هديل فرفور – الأخبار
إعادة الحياة الى النقابات والعمل النقابي هي أبرز خلاصات الحكم القضائي الذي صدر في قضية مصروفي عمال «سبينيس» العالقة منذ ست سنوات. القرار ـــ السابقة الذي أدان الشركة وقضى بحبس مديرها التنفيذي وألزمهما بدفع تعويضات، ليس انتصاراً للحريات النقابية فحسب، بل يُشكّل مناسبةً لإعادة إنتاج حركات نقابية فعلية في لبنان، ولإعادة التوازن بين العمّال وأصحاب العمل بعدما اختلّ لمصلحة الأخيرين بفعل الأزمة الاقتصادية
في سابقة قضائية تجعل أصحاب العمل عرضة لملاحقة جزائية في حال منعهم العمال من ممارسة أي من حقوقهم الأساسية (ومن بينها الحرية النقابية)، أصدرت القاضية المنفردة الجزائية في بيروت رلى صفير، في 20 من الشهر الماضي، قراراً قضى بإدانة شركة «غراي ماكنزي رايتل» (المالكة لسلسلة «سبينيس») ومديرها التنفيذي البريطاني مايكل رايت، استناداً الى المادة 329 من قانون العقوبات التي تعاقب بالحبس من شهر إلى سنة كل فعل «من شأنه أن يعوّق اللبناني عن ممارسة حقوقه المدنية بالتهديد والشدّة أو بأي وسيلة أخرى من وسائل الإكراه المادي أو المعنوي»
وكان ثلاثة عمال مصروفين من الشركة، هم: ميلاد بركات، إيلي أبي حنا وسمير طوق، قد رفعوا قبل ست سنوات دعوى جزائية ضدّ الشركة ومديرها التنفيذي «لاشتراكهما في منعهم من ممارسة حريتهم النقابية»، وفق ما ورد في نص الدعوى. الثلاثة أسسوا عام 2012، مع عشرات العمال في مختلف فروع الشركة، نقابة للمطالبة بحقوق العمال، وخصوصاً حقهم في تطبيق مرسوم زيادة الأجور آنذاك (راجع ست سنوات على قضية عمال «سبينيس»: هل يُنصف القضاء العمل النقابي؟). وقد مارست الشركة يومها ضغوطاً كبيرة على العمال لوقف نشاطهم النقابي، وصرفت جميع القيادات النقابية من العمل.
قرار القاضية صفير نصّ على حبس رايت لمدة شهر «على أن يوقف تنفيذ العقوبة المقضي بها بحقه في حال تسديده نصف قيمة المبالغ المحكوم بها لمصلحة المدعين الشخصيين خلال مهلة شهرين (…)». كما غرّمت الشركة خمسة ملايين ليرة «على أن يوقف تنفيذ العقوبة المقضي بها بحقها في حال قيامها بتسديد نصف قيمة المبالغ المحكوم بها لمصلحة المدعين الشخصيين (…)». وألزم القرار كلاً من رايت والشركة بدفع 40 مليون ليرة على سبيل التعويض لكل من المدعين، «بالتكافل والتضامن في ما بينهما، وعلى أساس التساوي في الحصص».
المحامي نزار صاغية لفت إلى أنها المرة الأولى التي تُطبّق فيها المادة 329 في القضايا العمالية، مشيراً إلى أن لهذا الحكم أهمية فائقة. وفي مؤتمر صحافي لـ«المُفكرة القانونية» و«حركة مواطنون ومواطنات في دولة»، أمس، أوضح صاغية أنّ الدعوى «ليست دعوى عمالية عادية يطالب فيها أجير بتعويضات على خلفية الاعتداء على حقوقه، بل دعوى جزائية سعى الأجير من خلالها إلى تحريك الحق العام في مواجهة صاحب العمل، لأنّ الانتهاك الذي تعرّض له لا يشكل اعتداء عليه ينتهي بتعويضات وحسب، بل اعتداء على المجتمع برمته يجدر أن ينتهي بعقوبة جزائية».
وأشار صاغية إلى أن هذا الحكم يجعل مخالفات أصحاب العمل عرضة لملاحقة جزائية كلما مُنع العمال من ممارسة حق مدني أساسي (الحرية النقابية أحدها، لكنها ليست الوحيدة). كما أن له «أهمية مضاعفة في الزمن الحاضر: ففيما يزيد بفعل الأزمة الاقتصادية اللاتوازن الواقعي بين أصحاب العمل والعمال، يصبح من الملحّ أن يتدخل القانون والقضاء لإعادة بعض التوازن الى هذه العلاقات».
وزير العمل السابق شربل نحاس اعتبر أن الحكم يُشكّل مناسبة «لإعادة إنتاج حركات نقابية فعلية تكون طرفاً قوياً في ظل الأزمة الاقتصادية التي تطاول تداعياتها العمال وحقوقهم». وشدّد على ضرورة البناء على الحكم «لتقوية النقابات وتمكينها من لعب دور المفاوض عندما يتم توزيع خسائر الأزمة»، مُصوّباً على أداء ممثلي العمال من اتحادات ونقابات وتهميشهم أهمية أخذ المبادرة في ظل الظروف الراهنة.
صاغية أمل أن تأخذ محاكم المطبوعات الوقائع الجديدة في الاعتبار «ورد دعاوى القدح والذم التي قدمت ضد الذين دافعوا عن العمال والأجراء»، في إشارة الى دعاوى القدح والذم التي رفعها رايت ضد نحاس والزميل محمد زبيب اللذين صدرت في حقهما قرارات قضائية عن محكمة المطبوعات قضت بإدانتهما، ولا يزال البت النهائي فيها عالقاً أمام محكمة التمييز.
للمرة الأولى تُطبّق المادة 329 في القضايا العمالية بما يجعل مخالفات أصحاب العمل عرضة لملاحقة جزائية
العامل المصروف سمير طوق أهدى الحكم الى جميع العاملين والعاملات في لبنان، إذ إنه «سابقة على العمال البناء عليها لأن قبل الحكم ليس كما بعده».
المؤتمرون انتقدوا غياب وسائل الإعلام وتجاهلها تغطية قضية حقوقية بهذا الحجم، مُشيرين الى حجم الضغوط التي مارسها رايت منذ بدء الدعوى بفعل علاقاته ببعض المسؤولين السياسيين وبحجم الأموال التي دفعها «والتي من الأرجح أنها أكثر بكثير من تلك التي كان يمكن أن يصرفها لو طبّق مرسوم الأجور»، بحسب نحّاس. الوزير السابق سأل ما إذا كان الأمن العام سيُبقي على إقامة رايت في لبنان، رغم إدانته جزائياً، كما سأل عن دور وزارة العمل في هذه القضية وموقفها بعد القرار.
الجدير ذكره أن الشركة استأنفت الحكم، ما يعني أن «المواجهة لم تنته بعد» على حدّ تعبير صاغية. وفي معزل عن نتيجة الاستئناف، إلا أن المدعين يراهنون على قوة حكم القاضية صفير في فرض مناخ في القضاء يراعي الحريات النقابية ويحمي حقوق العمال.
تجدر الإشارة إلى أن ملكية «سبينيس» انتقلت منذ نحو سنة من شركة «أبراج كابيتال» إلى عدد من المستثمرين اللبنانيين، أبرزهم رجل الأعمال حسان عز الدين، بموجب صفقة بلغت قيمتها نحو 61 مليون دولار، وتضمّنت بقاء رايت مديراً تنفيذياً للمجموعة.