صحيفة الجمهورية
على وقع ردّات الفعل على المواقف الأخيرة للأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله، المتمسّكة بتمثيل «سنّة 8 آذار» بوزير في الحكومة، إختلط أمس حابل الجلسة التشريعية بنابل البحث عن حل لهذه العقدة السنّية، إذ تلاحقت المشاورات تحت قبّة البرلمان وخارجه استباقاً للمؤتمر الصحافي الذي سيعقده الرئيس المكلف سعد الحريري في «بيت الوسط» اليوم، في ظل معطيات تشير الى نيّته التصعيد رافضاً بشدة توزير أي سنّي من 8 آذار. فيما تحدث معلومات أن من بين الأفكار المطروحة في إطار مبادرة باسيل أن يسمي عون وبري والنواب الستة وزيراً سنيّاً من خارج هؤلاء ويحتسب ضمن حصة رئيس الجمهورية.
تتجه الأنظار اليوم الى «بيت الوسط» حيث سيُدلي الرئيس المكلف سعد الحريري بدلوه رداً على ما آل إليه واقع الاستحقاق الحكومي، الذي يتعثّر حالياً بعقدة تمثيل «سنّة 8 آذار».
وعشيّة مؤتمره الصحافي كثرت التكهنات، فيما تحدث تلفزيون «المستقبل» عن أنّ الحريري سيقول «الكلمة الفصل»، شارحاً «حقائق الأمور المتعلقة بعملية تشكيل الحكومة».
وتوقعت مصادر مراقبة، عبر «الجمهورية»، أن يكون الحريري جامداً في المواقف التي سيعلنها «بحيث انه يردّ التحدي بلا تَحدّ، وذلك باللجوء الى الدستور والصلاحيات واللعبة الديموقراطية ورفض الهَيمنة على قرار رئاسة الحكومة وعلى الدولة ككل».
وأشارت الى انّ الاتصالات التي جرت مع الحريري، وأبرزها من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس «التيار الوطني الحرّ» الوزير جبران باسيل، ركّزت على ضرورة أن يكون هادئاً في المواقف التي سيعلنها اليوم، فكان جوابه أنه يضع دوماً مصلحة البلد فوق كل اعتبار، و«لكننا لا نستطيع ترك الامور وإعطاء انطباع للمجتمعَين العربي والدولي بأنّ الدولة مُستسلمة لـ«حزب الله» أو لغيره».
وفي المعلومات انّ الحريري سيدعو الجميع الى التعاون معه على تأليف الحكومة، «لأنّ حكومة الوحدة الوطنية الموعودة لا يمكن تأليفها في ظل الأجواء السائدة حالياً». كذلك، سيجدّد رفضه تمثيل «سنّة حزب الله» في الحكومة.
وفي المعلومات أيضاً انّ الحريري سيعكس في مؤتمره الصحافي أجواء ومناخات لقاءاته التي عقدها مع عدد من رؤساء الدول العربية والاجنبية، على هامش مشاركته في مئوية انتهاء الحرب العالمية الاولى التي أقيمت في باريس، وسيؤكد انه لمسَ «استعداداً دولياً لمساعدة لبنان شرط أن يساعد نفسه».
لا اعتذار
وفي هذه الاثناء، إستبعدت مصادر مواكبة للتأليف إقدام الحريري على الاعتذار، كون تكليفه تأليف الحكومة في الأصل مرتبط بالموازين والمعطيات القائمة في لبنان والمنطقة، خصوصاً انّه من الصعوبة في مكان تكليف شخصية أخرى غير الحريري بتأليف الحكومة.
حراك باسيل
في هذه الأجواء، برز حراك باسيل الهادِف الى معالجة العقدة السنية المُستجدة، فاستَهلّه بلقاء رئيس مجلس النواب في ساحة النجمة، قبل ان ينتقل الى «بيت الوسط» حيث كان له لقاء طويل مع الرئيس المكلف تخلله غداء عمل، ليلتقي مساء في مجلس النواب النائب فيصل كرامي، أحد نواب «اللقاء التشاوري» السنّي.
ومساء، لفتَ باسيل، في دردشة مع الصحافيين في مجلس النواب، الى انّ «هناك حكومة قريباً»، معتبراً «انّ العقدة ليست خارجية». وكشفَ انه سيلتقي رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط «في الساعات المقبلة».
وكان عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب وائل أبو فاعور، قد كشف أنّ «لدى «الحزب التقدمي الاشتراكي» معطيات عن أنّ لدى «التيار الوطني الحر» مقترحات قد تُفضي الى تأليف الحكومة إذا حَسنت النيّات».
وقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية» انّ تحرك باسيل «يرمي، كمرحلة أولى، إلى تأمين البيئة المناسبة لعقد لقاء كسر «الجليد الساخن» بين الحريري وأعضاء «اللقاء التشاوري»، على قاعدة أنّ معالجة العقدة السنية يجب أن تتم على أساس لا غالب ولا مغلوب».
وأشارت إلى أنه «لا يمكن، من حيث المبدأ، مناقشة التمثيل الوزاري للقاء التشاوري في ظل استمرار العدائية بينه وبين الرئيس المكلف، ولذلك يتركّز حراك باسيل على محاولة مَد جسر للحوار بين الطرفين».
ولفتت المصادر إلى أنّه «إذا نجح هذا المسعى يتم الانتقال إلى المرحلة الثانية، وهي البحث في طريقة توزير «اللقاء التشاوري» وهل سيتمّ ذلك من حصّة رئيس الحكومة أم من حصة غيره؟».
وأوضحت أنّ زيارة باسيل لبري تندرج في سياق التداول معه في المخارج المُحتملة وإمكان مساهمته في تحقيق التوافق عليها.
ولفتت إلى أنّ مسار المؤتمر الصحافي للحريري اليوم «سيكون مؤشراً إلى نتائج مبادرة باسيل، وما إذا كان قد تمكّن من إيجاد خرق في جدار الأزمة المُستجدة أم لا»، مُرجّحة «أن ينعقد مؤتمر الحريري تحت سقف مبادرة باسيل، بحيث لا ينسفها، وان كان سيردّ على السيّد حسن نصرالله ويسجّل موقفاً، لكن مع تَرك باب مفتوح على احتمال التسوية».
واعتبرت المصادر أنّ سلوك الحريري في الجلسة التشريعية لا يوحي بأنه في صَدد قلب الطاولة أو أنه خرج ولم يَعد، بل هو تصرّفَ كأنه عائد حتماً إلى رئاسة الحكومة»، وشدّدت على «أنّ الحل يكمن في المُثالثة في التنازلات من الحريري و«حزب الله» و«اللقاء التشاوري»، وفق اقتراح باسيل».
ودعت الى «التخفيف من الاستفزاز المُتبادل بين الحريري والسنّة المستقلين، بُغية تسهيل فرَص معالجة العقدة السنية». ولاحظت «تحوّلاً في موقع باسيل من طرف الى وسيط، وسط قبول الآخرين بهذا الدور».
ولوحِظ انّ باسيل لم يُدلِ بأيّ تصريح بعد زيارته الحريري، لكنه تحدث بعد اجتماعه مع بري، فقال: «نعمل على إيجاد حل لمشكلة سياسية لدى فريق سياسي آخر»، مشيراً إلى «أننا معنيون بحل هذه العقدة، ليس على قاعدة أنّ المُصلح يأكل «تِلتَين القَتلِة» بل تقسيم مسؤولية الحل على الاطراف المعنيين».
وقال: «على تيار «المستقبل» و«حزب الله» و«اللقاء التشاوري» أن يساهموا في حل العقدة». مضيفاً: «المطلوب هو عدم التحريض».
وأوضح أنّه «مهما كانت طبيعة العقدة، فهي عقدة وطنية لأنها تمنع تأليف حكومة وحدة وطنية. ويمكن حل العقدة بالعودة الى مبادىء التمثيل ومعاييره في الحكومة»، لافتاً إلى أنّ «المعيار المعتمد لتأليف الحكومة هو على عدد النواب، والبرهان أنّ كتلتي «الكتائب» و«القومي» لم تتمثّلا».
وأوضح أنّ «المبدأ يتلخّص بأن في حكومة وحدة وطنية لا احتكار لمذهب او طائفة من فريق واحد»، مشيراً إلى أنّ «الاشكالية تأتي من أنّ الاقلية عند الطائفة السنّية ليست مُجسّدة بنائب معيّن أو جهة محددة».
وشدّد على أنّ «أيّ حل يقوم على اعتذار الرئيس المكلّف لن يَصحّ، ونريد له ان يكون قوياً بمهمته لتكون الحكومة قوية والعهد قوياً».
وكان باسيل قد التقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قبَيل انطلاقه بجولته، وأطلعه على عناوين المبادرة التي سيُطلقها سعياً الى حل العقدة السنية.
وعلمت «الجمهورية» انّ هذه المبادرة التي طرحها باسيل مع بري والحريري، انتهت الى ما يمكن تسميته مخرجاً لتسمية الوزير السنّي السادس من بين الأصدقاء المحسوبين على الخيار الوسطي السنّي، من دون أن يكون من بين النواب الستّة أو أي إسم نافِر قد يتسبّب بمشكلة مع الرئيس المكلف، قبل البحث في إمكان أن يكون من حصته أو أن يكون الوزير السني السادس الذي استبدله الحريري مع رئيس الجمهورية بوزير مسيحي، وهو المرجّح منعاً للمَس بحصّة الحريري.
وفي الوقت الذي تكتمت المصادر على مضمون المبادرة وشكلها، فقد فُهِم لقاء باسيل المسائي مع كرامي على أنه استكمال لمَسعاه مع الحريري، إذ كان لا بد له من مناقشة ما تمّ التوصّل إليه مع كرامي، لينقله الأخير الى زملائه في «اللقاء التشاوري».
عجلة التشريع
وفيما المحاولات جارية على قدم وساق لتحريك عجلة التأليف مجدداً، إنطلقت في مجلس النواب عجلة التشريع في جلستين صباحية ومسائية.
وكان أبرز ما أقرّ صباحاً 7 مشاريع واقتراحات قوانين، أبرزها الاقتراح المتعلق بفتح اعتماد إضافي بقيمة 75 مليار ليرة لمواجهة النقص في بند الدواء. كذلك أقرّت 6 اتفاقات، تتعلّق 4 منها بدعم القطاع الصحي.
وأقرّ في الجلسة المسائية اقتراح قانون يتعلق بإعطاء مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة طويلة الأجل بقيمة 648 مليار ليرة، واقتراح قانون يرمي الى تمديد دفع الرسم المقطوع مدة 3 سنوات.
كذلك أقرّ تمديد سنة للايجارات غير السكنية (القديمة)، وإذا لم يتم وضع قانون إيجارات بعد سنة تعود إلى المجلس. فضلاً عن إقرار اقتراح القانون الرقم 19 المتعلق بالمفقودين قسراً، بعد نقاش طويل، وسط مطالبة بإحالته الى اللجان، فطرح رئيس مجلس النواب الاقتراح على التصويت، فسقط. ثم جرت مناقشة اقتراح القانون مادة مادة، وهو مؤلّف من 38 مادة، فأقرّ وسط تصفيق الحضور.
الراعي
وفي المواقف، إنتقد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي العمل السياسي في البلد، القائم على ذهنية «الميليشيات السياسية»، ولاسيما في ظل الظروف الاقتصادية المُذرية التي يعانيها المواطنون.
وخلال افتتاح الدورة 52 لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك، أعربَ عن أسفه لأنه «في المقياس السياسي عندنا نرى أنّ المواطن لا يُحدّد بمَن هو وبما هو كإنسان، إنما يحدّد بانتمائه الى الحزب والدين والطائفة، ويحدّد أيضاً بانتمائه الى هذا الزعيم السياسي أو الطائفي».
وقال: «إنّ مؤسساتنا تُدرك حجم الفقر المتزايد لدى شعبنا بسبب الازمة المعيشية الخانقة وارتفاع رقعة البطالة وارتفاع المعيشة، وما يؤلم شعبنا ويؤلمنا هو إهمال المسؤولين في الدولة وحصر اهتمامهم بمصالحهم الخاصة، والظهور وكأنهم لا يريدون بناء دولة قانون لأنها تتنافى ومكاسبهم ونفوذهم وزعاماتهم، ولهذا السبب ضعف الولاء للبنان».
وشدّد البطريرك على انه «لا يمكن القبول بأن يُحكم لبنان بذهنية ميليشيات سياسية»، مؤكداً أنّ «من واجب الكنيسة الراعوي الدفاع عن الشعب، ولا سيما الفقراء والمظلومين، وإعلان المبادئ الدستورية والثقافية التي تنظّم العمل السياسي التي تنُقذه من انحرافه».