دافيد عيسى
يهمنا جداً أن تتحرك وزارة الدولة لشؤون مكافحة الفساد التي تنتظرها ملفات ومهمات كثيرة في بلد نخره الفساد من رأسه حتى أخمص قدميه، ولكن نستغرب جداً أن يكون هذا التحرك ضد المؤسسات والشركات والادارات التي تحقق ارباح للدولة اللبنانية وليس ضد شركات وادارات ومؤسسات تحوم حولها روائح الفساد والهدر وتسبب للدولة اللبنانية خسائر بمليارات الدولارات سنوياً بسبب الصفقات والفساد والتوظيف السياسي.
قبل أيام فوجئنا مثل سائر اللبنانيين ببيان صادر عن هذه الوزارة ينطوي على التشكيك بشركة طيران الشرق الأوسط وطريقة ادارتها مفاوضات شراء طائرات ومحركات نفاثة، وما إلى ذلك من امور يكفي طرحها ولو من باب التلميح والتساؤل للإيحاء بوجود شبهات تحوم حول الشركة، بالرغم من ان وزارة شؤون مكافحة الفساد ليست المرجع الصالح لمساءلة ومحاسبة “الميدل ايست” وهي لا تملك اي سلطة مباشرة او غير مباشرة على الشركة كونها شركة خاصة وتخضع لأحكام قانون التجارة اللبنانية.
الجدل اطلقه نقولا التويني وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد في بيروت في وقت كان محمد الحوت رئيس مجلس ادارة “الميل ايست” موجوداً في العاصمة البريطانية يوقع الاتفاقية بحضور رئيس حكومة لبنان سعد الحريري، ووزير خارجية لبنان جبران باسيل، ووزير الدولة البريطاني للتعاون الدولي لشؤون الشرق الاوسط اليستر برت، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس لجنة المال والموازنة في مجلس النواب ابراهيم كنعان وعدد كبير من رجال الاعمال اللبنانيين يتقدمهم رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير، ورئيس المجلس الاقتصادي الاجتماعي شارل عربيد، العقد مع شركة ” رولز رويس”، ويأتي هذا الاتفاق جزءا من تجديد لأسطول “الميدل ايست” من الطائرات عريضة الهيكل، التي تعمل بمحركات ” رولز رويس ترنت 7000 ” الى جانب امكان شراء طائرتين اخريين ومن المتوقع ان تسلم الطائرات الاربع عام 2021…
اذن التوقيع والعمل في لندن، والتنظير والقال والقيل في بيروت، من هنا لم أستطع أن ألج جماح الأسئلة التي تبادرت إلى ذهني وأعتقد أن اغلبية اللبنانيين يشاطرونني الرأي فيها وأختصرها بنقطتين اساسيتين:
1- لماذا لم نرَ مثل هذا الاندفاع باتجاه ملفات وقضايا هي موضع شكوى عارمة من الشعب اللبناني وباتت موطئاً ومعقلاً للفساد، وعلى سبيل المثال لا الحصر ملفات النفايات ونهر الليطاني والماء والكهرباء والجمعيات الوهمية والتوظيف العشوائي والتلزيم بالتراضي والتعيينات الحزبية والفئوية؟
2- لماذا المساس بالشركات والمؤسسات الناجحة والتي تحقق ارباح للدولة بدل احتضانها وتشجيعها ودعوة المؤسسات الاخرى للاقتداء بها؟
وهنا سأتوجه مباشرة الى صديقي وابن منطقتي الاشرفية نقولا التويني لأسأله بكل محبة… ما هي الحكمة من فتح النار في هذا التوقيت باتجاه “الميدل ايست” في زمن نبحث فيه “بالسراج والفتيلة” عن نموذج صالح وعن تجربة ناجحة في مؤسسات وشركات الدولة؟ ما هي الحكمة من فتح النار على شركة انتقلت من الافلاس إلى قمة النجاح؟ من شركة اريد بيعها بالف ليرة لبنانية إلى شركة تدر أرباحاً وصلت إلى مئة مليون دولار سنوياً؟ من شركة اصبحت ذات صيت عالمي مع اسطول جوي من 22 طائرة؟ من شركة تواكب العصر والتطور والحداثة شركة تتقدم وتزدهر رغم ظروف صعبة يعيشه قطاع الطيران في العالم دفع شركات طيران عالمية إلى السقوط والافلاس؟
انا افهم ان الآراء يمكن ان تختلف في شأن شخصية محمد الحوت، عند البعض هو “لطيف وقريب للقلب” وعند البعض الأخر هو “مغرور ومتعجرف”، وعند البعض هو “حبوب وما في مثله” وعند آخرين هو ” سئيل وما بينطاق”… هذه آراء وأذواق ومشاعر تتفاوت وتختلف بين شخص وآخر، ولكن أياً كان الموقف والشعور الشخصي من هذا الرجل، فإن الحقيقة الثابتة التي لا جدال فيها أنه “رجل ناجح ومميز في عمله” وان أفعاله وإنجازاته هي التي تتكلم عنه وتعلن أن خيار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عندما انتدبه لمهمة اصلاح وإنقاذ “الميدل ايست” كان خياراً صائباً ومحقاً وكان رهاناً في محله، كونه نجح في مهمته وانقذ الشركة.
اذن هذا النجاح ما كان ليتحقق لولا جهود مجلس ادارة الشركة برئاسة محمد الحوت الذي قاد بجدارة عملية النهوض بالشركة وتطويرها ورفع مستوى خدماتها لتتحول شركة رائدة وقائدة في مضمار الطيران ومحط انظار واعجاب وتقدير على المستوى العالمي.
من هنا ادعو الصديق نقولا التويني الى التدقيق في معلوماته خصوصاً ان شقيقه ميشال هو عضو مجلس ادارة في شركة الميدل ايست منذ سنوات طويلة وهو من يتولى مهمة التفاوض في عقود الشراء وإبرامها وهو محامي لملفات كثيرة للشركة ويعرف “البير وغطاه” والشاردة والواردة…
في الختام اقول من الطبيعي ان تتقبل الشركة بصدر رحب كل نقد موضوعي وبناء، ولكنها لا يمكن أن تقبل بوضعها في مكان مثير للشبهات والشكوك وأن تصيب صفحتها البيضاء المشرقة المتألقة أي لطخة سوداء ناجمة عن سوء تقدير أو سوء تفاهم…