صحيفة الأخبار
كشفت صحيفة «هآرتس» عن صفقة أمنية بين إسرائيل والسعودية، اشترت بموجبها الأخيرة برامج إلكترونية هجومية تمكّنها من استهداف معارضيها. وأوضح التحقيق أن عبد الله المليحي، المقرب من رئيس الاستخبارات السابق تركي الفيصل، ومسؤولاً يدعى ناصر القحطاني قدّم نفسه على أنه نائب رئيس الاستخبارات الحالي، التقيا مع رجال أعمال إسرائيليين في فيينا في حزيران من العام الماضي.
الإسرائيليون الذين حضروا اللقاء كانوا مندوبي شركة NSO المتخصصة في تطوير أدوات تجسس على الهواتف الخلوية، وأبرزها برنامج «بيغاسوس 3»، وهو برنامج تجسس ذكي جداً قادر على اختراق هاتف خلوي من دون أن يشعر «الضحية» بهذا الاختراق أو إرسال رسالة إلى هاتفه. ولفتت «هآرتس» إلى أنه خلال اللقاء طلب الإسرائيليون من القحطاني التوجّه إلى مجمع تجاري قريب وشراء جهاز «آيفون» جديد وإعطاءهم رقمه. بعد ذلك، اخترق الإسرائيليون على الفور الهاتف وسجّلوا، بالصوت والصورة، لقاءهم مع السعوديين.
وأكدت الصحيفة الإسرائيلية أن هذا اللقاء لم يكن الأول بين الجانبين، مشيرة إلى تصريحات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو المتكررة حول العلاقات المتطورة مع دول خليجية. وأوضحت أيضاً أنّ الورقة الإسرائيلية الرابحة في هذا السياق هي بيع قدرات تكنولوجية لهذه الدول، وفق معادلة تقول إن إسرائيل توافق على بيع دول في الخليج تكنولوجيا أمنية في مقابل الانضمام إلى المعركة الاستراتيجية ضد إيران.
وحول مصادر الصحيفة في هذا التحقيق، فقد استندت إلى شكوى مقدمة إلى الشرطة في أعقاب خلاف تجاري يجري التحقيق فيه في هذه الأثناء. بدأت القصة بمحادثة هاتفية بين رجل أعمال أوروبي لديه علاقات في دول الخليج العربي، لم تذكر الصحيفة اسمه، وشخص إسرائيلي، أشارت «هآرتس» إليه بحرف «و»، يعمل في مجال التكنولوجيا الأمنية بواسطة شركات قبرصية. وطلب الإسرائيلي «و» من رجل الأعمال الأوروبي مساعدته في إبرام صفقات مع دول في الخليج إذ تبيّن أن المسؤولَين السعوديين من بين معارفه.
استعرض السعوديون قائمة بـ 23 منظومة إلكترونية أرادوا شراءها
وبعد سلسلة لقاءات، وفي أكثر من مكان، أوردت تفاصيلها الصحيفة، استعرض السعوديون قائمة بـ 23 منظومة إلكترونية هجومية أرادوا شراءها، بهدف التجسس واختراق هواتف محمولة لمعارضي النظام في السعودية وفي أنحاء العالم. ونقلت عن رجل الأعمال الأوروبي قوله إنه في اللقاء الأول سلّم السعوديون المندوبين الإسرائيليين تفاصيل حول حساب في «تويتر» نشر تغريدات ضد النظام، وطلبوا معرفة الشخص أو الجهة التي تقف وراءه. لكن الإسرائيليين رفضوا تسليم معلومات حول ذلك، بحسب الصحيفة. وفي حزيران 2017 عقد لقاء مع مندوبي NSO، وعبّر السعوديون خلاله عن اهتمام بالغ بشراء البرنامج الهجومي.
وأضاف رجل الأعمال الأوروبي إنه في تموز 2017 عُقد لقاء آخر بين الجانبين، ولأول مرة بغيابه، في بيت «و» في قبرص، واقترح على السعوديين بيعهم برنامج «بيغاسوس 3» مقابل 208 ملايين دولار. وفي وقت لاحق، اتصل المليحي بالإسرائيلي «و» ودعاه لزيارة الرياض، كي يعرض البرنامج أمام مسؤولين في العائلة الحاكمة. لكن «شعبة المساعدة الأمنية» الإسرائيلية المسؤولة عن التصدير الأمني، رفضت السماح له بالسفر إلى الرياض. وهو ما دفعه الى استئجار طائرة صغيرة واصطحابه مؤسس NSO، شاليف حوليو، إلى لقاءات في الخليج.
وأضاف رجل الأعمال الأوروبي إنه أبرمت صفقة لبيع «بيغاسوس 3» للسعوديين مقابل 55 مليون دولار، وإنه علم بالصفقة من «شعبة المساعدة الأمنية»، وإنه اتفق مع «و» شفهياً بأن يحصل على 5% من قيمة الصفقة، أي 2.75 مليون دولار. لكن «و» أخذ يتهرب من رجل الأعمال وتوقف عن الرد على اتصالاته الهاتفية، وبعد فترة تلقى رجل الأعمال من محامي «و» رسالة بالبريد الإلكتروني تضمنت عقداً مزوراً مفاده أن الشركة ستدفع له مصاريفه وستدرس إمكانية إعطائه حوافز.
هذه النتيجة دفعت رجل الأعمال إلى تقديم شكوى، بواسطة محامية إسرائيلية، إلى الوحدة القِطرية للتحقيق في قضايا احتيال التابعة للشرطة الإسرائيلية، ثم نقل الشكوى إلى وحدة أخرى متخصصة، وبعدها توجه إليه «مسؤولو الضرائب» الذين يحاولون معرفة ما إذا كان «و» قد تلقى أموالاً، ولم يصرح بها.
لكن بحسب أقوال رجل الأعمال الأوروبي ورسالة رجل أعمال تركي يدعى سام غوكسيل، ضالع أيضاً في الصفقة مع السعوديين، فإن الصفقة بين الشركة الإسرائيلية والسعوديين وُقّعت في صيف عام 2017، وقبل أشهر معدودة من بدء حملة ولي العهد، محمد بن سلمان، باعتقال مئات الأمراء ورجال الأعمال، وقبل احتجاز رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري. وفي الأشهر التالية، بدأ ابن سلمان حملة واسعة ضد معارضي النظام في الخارج، والذي أثار ضجة عالمية في أعقاب مقتل الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول.