ميسم رزق – الأخبار
«نوَّه رئيس الحكومة بفخامة رئيس الجمهورية الذي اضطُرّ إلى مُغادرة الجلسة طالباً من دولة رئيس مجلس الوزراء ترؤسَ الجلسة». ذُكرت هذه الجملة في بيان ختامي لإحدى جلسات حكومة تصريف الأعمال في أيار الماضي. خطوة الرئيس ميشال عون كانت مدعاة لشكر الرئيس سعد الحريري. وهذا الشكر تحديداً هو ما أغضب الرئيس الأسبق للحكومة، نجيب ميقاتي، معتبراً كلام الحريري «انتقاصاً من منصب رئاسة الحكومة».
هذه السابقة لم تكُن يتيمة. لحِقت بها وقائع أخرى، تسببّت في فتح نقاش كبير حول صلاحيات رئيس الجمهورية، وتضاربها مع صلاحيات الرئاسة الثالثة. فعندما حمَل الحريري مسودة تشكيلة وزارية إلى عون، رفضها الأخير، متحدّثاً عن ملاحظات عليها. حينذاك، سارَع الحريري إلى طلب «العونة». تكفّل الرئيس السابق فؤاد السنيورة بجمع المكونات السياسية السنية خلف موقع رئاسة الحكومة، ومعها دار الفتوى، للوقوف خلف رئيس الحكومة المكلف في «معركة الدفاع عن صلاحيات الرئاسة الثالثة»، و«في مواجهة التفسيرات الدستورية التي تريد الانتقاص من هذه الصلاحية».
منذ ذلك الحين، لم يمارس الرئيس سعد الحريري سوى كل ما من شأنه تعريض صلاحياته الدستورية للانتقاص. يؤكّد أنه صاحب القرار، ومن ثمّ يُلقي بالمهمة على رئيس الجمهورية، لعلّه يكون «أم الصبي». يطلق العنان لفريق من مستشاريه وإعلامييه للدفاع عن حقّه الدستوري في رفض أو قبول ما تطلبه المكونات السياسية من حصص وحقائب، ومن ثمّ يتراجع أمام وزير الخارجية جبران باسيل، قبل أن يترك الدفة للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لتنفيذ آلية مبادرة الرئيس عون الأخيرة. منذ ذلك الوقت يظهر الحريري وكأنه تنحّى عن مهمّة التأليف. يروي أحد العارفين بتفاصيل فشل هذه المبادرة، وما تبعها من «خربطة» للاتفاقات حول توزيع الحقائب كيف ردّ الحريري على رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي سأله عن سبب إعادة تدوير الحقائب، بالقول: «أنا ما دخلني»!
لعلّ هذه الإجابة هي الحقيقة الوحيدة الثابتة في مسار التأليف ككل. يقِف الحريري متفرجاً لا فاعلاً. يتلقّى ولا يُبادر. يظهر وكأنه رئيس مكلّف مع وقف التنفيذ. أمر يدفَع بعض المقربين من الحريري، والمحسوبين على خطّه السياسي للقول في السرّ ما لا يقوله الحريري في العلن «المسألة أصبحت أبعد بكثير من مجرّد توزير سنّي من خارج تيار المستقبل، أو تكريس الثنائية لدى الطائفة السنّية داخل الحكومة». الهدف الأساس «إضعاف رئيس الحكومة، حتى من قبل شركائه في التسوية الرئاسية. وهذا في حدّ ذاته ضرب للأعراف الدستورية وتجاوز واضح لاتفاق الطائف الذي بات كثر يسعون إلى ضربه». ولأجل ذلك، يُلام سعد الحريري من داخل فريقه وتوجّه إليه مئات الانتقادات، لأنه «أصبحَ يتصرّف وكأنه سئم المفاوضات، وقرر ترك الأمور لغيره». في الاتصالات التي كانت جارية «تُرك الحريري وحيداً، تحديداً من باسيل ورئيس الجمهورية اللذين سبق وأن أعلنا موقفهما الرافض لتوزير سنّة الثامن من آذار، قبلَ أن يعودا ويتفهما مطلب حزب الله تمثيل حلفائه السنة». برأيهم «كان على الحريري أمام هذا الأمر الواقع الجديد الاعتكاف، بدلاً من تقديم التنازل مرة جديدة بالتراجع عن موقف كان قد أطلقه برفض توقيع مرسوم حكومة تحوي ممثلاً عن نواب سنّة 8 آذار»، لكن «ما حصل قد حصل».
في المقابل، تحمّل أوساط سياسية الحريري وزر ما وصل إليه «لأنه لم يتصّرف انطلاقاً من كونه رئيساً للحكومة. وإنما كطرف». برأي الأوساط «كان بإمكانه أن يأخذ كل ملف السنّة المستقلين على عاتقه، ويخرج بحلّ يؤكّد فعلاً بأنه بيّ السنة كما قال، بدلاً من التفرّج على مسؤول أمني يدير عملية التفاوض الحكومي». ويعطي هؤلاء مثالاً على ذلك بالإشارة إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي لم يُغلق بابه يوماً «في وجه النواب الذين لم بنتخبوه، كما لم يرفض لقاء وزير الخارجية حتّى بعد وصف الأخير له بالبلطجي»!
خلاصة الأمر أن الدفاع عن صلاحيات رئيس الحكومة، لاستثارة أبناء الطائفة السنية تحت عنوان «حفظ الحقوق التي منحنا إياها الطائف»، ليست سوى شمّاعة يستخدمها الحريري ورؤساء الحكومة السابقين، ثم يتخلون عنها متى رأوا أن المعركة قائمة بين التيار الوطني الحر وقوى 8 آذار. في هذه الحالة، لا شيء يحول دون اكتفاء رئيس الحكومة بالتفرج، و«الدعاء بأن يطول أمد الخلاف»!