صحيفة الجمهورية
قُضي الأمر، واختير جواد عدرا ممثلاً لـ«اللقاء التشاوري» السنّي في الحكومة العتيدة التي بات شبه مؤكّد انّها ستولد بين اليوم (حيث يرغب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون) وعطلة نهاية الإسبوع، وهي حكومة يبدو من طالعها أنها ستكون حكومة اقل من عادية في ظروف استثنائية وخطيرة، يرجح ان تتحول حكومة تصريف اعمال تحت وطأة النزاع المبكر المفتوح على الاستحقاقات وابرزها استحقاق رئاسة الجمهورية الذي لا يستحق الا بعد اربع سنوات، علما ان المطلوب ان تكون حكومة انقاذ فعلية نظرا للمخاطر الكبيرة التي تتهدد البلد سياسياً واقتصادياً ومالياً على كل المستويات. وعلى رغم ادراك كثيرين هذه الحقائق تنصّب المشاورات والاتصالات منذ ايام على وضع اللمسات الاخيرة على توزيعة الحقائب الوزارية، بعدما حُسمت تسمية الغالبية الساحقة من الوزراء ولم يبقَ منها إلاّ ما يتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة، ويُنتظر أن تُحسم بين المعنيين خلال الساعات المقبلة، لأنّ «الأمور ماشية» و«صار الفول موجوداً وكذلك المكيول»، على حدّ قول رئيس مجلس النواب نبيه بري لزواره مساء أمس. فيما أكّد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، في تغريدة على «تويتر»، أنّ «فرنسا تعمل من أجل لبنان مستقر ومستقل»، معلناً أنّه تحدث مع عون والرئيس المكلّف سعد الحريري، مشدداً على «أننا نريد تسمية سريعة لحكومة في بيروت لتعزيز تعاوننا».
توقّعت مصادر متابعة لملف التأليف الحكومي أن ينعقد لقاء في قصر بعبدا اليوم بين رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون ونواب «اللقاء التشاوري السنّي» قد ينضمّ إليه الرئيس المكلّف سعد الحريري، بحيث سيتم خلاله تثبيت التوافق على توزير عدرا، الذي تمّ إثر اجتماع عقد ليل أمس الاول بين الحاج حسين خليل المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله ونواب «اللقاء التشاوري» الذين غاب منهم النائبان قاسم هاشم وفيصل كرامي.
إلاّ انّ المكتب الاعلامي لكرامي علّق في بيان مساء أمس على ما صدر عن مصدر قريب منه، بأنّ «اللقاء التشاوري» تبنّى توزير عدرا ممثلاً عنه، وينتظر تحديد الموعد في قصر بعبدا غداً (اليوم) لاعلان الاتفاق، وقال: «انّ اللقاء التشاوري اختار عدداً من الأسماء من بينها جواد عدرا، واي اسم يختاره فخامة الرئيس صاحب المبادرة من بين هذه الاسماء سيكون ممثلاً للقاء التشاوري حصراً في حكومة الوحدة الوطنية».
وسيعقد «اللقاء التشاوري» اجتماعاً عند الساعة العاشرة قبل ظهر اليوم في دارة الرئيس عمر كرامي في بيروت لاعلان موقف موحد.
إجتماعات وإتصالات
وكانت الاجتماعات قد تكثفت طوال ليل الأربعاء ـ الخميس وامس، لوضع اللمسات الاخيرة على التشكيلة الوزارية وترتيبات ما قبل ولادتها.
ففي قصر بعبدا، تابع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الاتصالات المتعلقة بتشكيل الحكومة الجديدة في ضوء اقتراب موعد ولادتها، وعرض لمسار التشكيل مع الوزير غطاس خوري، الذي لم يحسم بعد أمر توزيره ضمن حصّة رئيس الحكومة بديلاً من الوزير السنّي الذي أعطي لـ«اللقاء التشاوري» من ضمن حصّة رئيس الجمهورية، الذي تخلّى في مقابله للحريري عن وزير ماروني يطمح خوري ان يكون هو.
علماً انّ الحريري لم يحسم بعد من سيوزر من تيار «المستقبل» في طرابلس، في الوقت الذي حسم الرئيس نجيب ميقاتي تسمية عادل أفيوني وزيراً لكتلة «الوسط المستقل» وابلغ هذا الاسم الى المعنيين.
وفيما اطّلع عون من المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم على المراحل التي بلغتها مبادرته، التي انهت العقدة السنّية، حضر الملف الحكومي في «بيت الوسط» بين الحريري والوزير علي حسن خليل، المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري.
وأكّد خليل بعد اللقاء «أنّ الحكومة أقرب من لمح البصر»، لافتاً الى «أنّ البيان الوزاري سيبنى على قواعد بيان الحكومة السابقة، وهناك تفاهم في شأنه، والجديد فيه ما يتعلق بإصلاحات مؤتمر «سيدر».
كذلك حضر الإستحقاق الحكومي في اجتماع الحريري مع الوزير اواديس كيدانيان والامين العام لحزب الطاشناق النائب هاغوب بقرادونيان، الذي زفّ الى الشعب اللبناني «اننا وصلنا الى اللحظات الاخيرة، ولا نعتقد انّه بقي هناك اي تفصيل حتى نتأخّر في استقبال الحكومة الجديدة مع استقبال السنة الجديدة».
وأكّد أنّ الحريري طمأنه الى انّه «سيكون لحزب الطاشناق حقيبة وزارية». ولفت الى أنّ البيان الوزاري «شبه جاهز»، وكشف انّه بعد عيد الميلاد عند الطوائف الارمنية ستُعقد جلسة الثقة بالحكومة الجديدة.
كذلك التقى الحريري النائب وائل ابو فاعور وعرض معه آخر المستجدات السياسية وموضوع تشكيل الحكومة، حيث انّ ابو فاعور والنائب اكرم شهيب سيكونان، على الأرجح، وزيري «الحزب التقدمي الاشتراكي» و«اللقاء الديمقراطي» في الحكومة.
وقال الحريري خلال رعايته افتتاح فندق «هيلتون» في وسط بيروت مساء أمس، انّ «التحدّيات أمامنا كثيرة جداً، وكذلك الصعوبات، لكن هذا لا يعني أنّه ليست لدينا حلول. يجب علينا أن نعمل بشكل غير عادي في الحكومة الجديدة، وأن نتخذ قرارات تكون في مصلحة كل البلد واللبنانيين، وعلينا أن نوقف الفساد والهدر الحاصلين».
واشار الى أنّ «هناك قرارات كبرى علينا أن نتخذها بعد تشكيل الحكومة. وأنا إيماني كبير بهذا البلد وبمحبة الناس الذين تعبوا لكي ينهض هذا الوطن».
بري والفول والمكيول
في غضون ذلك، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري امام زواره مساء أمس، رداً على سؤال عن موضوع تأليف الحكومة: «صار الفول موجوداً وكذلك المكيول».
وسُئل: ومتى ستُؤلّف؟ فأجاب: «لا تسألوني، الأمور ماشية».
وهل سمّيت وزراء حركة «امل»؟ فأجاب: «حتى الآن لم اقدّم اسماء الوزراء، باستثناء الوزير علي حسن خليل (اشارة الى انّ الحريري سأل خليل عمّا اذا كان بري قد سمّى وزراءه، فأجاب خليل: حتى الآن انا لم يُبلغني انا شخصياً)».
وقيل لبري: لماذا لم تقدّم اسماء وزراء حركة «أمل»؟ فأجاب: «أنا أبقى الى الآخر حتى يطمئن قلبي».
وعن المطلوب من الحكومة العتيدة قال بري: «هناك مهمات كبيرة وكما قلت، الاساس هو ليس حكومة ائتلافية، بل الاساس هو التآلف، وعندما يتحقق هذا الامر تسهل كل الامور امامها. لا تستطيع الحكومة ان تتأخّر في العمل، هناك تحدّيات كبرى تنتظرها، وتستطيع بتآلفها ان تقود البلد نحو الانتعاش الاقتصادي، فضلاً عن انّها امام ضرورات تحتّم عليها اتخاذ قرارات قد تكون غير شعبية على مختلف الصعد، التي تؤثر على خزينة الدولة وحماية مواردها، ومن جهتنا سنشكل رافداً لها».
ورداً على سؤال عمّا اذا كان هناك رابح وخاسر في تأليف الحكومة، قال بري: «لا يوجد رابح وخاسر في هذه المسألة. الرابح الأوحد يُفترض ان يكون لبنان. وبالتالي الجميع ربحوا».
وعمّا اذا كان الوزير الذي سمّاه «اللقاء التشاوري» (جواد عدرا) سيمثل 8 آذار في الحكومة، قال بري: «أنا لديّ رأيي المعروف في ما خصّ 14 آذار و8 آذار، هل ما زالتا موجودتين؟».
واكّد بري انّه لا يرى سبباً لكي يتأخّر إعداد البيان الوزاري بعد تشكيل الحكومة «اذ لا توجد أي نقاط خلافية».
واذ اوحى بري، انّ التوجّه الى تضمين البيان بنوداً لها علاقة بمهمات الحكومة والمطلوب منها حول مؤتمر «سيدر» وغيره، اشار الى «انّ البند المتعلق بالمقاومة قد يُستنسخ من البيانات السابقة».
وقدّر بري عالياً الموقف الكويتي في مجلس الامن،»الذي عبّر عن موقفنا لجهة تأكيد حق لبنان في المقاومة». وقال: «ليت اللبنانيين يتمثلون بموقف الكويت ويتقيّدون به».
وعمّا اذا كان البيان الوزاري سيلحظ بند العلاقات مع سوريا، قال بري: «اذا كان هناك موجب لذلك فأنا لا أرى ما يمنع. خصوصاً وان ملف النازحين يضغط علينا بكل ثقله». واضاف: «موقفي من سوريا معلوم، انا مع العلاقات الكاملة، ومن لا تعجبه العلاقات فليطالب بقطعها ويسحب السفير ويوقف التنسيق، الذي يُفترض ان يحصل في كل المجالات. ومن لا يريد العلاقات فليدخل في نفق».
وتوقف بري عند جلسة مجلس الامن الدولي الذي انعقد بناء لدعوة اسرائيل حول الأنفاق على الحدود الجنوبية، فلاحظ «انّ اسرائيل فشلت في تحقيق هدفها، وتجلّى ذلك بعدم استجابة مجلس الامن لها، وكذلك الحضور الاميركي المتواضع فيه».
مواقف
وعبّر «حزب الله» عن ارتياحه الى مسار تشكيل الحكومة في الأيام الأخيرة. واعتبر نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، أن مبادرة رئيس الجمهورية «قد فتحت مساراً للحل والمعالجة، حيث يمكن إطلاق وصف حكومة الوحدة الوطنية عندما يتم الاعتراف بـ«اللقاء التشاوري». وكل المجريات في الأيام الأخيرة تبيّن أنّ هذا الاعتراف حصل، وأنّ المطلوب استكمال بعض التفاصيل، ليكون تمثيل «اللقاء التشاوري» باختيار من يختارونه جزءاً لا يتجزأ من حكومة الوحدة الوطنية».
الوفاء للمقاومة
من جهتها، اكّدت كتلة «الوفاء للمقاومة» انّ «التسوية السياسية حاكتها اتصالات جادة رعاها رئيس الجمهورية، وأسفرت عن فتح الابواب الموصدة، فانتعشت آمال اللبنانيين بقرب إنجاز حكومة الوفاق الوطني، التي يشارك فيها كل من له الحق في التمثيل، بمن فيهم النواب السّنة المستقلون، الذين نجحوا في تحقيق مطلبهم وانتزاع اقرار بحقهم، في حجز مقعد وزاري لهم وباسمهم.
وقالت: «على وقع الخطوات المتتابعة يُنتظر ان تصدر المراسيم قريباً وتتهيأ الحكومة الجديدة لاطلاق ورشة صياغة بيانها الوزاري ونيل ثقة المجلس النيابي على اساسه في أسرع وقت ممكن».
الجنوب والأنفاق
جنوباً، بدأت إسرائيل بإغلاق أنفاق «حزب الله»، وتحدثت عن جولة على حدودها الشمالية لأعضاء البعثة الروسية، التي انتدبها الكرملين، من أجل الاطلاع على الموضوع عن كثب.
وقال الناطق الإعلامي باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، إنّ «مرحلة إحباط وتدمير أنفاق «حزب الله» الهجومية التي تخترق الحدود والتي إكتشفتها قوات جيش الدفاع، قد بدأت».
وأضاف: «مرحلة إحباط أنفاق «حزب الله» ستتم من خلال عدة طرق ووسائل، وستخرج الأنفاق عن الخدمة وستمنع «حزب الله» من استخدامها».
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قال في إجتماع الشراكة بين إسرائيل واليونان وقبرص، إنّ «هناك قوى في المنطقة، تبني الأنفاق لأغراض إرهابية. هذه الأنفاق بناها «حزب الله» بمساندة إيران وتمويلها مباشرة. شبكة العدوان التي تنسجها إيران في الشرق الأوسط، تثير رعب أوروبا والعالم كله أيضا».
واكّد نتنياهو «أنّ إسرائيل ستواصل عملياتها ضد أنفاق «حزب الله» الإرهابية، وستواصل القيام بذلك حتى تحقق هدفها». وأضاف: «في هذه اللحظات، نستخدم التدابير لإبطال مفعول هذه الأنفاق. وسنستمر بالعمل في سوريا، لمنع محاولات إيران من التموضع العسكري ضد إسرائيل».
«حزب الله»
في المقابل، قال الشيخ قاسم، انّ إسرائيل «تخترق الأجواء اللبنانية»، مشيراً الى انّ عدد الاختراقات في الأجواء الشهر الماضي بلغ 150 خرقًا، وإذا قسمناها على 30 تكون النتيجة بمعدل 5 خروقات يومياً.
وسأل: «ألا يُعتبر هذا الخرق اعتداءً على لبنان؟ أين مجلس الأمن وأين الدول الكبرى وأين الإنصاف الذي يتحدثون عنه؟».
واكّد انّ «لا حل مع إسرائيل إلاَّ بالمقاومة». وقال: «نحن مقاومة الشعب المصرّ على أن يستعيد حقه بكامله وأن يستعيد أرضه بكاملها، ولن يرد على أي معادلة سياسية لا في المنطقة ولا في العالم، لا تخيفونا بالمجتمع الدولي، ولا تضعوا لنا قواعد كما تريدون، المقاومة تأسست وجاهدت وأنجزت وانتصرت لتستمر بقواعدها لا بقواعد الآخرين».