جاسم عجاقة – الجمهورية
الحديث عن قرب موعد تشكيل الحكومة وتصريح رئيس الجمهورية عن أنّ أوّلية النهوض الإقتصادي لهذه الحكومة، تطرح السؤال عن الإجراءات التي ستقوم بها الحكومة العتيدة لدرء المخاطر التي تحفّ بالمالية العامّة في ظلّ إنقسام سياسي حاد؟
يزداد الحديث عن تشكيل الحكومة قبل القمّة الإقتصادية العربية المُزمع عقدها في 20 كانون الثاني 2019 في بيروت. وإذا كانت التنبّؤات بولادة الحكومة سابقاً قد فشلت، إلّا أنّ مصداقية الطبقة السياسية كلها على المحك أمام هذا الإستحقاق – أي إستضافة القمّة الإقتصادية العربية، ما يزيد من إحتمال تشكيل الحكومة قبل هذا الإستحقاق.
للقمّة، في حال حصولها في لبنان، تداعيات إيجابية عدة على رأسها الثقة بالثبات الأمني في لبنان (عنصر أساسي في الثقة التي هي ضرورة للإقتصاد). أضف إلى ذلك العديد من المكاسب التي يُمكن للبنان أن يحصل عليها نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر: الحصول على تعهّدات الدول الخليجية برفع الحظر عن السياح والمُستثمرين الخليجيين الذين ساهموا إلى حدٍّ كبير بالنموّ الإقتصادي في الأعوام 2007 – 2010 (22% هي إنفاق السياح السعوديين من إجمالي إنفاق السياح – 2012)؛ تثبيت موقع لبنان كمنصّة إقليمية للترانزيت إلى العمق العربي وبذلك إسقاط المُخطّط الإسرائيلي بإنشاء سكّة حديدية تربط تل أبيب بالخليج العربي؛ الدفع بإتجاه إقرار إستثمارات في لبنان تخدم مصالح الدول العربية إقتصادياً مثل البنى التحتية ووسائل النقل ولمَ لا الإتفاق على فتح خطوط برّية عدة بين لبنان والعديد من الدوّل العربية الأخرى؛ تثبيت موقع لبنان الإقتصادي إقليمياً…
لكنّ هذه التداعيات لا يُمكن أن ترى النور إلّا بتشكيل حكومة لبنانية، حكومة قادرة على النهوض بالإقتصاد اللبناني كما صرّح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمام وفد جمعية الصناعيين. وهنا نطرح السؤال: ما هي الإجراءات التي يتوجّب أن تقوم بها الحكومة للنهوض بالإقتصاد اللبناني؟
رئيس الجمهورية يُشدّد على خطّة ماكنزي وما لها من دور في تحويل إقتصاد لبنان من إقتصاد شبه ريعي إلى إقتصاد مُنتج، إلّا أنّ الوضع المالي للدوّلة اللبنانية يفرض عدداً من الخطوات لدرء المخاطر التي تعترض مالية الدوّلة اللبنانية. تصريحات وزير الإقتصاد عن الخطوط العريضة التي تحويها خطّة ماكنزي تبدو مُطمئِنة، إلّا أننا لا نعرف حتى الساعة إذا ما كانت في هذه الخطّة إجراءات على الأمد القصير وماهية هذه الإجراءات. والأكيد هو أنه لا يُمكن أن نبدأ بالتخطيط على الأمد البعيد من دون مُعالجة فورية للمالية العامّة على الأمد القصير والمُتوسّط.
مالية الدوّلة اللبنانية تُعاني من إفراط في الإنفاق. هذا الإفراط سببه ثلاثة بنود: التوظيف في القطاع العام وما ينتج عنه من كتلة أجور (زيادة بمعدّل 435 مليون دولار أميركي سنوياً منذ العام 2007)، دعم مؤسسة كهرباء لبنان مقارنة بساعات تغذية لا تتلاءم والكلفة (أكثر من 2 مليار د.أ في العام 2018 مقارنةً بساعات تقنين تفوق الـ 12 ساعة)، وخدمة الدين العام التي زادت بقيمة 800 مليون د.أ هذا العام لتصل إلى مستويات تاريخية.
هذه البنود أثرت على العجز في الموازنة والذي من المُتوقّع أنه فاق الـ 6 مليارات د.أ في العام 2018 متخطّياً بذلك المتوقّع في موازنة العام 2018 بأكثر من 1.2 مليار دولار أميركي! هذا الواقع يفرض على السياسة النقدية ضغوطات كبيرة من ناحية الحفاظ على سعر صرف الليرة ولكن في نفس الوقت تأمين حاجة الدولة من الأموال. وإذا كان بقدرة مصرف لبنان الحفاظ على الليرة وتأمين تمويل الدوّلة، إلّا أنّ الكلفة على المواطن اللبناني نتيجة تمويل الدولة ستكون مُرتفعة جداً لدرجة ستفرض زيادة الضرائب وهذا الأمر لن يمرّ مرور الكرام لدى المواطن اللبناني.
الجدير ذكره أنّ توصيات مؤتمر «سيدر1» هو رفع الضرائب، سحب الدعم عن السلع والخدمات، وخصخصة المرافق العامّة لإعادة التوازن المالي للدوّلة اللبنانية. لكنّ هذه التوصيات لن تكون مُمكنة في الوقت الحالي نظراً إلى تآكل القدرة الشرائية للمواطن اللبناني. لذا نرى أنّ هناك خطوات ضرورية يتوجّب القيام بها (حتى في ظلّ حكومة تصريف الأعمال) لمنع الإنفجار المالي والإجتماعي:
أولاً- فرض رسوم جمركية على كل البضائع المُستوردة نظراً إلى الدور السلبي لحجم الإستيراد اللبناني والذي من المُتوقّع أن يفوق العشرين مليار دولار أميركي نهاية العام 2018. وضريبة بنسبة 10% كفيلة بـ: (1) إدخال ما يقارب 1 إلى 2 مليار دولار أميركي إلى خزينة الدوّلة، (2) تحفيز البضائع والسلع اللبنانية، (3) تحفيز خلق شركات لإنتاج البضائع غير المصنّعة في لبنان، (4) تحفيز سوق العمل وتخفيف البطالة، و(5) تخفيف عجز الميزان التجاري وبالتالي عجز ميزان المدفوعات ومعه تقليل الضغط على الليرة اللبنانية.
ثانياً- وقف التوظيف في القطاع العام وحصره بمجلس الخدمة المدنية على أن لا يتمّ توظيف بديل للمتقاعد إلّا بنسبة 3 إلى 1. هذا الأمر سيوفّر على خزينة الدولة ما يقارب الـ 450 مليون دولار أميركي سنوياً
ثالثاً- وقف نزف قطاع الكهرباء من خلال إشراك القطاع الخاص وذلك عبر تلزيم الإنتاج والتوزيع والجباية في هذا القطاع، فقد أثبتت التجارب أنّ التخبّط السياسي منع ويمنع وسيمنع أيَّ تطوير في هذا القطاع. هذا الأمر كفيل بتوفير ما لا يقلّ عن 1.5 إلى 2 مليار د.أ سنوياً.
رابعاً- بدء التشدّد في جباية الضرائب، الفواتير والرسوم المُستحقّة للدولة اللبنانية. هذا الأمر يحتاج فقط إلى قرار بهدف تخفيض التهرّب الضريبي بنسبة 10 إلى 20% سنوياً ما يؤمّن للدولة اللبنانية مدخولاً بقيمة 400 إلى 800 مليون د.أ سنوياً. الجدير ذكره أنّ التهرّبَ الضريبي يبلغ 7.2% أي ما يوازي 4 مليارات د.أ (مقارنة بـ 2-3% في الولايات المُتحدة الأميركية وبريطانيا).
إنّ هذه الإجراءات هي إجراءات ضرورية ويتوجّب على الحكومة القيام بها قبل تطبيق خطّة ماكنزي بحكم أنّ التدهور في المالية العامّة ستكون له تداعيات كارثية على القدرة الشرائية للمواطن وعلى القدرة الإستثمارية للدولة اللبنانية. من هذا المُنطلق نرى أنّ تفعيل حكومة تصريف الأعمال لأخذ قرارات إقتصادية هو ضرورة إقتصادية ومالية قصوى.