صحيفة الجمهورية
إنشغلت الأوساط السياسية في عطلة نهاية الأسبوع في استكشاف وتحليل الأبعاد والخلفيات التي انطوَت عليها المواقف التي أعلنها الامين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله لمناسبة “يوم الشهيد” حول الاستحقاق الحكومي، والتي وضعت هذا الاستحقاق أمام احتمالين: إمّا تأليف الحكومة متضمّنة وزيراً يمثّل “سنّة 8 آذار”، وإمّا بقاء الواقع الحكومي على حاله من المراوحة والتعقيد الى أمد غير معلوم. وفي وقت رجّح البعض أن تتفجّر أزمة التأليف أكثر فأكثر، رجّح آخرون أن يؤدي اشتداد الأزمة الى انفراجها، خصوصاً انّ نصرالله لم يقفل الباب أمام الحلول، إلّا أنّ المؤشّر الى ذلك سلباً أو إيجاباً سيعكسه ما سيعلنه الرئيس المكلف سعد الحريري في مؤتمره الصحافي غداً، وقبله ما سيرشح من لقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري على هامش الجلسة التشريعية اليوم مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، الذي كلّفه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون البحث مع المعنيين في حل لعقدة تمثيل “سنّة 8 آذار”، وقد كان له لقاء لهذه الغاية مع السيّد نصرالله ليل الجمعة ـ السبت الماضيين.
دَلّت المواقف في عطلة نهاية الاسبوع الى أنّ هذا الاسبوع، بما سيشهده من تطورات ومشاروات على جبهة الاستحقاق الحكومي، سيكون حاسماً بالنسبة الى مصير الحكومة العتيدة سلباً أو إيجاباً. وفي هذه الاجواء سينعقد المجلس النيابي اليوم في جلسة تشريعية، وسط حديث عن إمكان إقدام بعض الكتل على تطيير النصاب. وعلمت “الجمهورية” انّ الرئيس نبيه بري مُتحسّب لهذا الأمر، مُدرجاً هذه المحاولة، فيما لو صَحّت، في خانة الخطأ الكبير الذي لا يمكن السكوت عنه أو تجاوزه. وهو قال أمام زواره أمس، انّ الجلسة في موعدها، ولا أعتقد أنّ تعطيل المجلس في مصلحة أحد، فضلاً عن أنّ التعطيل مرفوض، فإذا كان المجلس قد سبق له أن انعقد في دورة استثنائية لإقرار مجموعة القوانين المتعلقة بمؤتمر “سيدر”، وسمّيناها تشريع الضرورة، فكيف لا ينعقد في دورة عادية التي هو فيها اليوم، والتي يلزمنا عقدها ضرورة التشريع؟”.
وردّاً على سؤال عمّا إذا تمّ الاصرار على تعطيل الجلسة وتطيير نصابها؟ قال بري: “لا أحد يلعب معي هذه اللعبة، وليجربوني، لن أسمح بتعطيل المجلس. وسأدعو، ان اضطررت، الى جلسة تشريع كل يوم”.
التأليف الحكومي
وفي ظل الأجواء الملبّدة على جبهة التأليف الحكومي، بَدا بري غير متشائم، إذ لمّح أمام زواره أمس الى أنّ الأمل ليس مفقوداً في إمكان الوصول إلى حل يمهّد الطريق أمام تأليف الحكومة.
وقيل لبري إنّ عملية التأليف تبدو وكأنها وصلت إلى طريق مسدود، فقال: “بالتأكيد انّ الأزمة إذا تفاقمت وبلغت هذا الحد يصبح احتواؤها صعباً، لكنني لا أرى أنّ الفرَص قد انتهت، وربّ أزمات قد وجدت الحلول لها على الساخن وفي وقت قصير. ثم دعوني أقول هذه الكلمة، ربما هناك أمر ما قد تعتقد أنه بعيد جداً، فإذا به يكون قريباً منك أكثر ممّا تتصوّر”.
ورداً على سؤال حول حركة المشاورات المنتظرة في شأن الحكومة العتيدة، قال بري: “يجب أن تحكي الناس مع بعضها”.
إنطلاق البحث
وفي هذا السياق، ربطت مصادر وزارية اللقاء المنتظر اليوم بين بري وباسيل بما طَرأ على الخط الحكومي، واعتبرته نقطة انطلاق البحث عن حلّ للأزمة الحكومية.
وقالت مصادر “حزب الله” لـ”الجمهورية”: “إنّ السيّد نصرالله أكد في خطابه أن لا تراجع نهائياً عن دعم مطلب تمثيل “سنّة 8 آذار” في الحكومة، ونحن نعتبر أنّ الكرة أصبحت في يد الرئيس المكلف الذي نعتقد بضرورة أن يتلقّاها إيجاباً ويَتلقّف هذه الفرصة لإنقاذ حكومته.
وقالت مصادر 14 آذار لـ”الجمهورية”: “لقد أثبت “حزب الله”، من خلال الكلام الاخير للسيد حسن نصرالله، انه لا يريد حكومة لكي يبقى مُتحكّماً بقرار البلد”.
واعتبرت المصادر “أنّ البدعة التي خلقها لتمثيل نواب، هم أصلاً أعضاء في كتل نيابية أُخرى، هي نوع من الاحتيال السياسي الذي لا يمكن القبول به، وقَفز فوق الدستور، ومحاولة ابتزاز واضحة ينبغي ان يتصدى لها رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، الذي يسعى الحزب إلى الضغط عليه وإضعافه سياسياً ومعنوياً”.
“المستقبل”
وفي انتظار ما سيعلنه الحريري في مؤتمره الصحافي عند الاولى والنصف بعد ظهر غد في “بيت الوسط” حول التطورات المتعلقة بتأليف الحكومة، كان لافتاً ما احتوَته مقدمة نشرة الاخبار المسائية لتلفزيون “المستقبل” من هجوم على السيّد نصرالله، فقالت انّ “التداعيات السلبية” لكلامه “لا تزال تحكم المناخ السياسي في البلاد”. مشيرة الى انّه “بعد محاولته مصادرة قرار اللبنانيين بكل طوائفهم مُتحدثاً بعنجهية غير مسبوقة عن قدرته على تعطيل مسار تشكيل الحكومة في أي لحظة يُبدي فيها اعتراضه، واضعاً مصير الحكومة في قبضة نواب “سنّة الثامن من آذار”، ظهرَ “حزب الله”، على لسان أمينه العام، متمسّكاً بِرَهن البلاد لمصالح محور الممانعة الذي يدور في فلكه، تحت عنوان: الوفاء للنواب الستة”. وقالت انّ نصرالله “عندما تحدث عن 4 أشهر من التعطيل الناتجة عن العقدة الدرزية، و5 أشهر من التعطيل بفِعل عقدة “القوات اللبنانية”، ظهر محاولاً إيجاد تبرير للوقت الضائع، وللخسائر التي يلحقها بلبنان وأهله بعد رَميه كرة تعطيل التشكيل من بوّابة النواب الستّة، واضعاً مهلة لتوزير هؤلاء 1000 سنة والى أن تقوم القيامة”.
ولفتت الى “إصرار “حزب الله” على تحويل لبنان رهينة على رقعة المصالح الايرانية”، وقالت انّ الحريري سيقول غداً “كلمته الفصل ويضع النقاط على الحروف”، وسيشرح “حقائق الامور المتعلقة بعملية تشكيل الحكومة”.
وتحدثت عمّا سَمّته “الانعطافة غير المنطقية لبعض نواب “التيار الوطني الحر”، والتي تتناقض مع الموقف الذي أعلنه رئيس الجمهورية ميشال عون، في قضية توزير “سنّة حزب الله”.
“التيار الحر”
على انه بعد المواقف “النوعية” شكلاً ومضموناً للأمين العام لـ”حزب الله” حيال توزير “سنّة 8 آذار”، بَدا “التيار الوطني الحر” في اليومين الماضيين “مُتمترساً” عند نقطتين: الإصرار على أنّ أصل الأزمة يعود لكون العقدة سنية – شيعية وليس سنية – سنية كما شدّد نصرلله في خطابه، وتبنّي موقف رئيس الجمهورية ميشال عون في اعتبار أنّ النواب السنّة الستّة منضوون ضمن تكتلات سياسية ممثلَة في الحكومة ومن غير الجائز تمثيلهم في الحكومة، إضافة الى اعتبار أنّ خطوة كهذه تُدخِل الرئيس المكلّف سعد الحريري “ضعيفاً” الى الحكومة.
لكنّ نائب تكتل “لبنان القوي” آدي معلوف قال لـ “الجمهورية”: “نحن متفائلون أنّ هذه العقدة والتطورات الأخيرة ليست آخر الطريق ولن تؤدي الى الحائط المسدود، وستحلّ تماماً كما حلّت العقد الباقية، أولاً برفع السقوف عالياً من قبل “القوات اللبنانية” والنائب السابق وليد جنبلاط، ثم بالتهدئة، فالحوار، فالإنفراج”، لافتاً الى أنّ “هناك حاجة لجميع الاطراف السياسية في ولادة الحكومة سريعاً”.
وحمّلت مصادر في “التيار الوطني الحر” الرئيس المكلّف جزءاً من المسؤولية عن الوصول الى هذا المأزق، بسبب عدم استجابته لمطالبات “التيار” المتكررة بتحديد معيار موحّد للتمثيل في الحكومة، وبعدم أخذ “تنبيه” “حزب الله” بجدّية قبل نحو شهر من حلّ العقدتين “القواتية” والدرزية من أن لا حكومة بلا وزير سنّي من 8 آذار”.
وقالت المصادر: “سيحاول “التيار” لعب دور توفيقي، ولن نبقى متفرّجين منعاً لمزيد من أشهر الاستنزاف”، وأشارت الى أنّ “السيد نصرالله ترك باباً للحَل من خلال رَمي الكرة في ملعب نواب “سنّة 8 آذار”، ولا أحد يستطيع إقفال الأبواب”. وأضافت: “في بدايات التأليف كنّا نتعرّض لاستهدافات متكرّرة بأننا نتدخل في عملية تشكيل الحكومة، بينما كنّا نطالب بحصتنا فقط. اليوم نحن حريصون على أن تؤلّف الحكومة وسندخل على خط إرساء الحوار في شأن عقدة تتعلق بطرفين كبيرين، مع علمنا أنّ هناك دوماً من يريد أن يصطاد في الماء العكر”.
وفي المقابل، كررت المصادر موقف رئيس الجمهورية من “أنّ النواب السنّة “تكتّلوا” بعد الانتخابات، وهم ممثلون ضمن كتل أخرى ويريدون دخول الحكومة من خارج حصة الثنائي الشيعي، فيما كتلة “ضمانة الجبل” أُعلِنت من دارة النائب طلال أرسلان قبل الانتخابات، وإرسلان سيتمثل عبر وزير يسمّيه من ضمن حصتنا في الحكومة وليس خارجها”.
وردّاً على من اعتبر أنّ السيد نصرالله قد تَقصّد من خلال خطابه الردّ على رئيس الجمهورية في شأن موقفه الأخير من “سنّة 8 آذار” ورفض توزيرهم، قالت المصادر: “في الخطاب نفسه أكّد السيد نصرالله أيضاً متانة العلاقة مع الرئيس عون، ولا نعتبره موجّه ضدنا”.
جنبلاط والتهدئة
وكان اللافت انّ رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، الذي انتقد نصرالله مواقفه، أوضح أمس عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلفيّات ردّه عليه أمس الاول، فقال: “بالأمس، كان هدفي في الرد تسليط الضوء على خطورة الوضع الاقتصادي ولن أدخل في سجال سياسي جانبي، لذلك أدعو الحزبيين والمناصرين الى ألّا ينجَرّوا الى السجالات العقيمة مع أي طرف، البطالة والجوع لن توفّرا أحداً، فليكن الهدوء سيد الموقف مع التأكيد على الحوار”.
الحريري ورؤساء
من جهة ثانية، أعلن المكتب الاعلامي للحريري أنه شارك أمس في مأدبة الغداء التي أقامها الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون في قصر الاليزيه، على شرف رؤساء الدول والوفود المشاركة في مؤتمر باريس للسلام. وكان للحريري، على هامش المأدبة، لقاءات جانبية مع عدد منهم، وأبرزهم الرئيس الفرنسي، ورؤساء: روسيا فلاديمير بوتين، تركيا رجب طيب اردوغان، سويسرا الان بيريست، قبرص نيكوس اناستاسياديس، المستشارة الألمانية انجيلا ميركيل وجزر السيشيل داني فور، رؤساء وزراء: أسبانيا بيدرو سانشيز، بلجيكا شارل ميشال وكندا جاستين ترودو.
مؤشّر كلام سلامة
إقتصادياً ومالياً، حمل كلام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أمس، خلال مشاركته في المنتدى الإقتصادي الإجتماعي الأول لبكركي برعاية البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، مؤشرات إضافية لدقة الوضع، رغم تطميناته بالنسبة الى ثبات سعر صرف الليرة. وبَدت مواقف حاكم المركزي مختلفة عن السياق الاعتيادي الذي درج عليه، وكأنه أراد وضع الإصبع على الجرح، وتسمية الامور بأسمائها.
وفي قراءة لأبرز مواقف سلامة، يمكن تسجيل ملاحظات لافتة منها:
ـ أولاً، المطالبة بخفض حجم القطاع العام الذي بات عبئاً على الاقتصاد.
ـ ثانياً، وجود حملات خارجية في الاعلام يواجهها الوضع اللبناني ترتبط بالقانون الاميركي لمكافحة تمويل “حزب الله”.
ـ ثالثاً، العجز المعلن في الموازنة بات أكبر من إمكانات لبنان، والسبب المباشر سلسلة الرتب والرواتب.
ـ رابعاً، خطورة استمرار نهج الاستيراد المفرط الذي يؤدي الى استنزاف الدولارات.
ـ خامساً، انّ اسعار الفوائد ستبقى مرتفعة في المرحلة المقبلة، وعلى الدولة والاقتصاد أن يتأقلما مع هذا الواقع.
ـ سادساً، انّ المصارف ستواصل الامتثال وتطبيق القوانين الدولية لحماية القطاع والبلد.