عماد مرمل – الجمهورية
مع الوصول الى المئة متر الأخيرة الفاصلة عن نهاية السنة الحالية، تبدو الحكومة المفترضة رهينة مؤشرات متباينة، تَنحو تارةً صوب التفاؤل، وتنحدر طوراً في اتجاه التشاؤم، من دون أن يستطيع أحد حتى الآن ترجيح كفّة على أخرى، وسط تفاقم الاهتراء في جسم الدولة وتراجع قدرة الناس على التحمّل.
ولئن كان كل طرف معنيّ بالعقدة الحكومية ينتظر أن يصرخ الآخر أولاً في نزاع «عَض الأصابع»، إلّا أنّ الأكيد انّ المواطن عَلت صرخته تحت وطأة الضغوط الاقتصادية والازمات الاجتماعية، وهو ينتظر أن يتنازَل له المتنازعون على الحصص الوزارية، إذا كان من الصعب عليهم أن يتنازلوا بعضهم لبعض.
والأرجح، انّ القوى المعنية بالأزمة الحكومية لم تعد تملك ترف الاستمرار في المعاندة والتشاطر الى ما لا نهاية، بعدما لامسَت تلك الأزمة الخط الاحمر وصارت عبئاً على أطرافها بمقدار ما غَدت عبئاً على اللبنانيين. وبالتالي، يُفترض، وفق الحسابات النظرية، أن تكون لحظة التسوية قد اقتربت، على قاعدة تَبادل «التضحيات» والانسحاب المتزامِن من مواقع «اللاءات» المعلنة.
وتعتبر شخصية بارزة في 8 آذار أنّ أيّ حل سيكون في نهاية المطاف مُركّباً ومتعدد الطبقات، لكنّ «المصعد» موجود في «بيت الوسط»، وقوامه اعتراف الرئيس المكلف سعد الحريري بداية بالهوية السياسية لـ»اللقاء التشاوري» للنواب السنّة المستقلين، وما يقتضيه ذلك من فتح خطوط التواصل معهم، الأمر الذي من شأنه أن يُسهّل العبور الى المراحل الأخرى من التسوية المفترضة، ومطالبة الآخرين بتسديد مساهماتهم فيها.
وتشير تلك الشخصية الى أنّ المرونة المنتظرة من الحريري هي المدخل الى المعالجة المطلوبة، لأنها ستسهّل على الرئيس ميشال عون تقديم تضحية معيّنة «من كِيسه»، وستشجّع «حزب الله» على محاولة إقناع النواب الستة بإبداء مرونة مماثلة.
وانطلاقاً من هذا السيناريو، تَلفت الشخصية البارزة في 8 آذار الى أنّ أحد الحلول الواقعية للعقدة السنّية يتمثّل في الآلية الآتية:
– يبادر الحريري الى الاعتراف بحق النواب السنّة الستة المستقلين في أن يتمثّلوا بوزير، مع ما يستتبعه ذلك من استقباله لهم.
– يتدخل «حزب الله» لدى «اللقاء التشاوري للنواب السنّة» لمحاولة إقناعه بأن يسمّي شخصية من خارج صفوفه، تتولى تمثيله في الحكومة، على ان تكون مقبولة لدى عون والحريري.
– يتنازل عون عن مقعد من حصته للوزير السني الذي يسمّيه «اللقاء التشاوري».
وتوضح الشخصية إيّاها انّ «حزب الله» قد لا يمانع في اعتماد تسوية من هذا النوع، مع استشعاره بصعوبة إقناع النواب السنّة المستقلين بأن يتخلّوا عن مطلب توزير أحدهم، خصوصاً أنه معروف عنه أنه لا يُلزم حلفاءه بأيّ أمر قَسراً، بل يحترم استقلاليتهم وخصوصيتهم. وهذا ما فعله حين رفض الضغط على عون لدَفعه الى التراجع عن ترشيحه الى رئاسة الجمهورية حين طال أمَد الفراغ، ثم رفض لاحقاً الضغط على سليمان فرنجية لدفعه الى الانسحاب من المعركة الرئاسية في مواجهة عون…
وتُشدّد الشخصية نفسها على انّ «الحزب» مقتنع بحق «اللقاء التشاوري» في نَيل مقعد وزاري، والمطلوب تكريس هذا المبدأ في الحكومة المقبلة، إلّا انه في الوقت ذاته يعلم انّ الحل يتطلب مشاركة الجميع، وأنّ القرار في شأنه لا يملكه طرف واحد، مع الأخذ في الحسبان أنّ «الدفعة الأولى على الحساب» يجب أن يسددها الحريري عبر استقبال النواب السنّة الستة، «وهذا ليس انكساراً له، بل هو في الأساس واجب عليه كرئيس مكلّف».
وتقول الشخصية القيادية في 8 آذار انّ الحريري مَدعو الى أن يساهم في حل العقدة السنية، ويتحمّل مسؤولياته على هذا الصعيد. وقوى 8 آذار، وفي طليعتها «حزب الله»، تريده جديّاً أن يبقى رئيساً لحكومة الوحدة الوطنية لأنّ المرحلة تتطلّب التعاون بين الجميع.
ومن الصعوبات التي تعترض ولادة «الحل الوسط»، تَمسّك النواب الستة حتى الآن باختيار وزير من بينهم، وإن يَكن يوجد في صفوفهم مَن يوحي بالاستعداد لتَرك الباب موارباً أمام الأخذ والرد ربطاً بما سيفعله الحريري، في حين انّ هناك من يرفض كلياً التنازل عن مطلب توزير أحدهم، حتى لو التقاهُم الحريري.