرب منذ 8 سنوات… ولماذا في هذه الدولة التي مزقتها الحرب ما زالت البنى التحتية والكهرباء والماء متوافرة ومتماسكة في حين أن لبنان الدولة الخارجة من الحرب منذ عقدين تقريباً، لا يملك البنى التحتية والكهرباء والماء ولا يجد حلاً لنفاياته، وهو غير قادر على تأمين ابسط حقوق المواطن، ونراه يغرق في “شبر مياه” في وقت يغرق سياسيوه في سجالات ومعارك لا طائل منها ولا تعكس إلا ميولهم ورغباتهم في افتعال المشاكل واستدراج التدخلات الخارجية والانجرار إلى سياسة المحاور الإقليمية بدل العمل على تحييد لبنان حياداً إيجابياً ليظل هادئاً ومستقراً في هذه الظروف الحساسة التي تعيشها المنطقة والمحيط …
كل هذا السجال الذي دار حول دعوة سوريا أو عدم دعوتها، أو حول عقد القمة أو تأجيلها لا يقدّم ولا يؤخّر وسينطفئ قريباً وسريعاً…
ويبقى أن الأهم هو ما سيكون ما بعد القمة الاقتصادية في بيروت وما بعد تشكيل الحكومة وكيف ستكون العلاقات “اللبنانية السورية” في المرحلة المقبلة وكيف سيقارب لبنان هذا الموضوع المهم والذي يثير حساسية مفرطة بين نسيجه وأحزابه الطائفية بدل التلهي و”التسلي” في موضوع القمة العربية وحضور سوريا او عدمه، وهذا “لا ناقة للبنان فيه ولا جمل”، وعلى القوى والأطراف اللبنانية الانصراف وبجدية إلى وضع أسس وخطوط التعاطي مع “سوريا الدولة” في المرحلة المقبلة آخذين في الاعتبار عاملين أساسيين:
أولاً: عامل المصلحة اللبنانية العليا، وهل لبنان بحاجة إلى التعاون والتنسيق مع سوريا في ملفات عديدة تتعلق مباشرة بمصالحه واستقراره وأمنه واقتصاده ومستقبله؟
وهل لبنان بحاجة الى التعاون والتنسيق مع سوريا في قضية النازحين السوريين التي صارت تمثّل أزمة وجودية ومرشحة لمزيد من التفاقم والخطورة بمرور الوقت، وكذلك في موضوع أمن الحدود الطويلة والمشتركة وفي مكافحة كل أشكال وأنواع الإرهاب والتهريب والجريمة المنظمة، ومسألة التصدير الزراعي والصناعي عبر سوريا إلى الدول العربية؟
ثانياً: عامل التغيير والتحول في الموقف العربي العام حيال سوريا في ضوء حركة الانفتاح عليها حتى من الدول الخليجية وإعادة العلاقات الديبلوماسية معها.
وفي ظل هذا المناخ المتطور هل يجوز للبنان أن يكون متأخراً أو متخلفاً عن اللحاق بالموقف العربي الجديد؟ ام يجب عليه أن يكون السباق، في استشراف المرحلة وأخذ المبادرة والتقدم إلى الصفوف الأمامية ليكون أول الواصلين؟
في الختام يبقى السؤال الاهم هل باستطاعة لبنان حل مسألة النازحين التي تشكل اكبر خطراً وجودياً على لبنان والنهوض اقتصادياً من دون ان يقيم علاقة جيدة وندية مع سوريا؟ انها مواضيع اساسية ومهمة يجب الاتفاق عليها بعدما خرجت سوريا من لبنان واضعين مصلحة لبنان وشعبه نصب اعيننا ومسقطين الاعتبارات والشكليات والعقد.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى