«الشيوعي» لم يعد وحيداً: إلى الشارع لتغيير السياسات الاقتصادية

«الشيوعي» لم يعد وحيداً: إلى الشارع لتغيير السياسات الاقتصادية
«الشيوعي» لم يعد وحيداً: إلى الشارع لتغيير السياسات الاقتصادية

ليا قزي – الأخبار

تظاهرة 16 كانون الأول الماضي، التي دعا إليها الحزب الشيوعي اللبناني وشاركت فيها قوى حزبية ومدنية ونقابية وثقافية متنوعة، شكّلت المدماك الرئيسي في خطة المواجهة المتصاعدة ضدّ سياسة الانهيار. وقد أعلن، حينها، الأمين العام لـ«الشيوعي» حنٌا غريب، عن تحركات مناطقية، تُضاف إلى التظاهرة المركزية، من أجل «خلق كتلة شعبية ديموقراطية منظمة، وذات قيادة وبرنامج لتغيير موازين القوى». يوم غد، في 13 الشهر الجاري، ستكون عكار وطرابلس وجونية وعاليه والشوف وصيدا والنبطية وزحلة وبعلبك، هي الحدث. و«إلى الشارع»، سيتداعىيجدر بنا النظر بجدّية إلى مبادرة الحزب الشيوعي اللبناني والتنظيم الشعبي الناصري والقوى والمجموعات السياسية والمدنية المشاركة معهما في تنظيم التحرّك في الشارع، وممارسة الضغط على السلطة من اجل فرض التغيير على جدول الاعمال في مواجهة الاوضاع القائمة والمخاطر التي تهدد فئات اجتماعية واسعة. ومهما كانت المآخذ على هذه المبادرة، فهي تنبع من الحاجة إلى تعزيز منطق الاعتراض والرفض الحقيقي لكل سياسات الدولة. ويستحق العاملون على انجاح المبادرة وتوسيع دائرتها وقواعدها الاجتماعية، المساعدة في تحويل مبادرتهم الى حركة قادرة على فرض اولويات مختلفة على من بيده القرار.

إذا كانت التصورات ستظل متعددة حول الوسيلة الأنجع لإقناع أهل السلطة بالتنحي، وافساح المجال أمام قوى وأفكار وآليات جديدة، تساهم في اعادة بناء الدولة والاقتصاد، وترعى عقداً اجتماعياً جديداً يقوم على مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية والمصالح العامّة والوطنية، فإن تجاهل التحركات الجارية في سياق المبادرة المذكورة، فيه الكثير من الإجحاف. ومثل هذا التجاهل سيكون متعارضاً مع النزعة النقدية الضرورية، سواء من قبل الذين يعتبرون أن كل احتجاج محكوم بالفشل في ظل الانقسامات الطائفية، أو من الذين لا يرون سبيلاً إلى التغيير إلا بالعنف المنظّم لانهاء عهد السلالات المتناسلة بقوة الاكراه، ونهب المال من جيوب الناس.

يعتقد المحتجون في الشارع أن أسلوبهم ملائم للانطلاق في عملية التغيير، وهدفهم الفعلي (الواقعي ضمناً) هو ارغام السلطة على تغيير سياساتها التي تودي بنا الى الهلاك. ولكن المواكبة الداعمة لا تمنع النقاش حول آليات العمل وشعارات التحرك وأدوات التنفيذ.
وفي هذا السياق، يجب أن نتذكّر دائماً أننا في مواجهة طبقة حاكمة سبق لها أن حصلت قبل شهور قليلة فقط، على تفويض جديد في الانتخابات النيابية، من قبل غالبية كبيرة جداً من اللبنانيين الذين شاركوا في الاقتراع. وبمعزل عن أسباب التصويت، والشعارات التي استقطبت الناخبين باسم الطائفة والمذهب والعصبية والزعامة، فإن هذه الطبقة نجحت في اعادة انتاج نفسها. وحتى التغييرات التي طرأت على مستوى بعض الوجوه، لا تعكس تغييراً جوهرياً، بقدر ما تعكس حاجة أهل الحكم إلى تغييرات في الشكل تحاكي بعض تطلبات الجمهور.
هذا يعني أن الحركة المنظمة في مواجهة هذه الطبقة، تظل قاصرة شعبياً عن تحقيق توازن ضروري لإرغام أهل الحكم على التفكير بطريقة مختلفة. ولكي يتحقق هذا التوازن، يُفترض بالمحتجين ابتداع الوسائل والخطابات والشعارات والشخصيات والأطر المناسبة لهزّ القواعد الاجتماعية للطبقة الحاكمة واختراقها. وهذا بالضبط ما يفرض التعامل بواقعية مع مهمة مركزية قوامها اقناع فئات اجتماعية ومهنية مختلفة بجدوى المشاركة في الحركة الاحتجاجية. وبالتالي جذب قواعد اجتماعية تمثل أطراف العقد الاجتماعي المطلوب الذي يعيد الاعتبار إلى الدولة والقانون وحقوق الناس على اختلافها.
إذا سرنا في هذا الاتجاه من التفكير، فهذا يعني أن على أصحاب المبادرة أن يدركوا أنهم لا يمثلون إلا جزءاً يسيراً من هذا التشكيل الاجتماعي الكبير، وبالتالي عليهم ان يسعوا إلى بناء مراكز قوة مؤثرة في السياسة والادارة والاقتصاد. من دون ذلك، لن يكونوا قادرين على تهديد مصالح المتحكمين بالبلاد. وبالتالي، فإن المهمة الأساسية أمام من يقود التحرك ومن يشارك فيه، إيجاد أشكال من الحوار الحقيقي مع القواعد المشكّلة لعناصر اقتصاد الدولة واجتماعها. وبشكل أوضح، لن يزيد تأثير المحتجين، إذا لم يقنعوا فئات واسعة بوجود مصلحة لها في الإنخراط بحركة الإحتجاج والضغط، كالأطباء مثلاً والمهندسين والمحامين والعاملين في قطاعات المال والمصارف والاتصالات والصناعة على ضعفها. وكذلك العاملون في القطاع العام، الذين يشكلون القاعدة الاجتماعية الأكبر في لبنان، من حيث كونهم يعملون جميعاً عند رب عمل واحد هو الدولة، وباعتبار انهم اليوم عرضة لمخاطر الصرف من العمل، وتخفيض الأجور ومعاشات التقاعد بحجة إنقاذ المالية العامة للدولة.
وحده هذا التحوّل يجعل الأسلوب والهدف المطروحين مجديين. مجرد إقرار القائمين على التحرك بضرورة وأهمية الحوار مع هذه الكتل الاجتماعية المنتجة، هو مدخل لتوسيع قاعدة التحرك. لكن، لن يكون الأمر سهلاً من دون إعداد خطة عمل واضحة وسهلة، تشكل الإطار المشترك بين الجميع، ولا تحتوي على أي مخزون من الخطاب القائم على أسس طائفية أو مذهبية أو مناطقية. ولا يمكن أن يكون الإطار محصوراً في التطلعات الضيّقة. إن الحوار يستوجب الإقرار مسبقاً بأن التجربة والتحرك والمثابرة والتقويم الدائم، هي التي تقود إلى أرضية مشتركة فيها الخطاب، وفيها المطالب، وفيها خطة العمل، وفيها البديل. وإلا، سينتهي الامر بهذا التحرك، إلى ما انتهى إليه غيره من التحركات، أي مجرد صرخة تحبط الناس، أكثر مما تزعج السلطان وحرسه.
إن المأساة التي يعيشها لبنان اليوم، لا تترك أحداً من شرّها. حتى القتلة والسارقون بدأوا يشعرون بالضيق. وهم على معرفة تامة، وقناعة، بأن عليهم التنازل، لكنهم لن يفعلوا ذلك طواعية ولا بسهولة. بل سيفعلون ذلك إن شعروا بأن الشارع لن يتركهم يفلتون هذه المرة. وهي المهمة الأكثر صعوبة على يمتلك مشروعاً طموحاً هو الدعوة إلى حركة احتجاج واسعة، لا تقف عند خاطر طائفة أو منطقة أو حزب أو زعامة، بل تعرف أنها قد تضطر إلى الإصطدام بهؤلاء في لحظة ما…
أن نكون إلى جانب التحرك، وأن ندعمه بكل ما نملك من جهد، يعني بالضرورة ألا نتوهم، وألا نتوقع ما يفوق طاقة المحتجين. المواطنون المُتضرّرون من النموذج الاقتصادي المُعتمد، والذين بدأ يتشكّل لديهم وعي طبقي، وفهم لمكمن الخطر الحقيقي، بأنّ السلطتين المالية (المصارف) والسياسية (مجلس الوزراء) ترفضان أي إجراءات تصحيحية إذا كانت ستأتي على حساب مراكمتهما الأرباح المُكتسبة من المال العام. وتُصرّان على استهداف مصالح الأسر والقطاع العام، وتحميلهما فقط نتائج أي تصحيح يمنع الانهيار.
خوف الناس على تعويضات نهاية الخدمة، وزيادة الضرائب على القيمة المُضافة، وانخفاض القدرة الشرائية، وتحمّل الجزء الأكبر من مديونية الدولة، وانهيار القطاعات الخدماتية الأساسية… أدّت إلى إيجاد نقطة التقاء بين عدد كبير من القوى السياسية والمدنية، التي كانت في موقعين ــــ اقتصادي وسياسي ــــ مختلف، ولكن تمكنت من التوحّد حول الهدف الأكبر: تغيير السياسات الاقتصادية ــــ الاجتماعية. حصل الالتقاء بعد تظاهرة 16 كانون الأول، ودعوة غريب «الأحزاب والحركات العقائدية غير الطائفية» إلى المشاركة في حوار للتحالف مرحلياً حول ما يجمعهم، مع وضع المسائل الخلافية جانباً. أهمية الاعتصامات المناطقية غداً، أنّها غير محصورة بالحزب الشيوعي والتنظيم الشعبي الناصري وحلفائهما والمؤيدين لهم، بل تشمل مروحة واسعة. إضافةً إلى أنّها جزء من برنامج تصاعدي واضح، بعناوين مُحدّدة ومُتفق عليها، وليست مُجرّد تحرّك عبثي وعشوائي. وتفعيل الحركة المناطقية يعكس صورة أنّ الوضع الاقتصادي السلبي ونقمة الشعب، غير محصورة بالعاصمة، والكلّ شريك بمواجهتها. في هذا الإطار، تقول عضو اللجنة المركزية في «الشيوعي» جنى نخّال إنّ قيادة الحزب أطلقت دعوة عامة، للقوى اليسارية والسياسية والمدنية والشخصيات المستقلة للمشاركة، «والنقاشات حالياً أشمل من قبل، ومُتفقون على تغيير السياسات الحالية، ولدينا أهداف قصيرة المدى وبعيدة، موجودة في البيان الوزاري البديل الذي قدّمه الحزب الشيوعي في الـ 2017».
التحضيرات لاعتصامات الغد مُستمرة، من خلال اللقاءات والدعوات التي تقوم بها شخصيات ومجموعات محلية. يقول أحد المُنظمين للاعتصامات إنّ «عنوان الدعوة غير محصور بالشيوعي. نريدها أن تكون حالة أوسع، وتُشكّل زخماً للتظاهرة المركزية في 20 كانون الثاني، لذلك تدعو إليها كلّ القوى السياسية والمدنية والنقابية والطلابية المستقلة والمعنية». إلا أنّ ذلك لا يعني تشتّت الشعارات، «نُحاول أن نضع مضموناً واضحاً، يدور حول مواجهة السياسات الاقتصادية، والتمهيد لمواجهة الاستحقاق الحقيقي، حين ينطلق تطبيق مُقررات مؤتمر باريس 4 (سيدر)». يقول رياض، أحد المُنظمين للاعتصام في طرابلس، إنّ «الجميع مُنزعج من السلطة، والوضع في طرابلس يقترب من الانفجار». ما يعني أنّ الناس «ليست بحاجة إلى من يدفعها حتّى تنزل إلى الشارع». مع ذلك، يقوم الشباب بزيارات الأحياء وتوزيع المناشير، تماماً كما يحصل في بقية الأقضية. وفي الإطار نفسه، يقول محمد هازر، من بلدة أنصار الجنوبية، إنّه في العادة ينزل من النبطية بين الـ 4 و5 باصات إلى التظاهرات التي يُنظّمها «الشيوعي». خلال تظاهرة 16 كانون الأول، «ارتفع الرقم، وكان هناك مُشاركون غير حزبيين ولا يدورون في فلكنا. العالم قرفانة، ولا سيّما بعد العاصفة وما نجم عنها من خراب». يجري التعويل على الأزمة التي بدأ الناس التعبير عنها، من أجل إنجاح الاعتصامات المناطقية، «ولكن يجب أيضاً أن نعمل على خطابنا».

سيتم الإعلان الخميس المقبل، عن «الحركة الطلابية الوطنية»

«الخطاب» كان موضوع بحثٍ خلال الفترة الأخيرة، داخل «الشيوعي». تُخبر جنى نخّال أنّ الحزب «غيّر في طريقة تقديم الخطاب إلى الناس، عبر التقرّب منها، ليُحفزها على النزول إلى الشارع والمطالبة بحقوقها». وجد «الشيوعي» أنّه يجب «الخروج من عزلتنا ونناقش الرأي العام. نحن بحاجةٍ إلى أن ننتمي إلى البيئات التي نُمثلها لأنّنا حزب مُتجذر بين الناس». لذلك، أعاد المسؤولون في الوتوات «صياغة الخطاب، بعد فهم مصالح الناس وربطها بعضها ببعض بطريقة اقتصادية»
بالنسبة إلى عضو اللجنة المركزية، «تجربة الأمين العام حنا غريب النقابية ساعدتنا في ذلك. ومنذ انعقاد المؤتمر الحزبي قبل ثلاث سنوات، ونحن في ورشة داخلية وخارجية من أجل إعادة بناء الحزب. ما نقوم به، مع التظاهرات، عمل تراكمي لنصل إلى التغيير».
يتطلب التغيير مُشاركة شريحة كبيرة من الرأي العام، والقوى المدنية والسياسية. «تنظيم حراك، أصعب من عقد تحالف انتخابي بين حزبين»، يقول أحد المُنظمين لتظاهرة الغد. ولكن، هناك رهان على أنّ الأمر هذه المرّة أفضل من التجارب السابقة، لأنّنا نجمع قوى من خلفيات مختلفة، بقيادة وعناوين واضحة، وليس حصر الحراك بشخصيات أو تركه عرضة للفوضى». التنسيق بين القوى لن يكون محصوراً باعتصامات الأحد، بل يجري العمل لتشكيل جبهة وطنية. أحد أشكال هذه الجبهة، سيُعلن عنه الخميس المقبل، وهو «الحركة الطلابية الوطنية».

أماكن التحرك غداً
الدعوة إلى اعتصام «إلى الشارع»، ظهر الغد، شملت مناطق عدّة:
– صيدا: من أمام فرع مصرف لبنان حتى ساحة النجمة،
– زحلة: أمام السرايا الحكومية،
– عاليه: من أمام السرايا الحكومية، حتى فرع مصرف لبنان،
– جونيه – الذوق: أمام معمل الذوق الحراري،
– النبطية: من أمام ثانوية حسن كامل الصباح القديمة حتى السرايا الحكومية،
– عكار: ساحة حلبا،
– اللبوة – بعلبك: أمام مبنى مؤسسة الكهرباء،
– الشوف: مُثلّث بلدات مزبود – شحيم – دلهون أمام مركز شركة الكهرباء (الساعة العاشرة والنصف صباحاً)،
– طرابلس: أمام مبنى الضمان الاجتماعي القديم، بولفار طرابلس، بداية شارع عزمي.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى