فؤاد مخزومي
أكد النائب فؤاد مخزومي أن القوى السياسية تبالغ بعرض مطالبها على الصعيد الحكومي بغية حجز أماكن لها بعد 4 سنوات، موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، مشيراً إلى أن التأخر في تشكيل الحكومة لا يرتبط فقط بالمقاعد والأحجام ونسب التمثيل إنما أيضاً بترسيخ الشخصية التي ستتولى صلاحيات الرئاسة وبالحصول على الثلث الضامن. ولفت إلى أن الحل يكون بتخفيض عدد المقاعد الوزارية من 30 إلى 24 مقعداً. وشدد على أنه في ظل مجلس نيابي منتخب، من الضروري عودة القرار إليه، مشدداً على ضرورة أن تناقش كل الملفات داخله حصراً وسنرفض طرحها على طاولة حوار. وعلى الصعيد الاقتصادي، أكد مخزومي أن القوى السياسية لم تقتنع بعد أن لبنان على حافة الهاوية، مشيراً إلى أن همها الأول هو مصالحها وتحقيق طموحاتها السياسية. واعتبر أن النموذج الذي اعتمده لبنان منذ العام 1992 حتى اليوم أصبح هشاً ومفلساً، داعياً إلى ضرورة العمل الجدي لإعادة إصلاح البنية الاقتصادية واعتماد سياسة تنموية اقتصادية من شأنها تحريك السوق اللبناني. وأكد أن رجال الأعمال والمستثمرين لا يثقون بالطبقة السياسية وبالسلطة الحاكمة، مؤكداً أنهم سيعودون إلى الداخل فقط عندما نضع حداً للفساد ونطبق مبدأ الشفافية ونبعد السياسة عن الاقتصاد والقضاء.
كلام مخزومي جاء خلال مقابلة أجراها عبر إذاعة “صوت لبنان” مع الإعلامي وليد شقير ضمن برنامج “أقلام تحاور”، لافتاً إلى أن موقفيْ البطريرك مار بشارة بطرس الراعي والسيد حسن نصرالله اللذين توقعا تأخراً في تشكيل الحكومة، واقعيَيْن، مشيراً إلى أن تداخل الشؤون الداخلية بالإقليمية في هذه المرحلة يشكل عائقاً أساسياً بوجه ولادة التشكيلة الحكومية. وتابع: القوى السياسية تبالغ بعرض مطالبها بغية حجز أماكن لها بعد 4 سنوات، موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، خصوصاً بعدما بادر رئيس الجمهورية ميشال عون إلى طرح اسم الوزير جبران باسيل مرشحاً للرئاسة الأولى، الأمر الذي فتح باكراً معركة رئاسة الجمهورية. وبدأ كل طرف سياسي يحاول تعطيل التشكيل ريثما يحصل على الثلث الضامن لكي يغلق الباب أمام أي طرف آخر بأن يحدد مصير الانتخابات الرئاسية. وأضاف: إذن الموضوع لم يعد يرتبط فقط بتشكيل الحكومة إنما تعداها إلى تثبيت الشخصية التي ستتولى صلاحيات الرئاسة في حال حصل طارئ للرئيس عون لا سمح الله قبل نهاية العهد.
ولفت إلى أن العقدة الداخلية الأساسية لم تعد تقتصر على نسبة التمثيل والأحجام الوزارية فحسب، بل في الحصول على الثلث الضامن، فالرئيس الحريري يصرّ على الاحتفاظ بمقاعد السنة الستة لأنه يعتبر نفسه الممثل الحصري للطائفة السنية، في وقت تطالب “القوات اللبنانية” بخمسة مقاعد، وإذا ما حصل الفريقان على مطالبهما فهما بالنتيجة سيؤمنان 11 مقعداً وزارياً بما يضمن حصولهما على الثلث الضامن الذي يسعى إليه أيضاً “التيار الوطني الحر”، إذ يطالب الرئيس عون بحصته الوزارية المنفصلة عن حصة التيار. وتابع: أما بالنسبة لحزب الله فهو بدوره لن يقبل أن يترك زمام الأمور في الحكومة لفريق يمكن أن يستأثر بالقرارات.
وأشار إلى أن هذا الثلث الضامن دفع القوى الإقليمية التي تدعم حلفاء لها في الداخل إلى التدخل في ملف تشكيل الحكومة. وتابع: الكلام عن أن المشاكل الداخلية في لبنان هي التي تعيق التشكيل غير دقيق، إذ إن معظم الأطراف السياسية الأساسية في البلد لديها ارتباطات خارجية، فحزب الله تابع لمنظومة إقليمية تتمثل بإيران والمملكة العربية السعودية التي لمست من نتائج الانتخابات تغييراً في المعادلة التي كانت قد اعتادت عليها في الماضي، تعتبر أن شريكيها الأساسيين هما “تيار المستقبل” و”القوات اللبنانية”، الأمر الذي يشير بوضوح إلى انعكاس التوترات الإقليمية على القوى السياسية ومطالبها الحكومية.
وتحدث مخزومي عن ثلاث محاور متداخلة في المرحلة الراهنة، تعتمد عليها القوى السياسية في ملف تشكيل الحكومة هي الثلث الضامن والميثاقية والعرف، لافتاً إلى أن المشكلة تكمن في تجاهل مواد الدستور واللجوء إلى الميثاق أو العرف. وتابع: بالنسبة للعقدة الدرزية، يطالب النائب وليد جنبلاط بثلاث مقاعد حكومية، ذلك لأنه يعرف أن العرف السائد في البلد يقضي بأن يشكك بميثاقية أي ملف في حال انسحبت طائفة وازنة من الحكومة.
وعن إمكانية تأخر تشكيل الحكومة، أكد مخزومي أن أصحاب القرار في السلطة لا يستعجلون تشكيل الحكومة، مشيراً إلى أن التأخير ليس أمراً جديداً على اللبنانيين، فحكومة الرئيس تمام سلام تأخرت 11 شهراً وكان الحال مماثلاً في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. ولفت إلى أن السبب وراء ذلك هو الغموض الذي يكتنف الدستور اللبناني الذي لم يحدد في أي من مواده مهلة معينة لإعلان التشكيلة الحكومية بعد جلسة تكليف رئيس الحكومة. وتابع: بناءً على هذا المعطى فإن الوقت المتاح فعلياً اليوم أمام الرئيس المكلف سعد الحريري لتشكيل الحكومة يمكن أن يستمر إلى نهاية ولاية المجلس النيابي، خصوصاً أن الحريري هو نفسه رئيس حكومة تصريف الأعمال وقد حصل على 111 صوتاً خلال الاستشارات النيابية. ولفت أيضاً إلى أن رؤساء الحكومات السابقين تمام سلام ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة اجتمعوا وأكدوا دعهم الكامل للحريري، مشيراً إلى أن هذه المعطيات لا تلزم الحريري بوقت محدد ولا تشكل أي ضغط عليه للاستعجال في إعلان التشكيلة. واعتبر أنه تبعاً لكل الظروف الراهنة لم يعد الوقت يشكل أهمية بذاته، خصوصاً أن المرجعيات الإقليمية فرضت على حلفائها في الداخل عدم الاستعجال.
ولفت مخزومي إلى أنه بالعودة إلى العامين 2005 و2009 نرى أن ما كان يسمى بـ”14 آذار” ذهب إلى التوافق مع حزب الله لأنه لم يستطع تشكيل حكومة بالرغم من أنه كان يملك الأكثرية بـ79 نائباً. أما اليوم مع تغير الأكثرية التي أنتجتها الانتخابات النيابية، وحصول حزب الله وحلفاؤه السياسيين على 74 معقداً نيابياً، فإن التوافق مع معه أصبح أمراً واقعاً لا بدّ منه بغض النظر عن تسميات وعناوين الحقائب. واعتبر مخزومي أن الحصول على حقائب سيادية أو غير سيادية أصبح رهناً بالمعطيات الخارجية التي تملي على الكتل النيابية المبالغة في عرض مطالبها.
ولفت إلى أنه من غير الممكن اليوم حسم توقيت ولادة الحكومة، إذ إننا ننتظر المتغيرات الخارجية وعودة الرئيس عون من نيويورك، حيث استبعد أن تنعقد اجتماعات يكون لها أي تأثير على الداخل اللبناني. ولفت على هامش الحديث، أنه سوف يتواجد في نيويورك في السابع والعشرين من الشهر الحالي، حيث سيكرم من قبل التحالف العالمي من أجل الأمل لمساهمته في مجال السلام ومساعدة اللاجئين بالتعاون مع الأمم المتحدة. وتابع: أما بالنسبة لباريس، فهي تحاول بصورة جدية أن تضطلع بدور أكبر في لبنان، وتسعى إلى إيجاد الحلول، بدءاً من مؤتمر “سيدر” التي عقدته قبيل الانتخابات النيابية لدعم الرئيس الحريري، وصولاً إلى مطالبها المتكررة للإسراع في التشريع بغية سنّ القوانين التي تتعلق مباشرة بمقررات “سيدر” والمباشرة في إنجاز المشاريع التي أوصى المؤتمر بتنفيذها.
وأكد مخزومي أن الخارج لم يعد يستعجل تشكيل الحكومة في لبنان، إلا أنه أشار إلى أن التشكيل يتأرجح بين معطيين خارجيين الأول إقليمي سياسي يتمحور حول العلاقة بين إيران والسعودية وانعكاسها على الداخل اللبناني من خلال حلفاء البلدين في الداخل. والثاني يتعلق بالتوافق الدولي على إبقاء الإستقرار في لبنان على الصعيدين الأمني والاقتصادي وذلك لأسباب غير لبنانية تتعلق بمنع السوريين من الذهاب إلى الدول الأوروبية وإبقائهم في لبنان. ولفت إلى أن الكلام عن أن العقبات التي تعيق تشكيل الحكومة داخلية ولا تمت بصلة إلى الخارج يستند فيها الحريري إلى المعطى الثاني.
وأسف مخزومي لمواقف الكثير من القوى السياسية، مشيراً إلى أننا في لبنان نعتبر أننا نملك وزناً ودوراً إقليمياً، في حين أن لبنان هو ساحة في ساحات المعركة الإقليمية. ولفت إلى أنه من الضروري أن ننظر إلى الأمور بواقعية، فالعلاقات الودية الخاصة التي كانت قائمة بين لبنان ودول الخليج تتلاشى، داعياً إلى تخطي النوستالجيا التي نعيش على أنقاضها في هذا البلد، ذلك أن معظم القيادات الجديدة في دول الخليج العربي لا تعرف لبنان في ما عدا الكويت. وشدد على ضرورة أن يعي اللبنانيون أن بلدهم لم يعد يملك ما يقدمه لهذه الدول ليستعيد علاقاته السابقة بها.
ولفت إلى أن على اللبنانيين اليوم انتظار التسوية الإقليمية بدءاً من العراق مروراً بسوريا وصولاً إلى لبنان، مشيراً إلى أنه منذ العام 1975 حتى اليوم، جرى تهميش لبنان الذي لم يعط الدور الذي كان يصبو إليه، فمنذ اتفاق الطائف وما نتج عنه لم تتم دعوة لبنان إلى أي من المؤتمرات وطاولات الحوار، وكل القرارات الدولية في ما يخص الملف اللبناني صدرت في غياب لبنان. وتابع: في ظل هذه المعطيات على اللبنانيين أن يدركوا ضرورة عودة القرار الداخلي إلى بلدهم، مؤكداً أنه علينا البحث الجدي عن الأفكار الجديدة لنجد الحلول المناسبة لبلدنا، وعدم الاستمرار في سياسة التذرع بالمتغيرات الخارجية لتبرير ضعفنا في اتخاذ القرار. وأشار إلى أن الحل على الصعيد الحكومي يكون بتخفيض عدد المقاعد الوزارية من 30 إلى 24 مقعداً.
وعن أزمة الصلاحيات بين رئاستي الجمهورية والحكومة وطرح تعديل الطائف، أشار مخزومي إلى أن الرئيس الشهيد رفيق الحريري طرح في ما مضى وضع نظام داخلي لمجلس الوزراء إلا أن هذا الطرح لم يقرّ لأن كل طرف كان لديه طموح سياسي يختلف عن غيره، لافتاً إلى أن من حق مجلس الوزراء أن يلتئم في الوقت الذي يجده مناسباً سواء كان برئاسة رئيس الجمهورية أم برئاسة رئيس الحكومة وما من نص قانوني يمنعه من ذلك. كما أن رئيس الحكومة هو من يضع جدول الأعمال بالتنسيق مع رئيس الجمهورية. بالنتيجة السلطة التنفيذية في البلد بيد مجلس الوزراء مجتمعاً. وأكد مخزومي أنه منذ العام 2016 عندما حصلت التسوية الرئاسية، أصبح هنالك ما يسمى ربط نزاع بين الطرفين وباللغة المحكية “مَوْنة”، ولكن موقع رئاسة الجمهورية أعطي زخماً أكبر نظراً لتحالف الرئيس عون مع حزب الله وهو الحليف القوي وفي الوقت عينه تحالفه مع “تيار المستقبل” الذي ساعد في انتخابه، الأمر الذي جعل كل الملفات تصب عند رئيس الجمهورية، فجدول الأعمال يتم صوْغه في بعبدا، إضافة إلى مناقشة وتمرير ملفات عديدة هناك. ودعا رئيس الحكومة للاحتكام إلى الدستور والمجلس النيابي الذي يعتبر السلطة الأعلى في البلد، منعاً من تكريس هذه المعادلة كعرف لا يكفله أي نص دستوري.
واستبعد مخزومي إمكانية اللجوء إلى تعديل الطائف، لأن ما من طرف لديه مصلحة اليوم في إعادة هيكلة هذا الاتفاق بالرغم من وجود النيات عند البعض، مشيراً إلى أن هذا الاتفاق كلف اللبنانيين 170 ألف شهيد والكثير من الدمار الذي لم نستطع تخطيه حتى اليوم. ولفت إلى أنه في حال وجود نوايا لتعديل اتفاق الطائف، فمن الضروري طرحه داخل مجلس النواب لأنه المرجع الوحيد الذي يحق له اتخاذ القرار بهذا الشأن. وشدد مخزومي في هذا الإطار على أن الممارسات السياسية القائمة على “المسايرات” وتكريس العرف كقاعدة ملزمة بعيداً عن الدستور ستأخذ بلدنا إلى المجهول.
وعن العقدة السنية، لفت مخزومي إلى أن هنالك اليوم 27 نائباً سنياً في المجلس النيابي، تضم “كتلة المستقبل” 17 نائباً مع النائب نهاد المشنوق ما لم يخرج من الكتلة، في وقت هنالك 10 نواب من خارج عباءة الحريري أي ما نسبتهم 42% من مجمل النواب السنة، الأمر الذي يؤكد أن التمثيل الحصري الذي شهدناه في الماضي لم يعد قائماً اليوم. وأكد أنه شخصياً ترشح خلال الانتخابات النيابية مستقلاً ولم ينضم إلى أي من التحالفات السياسية لأنه غير مقتنع بكل البرامج السياسية الاقتصادية التنموية التي طرحتها الكتل.
وتحدث عن المعارضة السنية، فاعتبر أن هذه التسمية غير مناسبة، لافتاً إلى أنها تعني أننا صرفنا النظر عن مستوى التمثيل النيابي وركزنا فقط على مستوى الطائفة والمذهب، كما أنها تعني أنهم معارضة ضد السنة والمسيحيين والشيعة. وأضاف: لم أسمع لغاية اليوم عن أي مشروع سياسي تنموي طرحه هذا التكتل السني.
وأشار إلى أننا جميعاً كنواب سنة سمينا الرئيس الحريري لتكليفه تشكيل الحكومة. وتابع: إذا كنا نريد تطبيق معادلة أن يكون هنالك وزير لكل 4 نواب فمن الطبيعي أن يمثل النواب الـ10 بنائبين على أقل تقدير، ومن الطبيعي أيضاً أن لا يستأثر النواب الـ17 المنتمين إلى “تيار المستقبل” بالمقاعد الستة للطائفة السنية، لافتاً إلى أن هؤلاء النواب ينقسمون ما بين 6 أطلقوا على نفسهم تعبير المعارضة السنية و4 مستقلين، مقترحاً أن يفاوض الحريري على الأقل مع هؤلاء المستقلين الذين يحق لهم بوزير واحد.
ولفت إلى أنه على الصعيد الشخصي كان موقفه واضحاَ وصريحاً عندما أعطى التفويض والثقة للرئيس سعد الحريري، مشيراً إلى أنه بغض النظر عما حصل خلال الانتخابات النيابية والمعركة الشرسة التي شنت ضده، لكنه اليوم يتطلع إلى ما يمكن تحقيقه من أجل إنماء البلد، مشيراً إلى أنه عندما اجتمع بالحريري أبلغه أن مصلحتهما واحدة هي تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي لبيروت. وتحدث معه عن العقد التي أبرمه مع أهل بيروت ضمن برنامجه الانتخابي، داعياً إياه لتبني مضامين العقد، لا سيما أنه يركز على المشاكل التي برزت مؤخراً إلى الواجهة كالكهرباء والنفايات والمستشفيات والتعليم والمساحات الخضراء والأمن… وقال: الحريري تبنى معظم هذه المطالب، مشيراً إلى أنهما اتفقا على التقارب ومدّ اليد بعد صدور البيان الوزاري. وأضاف: إذا أثبت الحريري نيات جدية فإننا سنعطيه صوتنا في جلسة الثقة أما إذا ثبت العكس فإنني سأكون في صف المعارضة.
وتابع مخزومي: ما يهمنا أيضاً هما موضوعين أساسيين الأول هو ملف الاستراتيجية الدفاعية والثاني ملف النازحين السوريين، مشيراً إلى أن هذين الملفين كانا يناقشان في الماضي على طاولات الحوار من قبل أشخاص غير منتخبين. في وقت أكد أنه وغيره الكثير من النواب سيرفضون مبدأ عقد الاتفاقات خارج مؤسسات الدولة، مذكراً بما حصل في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان الذي انتخب في العام 2008 بعدما مهد اتفاق الدوحة الطريق لتوليه رئاسة الجمهورية ولإجراء الانتخابات النيابية في العام 2009، لكن مجلس النواب مدد لنفسه حينذاك على مدى 9 سنوات. ولكي يحافظ سليمان في حينها على موقعه ودوره كرئيس للجمهورية استحدث ما يسمى بطاولة الحوار وعقد اتفاق بعبدا، وهو اتفاق بعيد من المؤسسات الدستورية.
واعتبر أنه في ظل مجلس نيابي منتخب، من الضروري عودة القرار إليه، مشدداً على ضرورة أن تناقش كل الملفات داخله حصراً وسنرفض طرحها على طاولة حوار، لأن النواب مسؤولون أمام الشعب عن معالجة الملفات الاستراتيجية في البلد.
وعن إمكانية تشكيل حكومة تكنوقراط، لفت مخزومي إلى أن الوقت لم يحن بعد لمثل هذا النوع من الحكومات، متوقعاً إمكانية الوصول إلى هذه الحكومة، لكنها في الوقت الراهن لا تزال غير ناضجة لأن كل من الرئيسين بري أو الحريري أو الثنائي الشيعي غير جاهزين ذهنياً أو نفسياً لحكومة تكنوقراط، وذلك يعود إلى أسباب تتعلق بالوضع الاقتصادي والمالي للبلد.
وفي هذا الإطار، استعرض مخزومي روايتين اقتصاديتين يتم يتداولهما مؤخراً، إحداهما تؤكد أن لبنان دخل مرحلة الخطر والإفلاس، والأخرى تشير إلى أن البلد بخير وبعيد عن أي خضة مالية. وقال: القوى السياسية لم تقتنع بعد أن لبنان على حافة الهاوية، مشيراً إلى أن همها الأول اليوم هو مصالحها وتحقيق طموحاتها السياسية.
واعتبر أن لبنان اليوم أمام خيارين، فإما الإسراع بتشكيل حكومة سياسية ضمن التحالفات القائمة ويكون من شأنها الإشراف على إنقاذ البلد من المأزق الاقتصادي القريب، وإما الوصول إلى الأزمة الاقتصادية التي تقود تلقائياً إلى تشكيل حكومة تكنوقراط، مؤكداً أن السياسيين ينقلون صورة خاطئة عن الوضع الاقتصادي المتدهور لأن مصالحهم السياسية تقتضي ذلك.
وأكد أن اللجوء إلى تشريع الضرورة اليوم دليل واضح على الخطر الاقتصادي الذي يهدد لبنان، مشيراً إلى أن الجدل الحاصل على صعيد الدعوة إلى عقد جلسة تشريعية غير مجدٍ، إذ إن أمام المجلس النيابي اليوم حوالى 39 مشروع قانون يتعلقون بالخصخصة والشفافية والنفط والغاز والوساطة القانونية و”مؤتمر سيدر”، معتبراً أن مصلحة لبنان تقتضي التشريع. وتساءل: ماذا إذا تأخر تشكيل الحكومة هل تتوقف معالجة الملفات والمشاريع في البلد؟ ولفت إلى أن تشريع الضرورة لن ينتقص من صلاحيات الحكومة إنما سيكون كفيلاً بمساعدة المواطن على متابعة حياته اليومية، كما أنه سيسمح للبنان بالحصول على القروض التي من شأنها تطوير اقتصاده.
وتحدث في هذا الإطار عن الاجتماع الذي يعقده صندوق النقد الدولي في بالي الإندونيسية الشهر القادم، مشيراً إلى أن البنك الدولي عرض على لبنان 5 مليار دولار. وتابع: هذه المبالغ مخصصة لتطوير قطاعات مختلفة أهمها الصحة التي تشهد اليوم أزمة مستعصية خصوصاً على صعيد الإدارات والصيانة ونوعية الطبابة المقدمة في العديد من المستشفيات الحكومية. لكن في الواقع من المقرر الاستفادة من هذه القروض في مجال بناء المستشفيات، الأمر الذي يؤدي حتماً في ظل سوء الإدارة، إلى الفساد.
وتساءل لماذا تتحول هذه المبالغ التي تعتبر ديناً مترتباً على لبنان إلى بناء المستشفيات، في وقت توجد 220 مؤسسة خدماتية في البلد حاصلة على شهادات عالمية في مجال العناية المبدئية، من بينها مؤسسة مخزومي. وشدد على ضرورة الالتفات إلى دعم وتطوير هذه المؤسسات للاستفادة منها، لأن من شأنها تلبية 70% من متطلبات المواطن الصحية بكلفة منخفضة جداً عما هي الحال في المستشفيات، علماً أن هذه المؤسسات من شأنها تقديم العلاج لحوالى مليون و900 ألف لبناني. وقال: إذا استطعنا إنشاء 30 مؤسسة مماثلة، فإننا نوفر بذلك العناية الصحية لنصف الشعب اللبناني بكلفة زهيدة جداً، ونبتعد بالتالي عن التوظيف السياسي والاستثمار في بناء المستشفيات الذي يكلف مبالغ طائلة في وقت يسود الفساد الإداري والطبي غالبية هذه المستشفيات.
وعن الوضع الاقتصادي، لفت مخزومي إلى أن احتياط العملات الصعبة في البنك المركزي يصل إلى حدود الـ43 مليار دولار، أما الذهب فيبلغ حوالى 11 مليار دولار، بمعنى أن البنك المركزي يملك 54 مليار دولار وهو ما يوازي تقربياً الاقتصاد اللبناني. وأضاف: هنالك الكثير من الأسباب التي أدت إلى نشوء أزمة إقتصادية في البلد، ومنها تقلص حجم التحويلات المالية من الخارج، ففي حين كانت تبلغ في الماضي 9 مليار دولار انخفضت لتصبح 7 مليار دولار بعد العام 2008.
وتابع: لبنان اليوم بلد محاط بالحروب ولا إمكانية للتصدير، خصوصاً أن معظم صادراته من مواد البناء أو المحاصيل الزراعية تتجه نحو الخليج، مشيراً إلى أنه مقابل انخفاض حجم الصادرات، ارتفعت نسبة الاستيراد إلى 20 مليار دولار، بمعنى أن النفقات بلغت 20 مليار دولار في حين أن الدخل لا يتعدى 7 مليار دولار. الأمر الذي يعني انخفاضاً في حجم العملات الصعبة في البلد. وهذا الحال دفع بالبنك المركزي ووزارة المالية إلى إصدار سندات اليورويوند لجذب المبالغ الكافية بالدولار.
ولفت مخزومي إلى أن لبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي لا يتعامل فيه كل من البنك المركزي ووزارة المالية في إطار سياسة مالية موحدة، مبدياً تخوفه على الوضع الاقتصادي، خصوصاً في شأن سعر صرف الليرة، لافتاً إلى أنه منذ العام 1992 انصبت أهداف البنك المركزي على تثبيت سعر صرف الليرة، الأمر الذي سمح بتحوّل الاقتصاد اللبناني إلى اعتماد سياسة نقدية فقط، فتم استصدار سندات خزينة بفوائد بلغت 45% وخُفض سعر صرف الليرة إلى 1500 ليرة، ومنذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا حافظ مصرف لبنان على ميزانين: الأول سعر صرف الليرة الثابت والثاني هو الفوائد المرتفعة التي تدخل في تمويل السوق العقاري.
وأضاف: النموذج الذي اعتمده لبنان منذ العام 1992 حتى اليوم أصبح هشاً ومفلساً، داعياً إلى ضرورة العمل الجدي لإعادة إصلاح البنية الاقتصادية، واعتماد سياسة تنموية اقتصادية من شأنها تحريك السوق اللبناني.
ولفت مخزومي إلى أن وزير المالية كشف أن العجز في الموازنة بلغ 7% في العام 2017 في حين وصل إلى 9% في العام 2018 ومن المتوقع أن يبلغ 11% في العام 2019، مشيراً إلى أن السبب في ذلك يعود إلى أن الأموال التي تقتطع من الموازنة تذهب إلى تسديد النفقات، لافتاً إلى أن هذه الآلية غير مجدية ومن شأنها تضييق الخناق على اللبنانيين، مستعرضاً ما حصل في ملف سلسلة الرتب والرواتب التي لا نزال حتى اليوم لا نعرف حجمها أو كيفية التعامل معها أو إيجاد الحلول المناسبة لها. كما تحدث عن خدمة الدين العام التي من المتوقع أن تصل إلى حدود 6 مليار دولار خلال العام المقبل. وقال: عندما نصل إلى مرحلة تصبح معها كلفة الدين عالية سندخل حتماً في الركود الاقتصادي.
وشدد على أنه من غير الممكن أن نستمر بانتظار ما سيتفق عليه السياسيون، مؤكداً أن الواقع يشير إلى أن الاقتصاد اللبناني في خطر. في حين أكد أن المصارف لديها المصلحة في التخفيف من وتيرة الخوف على الوضع الاقتصادي لكي لا ينسحب هذا الخوف إلى مسار التحويلات المالية الداخلية والخارجية. كما أن القوى السياسية تعتبر أن المخاوف التي يطلقها الخبراء ورجال الإعمال لا تتعدى كونها تهويل وتضخيم تمهيداً لإرساء منطق الابتزاز. وقال: نحن كرجال أعمال واقتصاديين لا نسعى إلى ابتزاز أحد من الأفرقاء السياسيين ولكننا ننبه لما ستؤول إليه الأمور على غرار ما حصل مع العديد من بلدان العالم.
وعن تحريك المبادرات في القطاع الخاص، لفت مخزومي إلى أن هذا الأمر لا يغني عن دور الدولة، لكن الخبرات في القطاع الخاص بإمكانها أن تساهم في النهوض الاقتصادي، لافتاً إلى أن منتدى الحوار الوطني طرح إمكانية استثمار الطاقات اللبنانية المتواجدة في البلد وخارجه والتي نجحت في مجالات تخصصها من أجل تشكيل لوبي اقتصادي يدفع باتجاه اعتماد سياسة اقتصادية تنموية وتطبيق مفهوم الاقتصاد الإيجابي الجامع الذي يسمح بتفعيل جميع المصادر الاقتصادية وحمايتها ويشجع الشركات الكبرى للاستثمار في لبنان ويدعم روح المبادرة والريادة وهو على قدر كبير من المسؤولية البيئية والاجتماعية.
وفي معرض الحديث عن “مؤتمر سيدر”، لفت مخزومي إلى أن الحكومة توجهت إلى باريس وطلبت استدانة 11 مليار دولار لتغطية تكاليف 250 مشروعاً، علماً أن ما من جهة ستهبنا المال إلا في ما خص تمويل الجيش اللبناني، وما تبقى سيكون دين مترتب على الدولة. بمعنى أن باريس اشترطت أن تستثمر شركاتها في لبنان مقابل إعطائه المال الذي يحتاجه لتطوير البنى التحتية. وشبه مخزومي الوضع القائم في هذا الإطار بالصنبور الذي يفتح في الخارج ويعطي المال في مقابل بالوعة مفتوحة على مصراعيها في الداخل قوامها الهدر والفساد، مشدداً على ضرورة محاربة الفساد في الداخل قبل اللجوء إلى الخارج لطلب المساعدة.
وأكد أن أزمة لبنان الأساسية هي الفساد المستشري على صعيد البلد بالكامل، وهو ما لمسه عن قرب بعد دخوله الندوة البرلمانية، مشيراً إلى أن مؤسسات الدولة متآكلة من الداخل، بدءاً من التوظيف السياسي والمحسوبيات مروراً بالتدخلات السياسية في الشؤون الاقتصادية والقضائية وغيرها وصولاً إلى هدر مال الدولة على المشاريع السياسية والطموحات الانتخابية. ودعا إلى ضرورة الالتفات فقط إلى مصلحة البلد، و”صحتين” لمن يفوز في الانتخابات النيابية بعد 4 سنوات.
وعن تشجيع المؤسسات الصغيرة ونظام الـ”ستارت أبس”، لفت مخزومي إلى أن المجلس النيابي سمح للبنك المركزي أن يسير بهذا المشروع، والأخير قدم التسهيلات وساعد في هذا الإطار بناء على التعميم رقم 331، وخصص لهذا النظام مبلع 400 مليون دولار. في وقت أكد أن الموضوع لا يقف عند حدود تسهيل عمل المؤسسات الصغيرة ونظام الـ”ستارت أبس” بقدر ما يقوم على توفير الجو الاقتصادي الملائم للاستثمار، لافتاً إلى أن ما يحصل فعلياً هو أن معظم اللبنانيين الذين يملكون الأفكار الاستثمارية والمشاريع يفضلون الهجرة والاستثمار خارج البلد، في كل من أوروبا وأميركا وغيرها من البلاد التي تقدر المستثمرين وأصحاب الخبرات. وأشار إلى أن رجال الأعمال والمستثمرين لا يثقون بالطبقة السياسية وبالسلطة الحاكمة، مؤكداً أنهم سيعودون إلى الداخل فقط عندما نضع حداً للفساد ونطبق مبدأ الشفافية ونبعد السياسة عن الاقتصاد والقضاء.
وعن ملف النفط والغاز ودورة التراخيص الجديدة، لفت مخزومي أن لبنان دخل في النفق. وبالرغم من إصراره على أن المداخيل التي ستأتي من قطاع النفط والغاز لن تكون بالمستوى ذاته لو أن شروط الترسية كانت مختلفة عما هي حالها اليوم، لكنه شدد على المطلوب اليوم بعد انطلاقة دورة التنقيب عن النفط والغاز وفتح الباب أمام ائتلاف الشركات الدولية هو الاتجاه إلى إنشاء شركة وطنية وصندوق سيادي من شأنهما أن يحفظا المال العام، والعمل على أن يكون المجتمع المدني والخبراء والإعلام مشتركين في الإشراف عليه لابعاده عن المحاصصة وتحقيق الشفافية المطلقة. ولفت إلى أن ملف النفط والغاز هو الأمل الجديد للبنانيين ويجب التعامل معه بشفافية وإبعاده عن الفساد والمحاصصة.
وأكد مخزومي أن ملف المحكمة الدولية يؤثر بشكل مباشر على تشكيل الحكومة، مشيراً إلى أن ردة الفعل التي حصلت بعد تسمية شارع باسم مصطفى بدر الدين جاءت بسبب تأخر وزارة الداخلية في الردّ على الطلب الذي قدم منذ 13 شهراً، الأمر الذي يؤدي حتماً إلى ظهور الحساسيات الطائفية في هذا الوقت الدقيق، متمنياً لو أن ذلك لم يحصل لأنه يثير النعرات الطائفية، ومتسائلاً ما هدف وزارة الداخلية من عدم الردّ على طلب تسمية الشارع وطي الملف من دون البت فيه.
وختم مخزومي بتجديد التأكيد على ضرورة اعتماد سياسة النأي بالنفس وتطبيقها من قبل القوى السياسية كافة. كما تمنى على كل الأطراف تخطي المرحلة الراهنة بالحدّ الأدنى من الخسائر، لأن الوضع الاقتصادي الخطر سيطال الجميع بغض النظر عن طوائفهم ومذاهبهم، داعياً الجميع إلى التفكير الجدي بمستقبل الشباب والخروج من الألعاب السياسية الضيقة التي لن توصلنا إلا إلى الدمار.