قضية الخاشقجي تلاحق ترامب… والقمة الروسية الألمانية الفرنسية التركية الأسبوع المقبل
نصرالله: لا تستعجلوا وضع المهل… هناك جدّية ولكن هناك عقبات
فرصة للعودة من فدرالية الطوائف إلى حكومة الوحدة… والعبرة بالنتائج
المحرّر السياسيّ
اضطر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى رفع سقف تلويحه بالتهديد للحكم السعودي على خلفية تورّطه في مقتل جمال الخاشقجي، تحت ضغوط الداخل الأميركي، وبموازاة مناخ غربي عام، وما يجمعهما اعتبار المعاملة المميّزة لولي العهد السعودي من الرئيس ترامب، رغم ما وصفته الصحف الأميركية والأوروبية من تراكم مسيرة الفساد والإجرام في سلوك محمد بن سلمان، هو المسؤول عن التمادي في السلوك الإجرامي لولي العهد، وهو الذي أشعره بالتغطية الممنوحة له على شك أبيض ليفعل ما يشاء طالما أنه يدفع المال تلبية لطلب ترامب. وبدأت تظهر الحملة المرتبطة بكشف تفاصيل قضية الخاشقجي مدخلاً لفتح ملف العلاقة الأميركية السعودية بوجه ترامب عشية الانتخابات النصفية في الكونغرس، وعلاقتها بالتحضير للانتخابات الرئاسية وفرص الولاية الثانية التي يستعدّ ترامب لخوضها، والمعادلة التي رسمتها الواشنطن بوست كانت، علينا أن نختار بين قيم الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان والعلاقة بالحكم السعودي، فلا يمكن جمعهما تحت سقف واحد، متّهمة ترامب ببيع أميركا للسعودية فيما هو يدّعي شراء السعودية لحساب أميركا.
بالتوازي مع الارتباك الأميركي السعودي تتقدّم روسيا ومعها تركيا التي ثبتت انضباطها بالرؤية الروسية للوضع في سورية، نحو القمة الرباعية التي تضمّ روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا تحت عنوان ثلاثية الحلّ السياسي وإعادة الإعمار وعودة النازحين، بعدما ثبتت للأوروبيين الحاجة لعدم تجاهل الضغوط الأمنية التي تطال بلدانهم من جراء تموضع الجماعات الإرهابية الآتية من بلادهم إلى سورية ومخاطر عودتها القريبة، وكذلك الحاجة للانفتاح على المساعي الروسية لإعادة النازحين كقضية اقتصادية اجتماعية أمنية ضاغطة على أوروبا، والاستعداد لملاقاة فرص إعادة الإعمار التي تتيحها سورية، بعيداً عن الانضباط بالروزنامة الأميركية التي اختبرتها أوروبا في الملف النووي الإيراني وتعرّف عدم اكتراث واشنطن بالمصالح الأوروبية الأمنية والاقتصادية من خلال ما يُظهره العجز الأميركي عن إيجاد بدائل للتفاهم النووي، والمضي رغم ذلك برفع منسوب التوتر، لتخسر أوروبا أمنياً واقتصادياً، وتدخل منطقة الجوار الأوروبي في التصعيد.
لبنانياً، شهدت الساعات الأربع والعشرون الماضية تدخلاً وازناً من حزب الله لردّ الاعتبار لمفهوم حكومة الوحدة الوطنية على حساب مشروع حكومة تمكن تسميتها بالفدرالية الطوائفية، عبر تطويب كل مقاعد محسوبة لطائفة معينة لفريق سياسي وتوزيع الحصص الحكومية على أساسها، بينما يفترض أن تقوم حكومة الوحدة الوطنية على تعاون منصف بين المكونين السياسيين الرئيسيين لقوى الثامن والرابع عشر من آذار اللذين نالا نصيباً نيابياً متوازناً في الانتخابات الأخيرة بتمثيل وزاري متوازن كماً ونوعاً بينهما من جهة، وبالحرص على تمثيل القوى الجديدة التي حملتها الانتخابات وشكلت الإشارة التي حملتها صناديق الاقتراع، وأبرزها ظهور مكوّن نيابي وازن من خارج تيار المستقبل، وبالتمسك بالهوية اللاطائفية التي تمثلها القوى الواقعة خارج الحسابات الطائفية والتي يمثلها الحزب السوري القومي الإجتماعي كعلامة تمسك بجوهر اتفاق الطائف القائم على وعد الانتقال من التنظيم الطائفي المؤقت إلى صيغة لاطائفية. وشهدت الاتصالات بعد هذا التدخل الذي أيّده رئيس مجلس النواب نبيه بري خلطاً للأوراق، لا يمكن الجزم بحدود التغيير الذي سيدخله على التشكيلة الحكومية التي كانت قد قطعت ثلاثة أرباع الطريق نحو الولادة، لتعود وتظهر عقدة حقيبة العدل التي تتمسك القوات اللبنانية بسحبها من حصة رئيس الجمهورية الذي أبلغ عدم استعداده للتنازل عنها.
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أكد مضمون الطلبات بتمثيل أطراف وبحث في حقائب دون الدخول في التفاصيل، حرصاً على عدم تحويل الأمر نوعاً من التحدّي أو إحراج أحد، ولترك الفرص للاتصالات لتذليل العقبات، مشيراً إلى جدية التقدّم الحاصل في الملف الحكومي بموازاة جدية العقبات التي تعطّل التشكيل، ناصحاً بعدم الوقوع بتحديد مهل تترتب على انتقائها بلا إنجاز التشكيل نتائج سلبية سياسية واقتصادية.
كيف انقلب الحريري على التزاماته مع بري!
يبدو أنّ الأجواء الإيجابية التي رافقت مفاوضات ربع الساعة الأخير قد تبدّدت، وبالتالي انهارت مهلة الـ 48 ساعة المحدّدة لولادة الحكومة، فلا حكومة في عطلة نهاية الأسبوع كما كان متوقعاً، فعادت العقد الى مربّعها الأوّل وما إن تُحلّ عقدة حتى تظهر أخرى، هذا حال مفاوضات الأيام القليلة الماضية، إذ إن شياطين الحصص والحقائب الكامنة ظهرت أخيراً في التفاصيل، غير أنّ «عقدة المعايير» التي تحدّث عنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله هي أمّ العقد، هذا ما برز في الساعات الأخيرة على سطح التفاوض الحكومي، فلا حكومة من دون سنة المعارضة أو اللقاء التشاوري والحزب السوري القومي الاجتماعي، بحسب ما قالت لـ»البناء» مصادر مطلعة في فريق 8 آذار.
فرسائل السيد نصرالله الى المعنيين بتأليف الحكومة لم تكن بعيدة عن هذا المناخ، حيث أعاد في خطابه أمس، باسم الثنائي الشيعي العقدة السنية الى الواجهة في «اللحظة الحرجة» بعدما حاول الرئيس المكلف سعد الحريري الانقلاب على وعوده والتزاماته التي قطعها لرئيس المجلس النيابي نبيه بري منذ اللقاء الأول بينهما بعد تكليفه لتشكيل حكومة جديدة، وفق ما أشارت مصادر مطلعة لــ»البناء»، وتظهر وقائع ذاك اللقاء أن الحريري سأل بري آنذاك عن مطالب الثنائي الشيعي في الحكومة فأكد بري على ستة وزراء لأمل وحزب الله من بينهم حقيبة سيادية «المالية» وأخرى خدمية «الصحة» الى جانب وزارة لتيار المردة ووزارة لسنة المعارضة وأخرى للحزب القومي، أي 6 وزراء شيعة و2 مسيحيين وواحد سني أي ما يعادل 9 وزراء. وعاد معاون السيد نصرالله الحاج حسين الخليل وأكد على هذه المطالب خلال لقاء جمعه مع الحريري بعد التكليف بحضور الحاج وفيق صفا. كما أكد على ذلك رئيس كتلة الوفاء للمقاومة الحاج محمد رعد خلال اللقاء مع الرئيس المكلف في مجلس النواب أثناء الاستشارات النيابية.
وتضيف المصادر أنه ومذ ذاك الحين لم يتلقّ الحزب والحركة إجابات من الحريري.
ومع تكاثر العقد على الرئيس المكلف وحراجة ودقة الظروف الإقليمية حينها حاذر الثنائي الشيعي إحراج الحريري ما فسّره الأخير على أنه تنازل مسبق من أمل وحزب الله عن حلفائهم من السنّة والقومي. لكن وبعد أن بدأت العقد تُذلل الواحدة تلو الأخرى عادوا ليبحثوا أمر العقد القديمة المستجدة، وتساءلت المصادر: هل من العدل أن يمثل 45 نائباً 8 آذار بـ 7 وزراء و44 نائباً 14 آذار بـ 12 وزيراً؟ كما تساءلت: لماذا يريد الرئيس الحريري الاستئثار بالحصة السنية في الحكومة وهو لم ينل سوى 17 نائباً سنياً مقابل 10 نواب من السنة خارج المستقبل؟ ولفتت المصادر الى أنّ الحريري نال ستة وزراء من بينهم رئاسة الحكومة ووزير مسيحي، فلماذا يريد إنكار حصة السنة الآخرين؟ وأشارت الى أنّ الرئيس المكلّف أمام حلّين إما تمثيل سنة اللقاء التشاوري والحزب القومي وإما ستبقى الحكومة معلقة على هذا التمثيل.
ورأت أوساط مطلعة في طيات كلام السيد نصرالله رسالة الى بيت الوسط بضرورة مراعاة تمثيل بعض القوى الحليفة، ولا يمكن القبول بنسف نتائج الانتخابات النيابية. ما دفع الأوساط الى القول بأن لا حكومة في المدى المنظور وأنّ الأمر يحتاج الى جولة مفاوضات أخرى لإنضاج الظروف الصحيحة للولادة. وأفادت مصادر مقرّبة من حزب الله لـ»البناء» الى أنّ هناك مساعي جدية مع الرئيس المكلف لعدم تجاوز هذا التمثيل ما سيؤخر ولادة الحكومة بعض الوقت، وقالت مصادر أخرى إنّ الأمور تتجه الى أن يبادر رئيس الجمهورية الى توزير النائب فيصل كرامي من حصته الوزير السني .
وفي إطار ذلك، لفت عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي معن حمية إلى أنّ مواقف المسؤولين تؤكد على الاتجاه نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية تضمّ جميع القوى، ولذلك فإنّ المطلوب ترجمة هذه المواقف، للوصول فعلاً الى حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها جميع القوى، خصوصاً القوى اللاطائفية. وقال في تصريح: المصلحة الوطنية للبنان، بأن يكون الحزب القومي والقوى الفاعلة مشاركين في الحكومة الجديدة، ما يعطيها دفعاً للقيام بمسؤولياتها ويضفي عليها صفة حكومة الوحدة الوطنية.
أما في ما خصّ معركة الحقائب فعلمت «البناء» أنّ «حقيبة الأشغال ستبقى مع تيار المردة وسط إصرار من ثنائي أمل وحزب الله على أن تبقى مع المردة، لكن لم يُحسم حتى الآن بقاء الوزير الحالي يوسف فنيانوس لهذه الحقيبة أم لا حيث طلب التيار الوطني الحر باستبدال فنيانونس باسم آخر إن كانت ستؤول للمردة، غير أنّ هذا الأمر لا يزال محلّ نقاش لدى الوزير سليمان فرنجية، أما حصة حزب الله فاستقرت على وزارات الصحة والصناعة ووزارة دولة، أما وزارة العدل فيبدو أنها ستبقى مع رئيس الجمهورية إذ أكدت مصادره معطوفة على مصادر التيار الوطني الحر أنّ الرئيس لن ولم يتنازل عن العدل لأسباب عدة، أما التربية والزراعة فستؤولان للحزب الاشتراكي، أما الشؤون الاجتماعية والثقافة للقوات ويدور البحث عن منحها حقيبة أخرى غير الثقافة كتعويض عن العدل الى جانب نائب رئيس مجلس الوزراء.
تراجع موجة التفاؤل وتصلّب القوات في مواقفها ورفع سقفها دفعت برئيس التيار الحر الوزير جبران باسيل الى زيارة بيت الوسط على عجل لإبلاغ الرئيس المكلف رفض الرئيس ميشال عون القاطع التنازل عن العدل للقوات ورمى باسيل الكرة الى ملعب الرئيس المكلف والقوات وبرأ ذمته بقوله بعد اللقاء مع الحريري: «قدّمنا كلّ التسهيلات والتنازلات لتسهيل ولادة الحكومة، إنّ الأمور إيجابية جداً. وأعتقد اننا على الطريق الصحيح لتأليف حكومة بمعايير العدالة والتمثيل الصحيح لإنتاج حكومة وحدة وطنية لا تستثني أحداً». ما دفع الحريري لاستدعاء الوزير ملحم الرياشي لإبلاغه الموقف العوني المستجدّ، وتحميله رسالة الى رئيس القوات سمير جعجع، غير أنّ اتصالاً حصل بين جعجع والحريري أعاد الرياشي الى بيت الوسط حاملاً رسالة من جعجع، وأوضح الرياشي في تصريح من « بيت الوسط »، أنّ «البعض يعمل على الإساءة إلى جهد الحريري والانقلاب على التسوية، خصوصاً بعد تزايد نقاط الالتقاء في التشكيل إلى حدود حسمها».
ونقلت قناة «أم تي في» المحسوبة على القوات عن مصادر معنية بالتأليف أنّ «فحوى الاجتماع بين الحريري وباسيل كان سلبياً، وأنّ الرئيس عون أعاد النظر بإعطاء «القوات اللبنانية» وزارة العدل. ورأت المصادر أنّ «الأمور تشير الى العودة الى الوراء والأجواء ملبّدة مع ظهور عقدة تمثيل السنة المستقلين».
ويبدو بحسب أوساط مراقبة أنّ الحريري أعياه التعب من شروط معراب وبات يفكر جدياً مع الرئيس عون بالسير بحكومة من دون القوات وتوزيع حصتها على الأحزاب والقوى المسيحية الأخرى كحزب الكتائب وعلى الأحزاب والقوى الوطنية والقومية، رغم تأكيد مصادر المستقبل وربما إعلامياً فقط على أنّ الرئيس المكلف لن يسير بحكومة بلا القوات، وربطت الأوساط بين تراجع شروط القوات وأزمة السعودية التي تحوّلت عالمية بعد اغتيال الإعلامي جمال الخاشقجي، ما منح الحريري هامشاً واسعاً للتخلص من حمل القوات الزائد في مركبه الحكومي. وهذا ما أوحته النقاشات التي دارت بين الحريري والرياشي خلال الأيام القليلة الماضية بحسب مطلعين. غير أنّ مصادر مستقبلية تلفت لـ»البناء» الى أنه رغم الهامش الذي يملكه الحريري وحرية حركته الحكومية، غير أنه ليس بوارد أن يضع نفسه بمواجهة السعودية في أيّ حكومة تستبعد القوات، لذلك يصرّ على تمثيلها وتلبية مطالبها بالتعاون مع التيار الحر.
من جهتها، أفادت مصادر بيت الوسط لقناة الـ»او تي في» أنّ القوات أبلغت الرئيس المكلّف رفضها المشاركة في الحكومة بلا ثلاث حقائب بينها العدل. وبدوره، أبلغ الحريري القوات عدم السير بحكومة من دونها، حسب المصادر.
وكان الحريري استقبل عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب وائل أبو فاعور ، الذي قال في دردشة مع الإعلاميين إنّ « وزارة التربية والتعليم العالي لا تزال مع الاشتراكي ، ولا حقيبة عدل للقوات».
وقال السيد نصرالله خلال كلمة له في مناسبة الاحتفال باليوبيل الفضي لمدارس المهدي: «الواضح أنّ التعقيد الحكومي هو تعقيد داخلي، والحديث عن الأحجام والحقوق، هناك أمور متعلقة بالحقائب وبتوزير بعض الجهات لا زالت عالقة، ومحاولة تصوير انّ حزب الله يشكل الحكومة ويوزع الحقائب خاطئة ولا تستند لوقائع».
وتطرّق للمرة الأولى الى قضية اختفاء الإعلامي السعودي جمال الخاشقجي، وقال: «هذا الحدث يكبر وإدارة ترامب محشورة جداً، والحكام السعوديون في وضع لا يُحسَدون عليه، وهناك مناخ باتجاه عقوبات ومقاطعة دبلوماسية. والأهمّ هو تداعيات هذا الملف، والكلام عن عناصر مارقة لا يمكن أن يمرّ».
أضاف: «أقول لحكام السعودية إنّ اليوم هو الوقت المناسب لاتخاذ موقف جريء وشجاع لوقف الحرب على اليمن، ووقف إطلاق النار على كلّ الجبهات والإذن لليمنيين بالذهاب الى الحلّ السياسي والمصالحة الوطنية. الغطاء الدولي والعالمي لحربهم على اليمن بدأ ينهار خصوصاً بعد هذه الحادثة، وصورة المملكة في العالم في وضع لم يسبق له مثيل من السوء منذ مئة سنة».