طوني عيسى – الجمهورية
هل من المعقول أن يكون تمثيل «القوات» في الحكومة، بعدما أصبحت كتلتها النيابية 15 نائباً، أضعف ممّا كان في الحكومة السابقة، عندما كانت كتلتها 8 نواب فقط؟!
الواضح هو أنّ حصة «القوات» محدّدة بـ 4 وزراء، والأرجح أن تضمّ: نائب رئيس الحكومة ووزارة الثقافة ووزارة دولة وأخرى غير محددة حتى الآن، لكنها ليست وزارة التربية. وعلى رغم أنّ هذه الحصة زائدة عددياً، فإنها تُشكل تراجعاً نوعياً عن الحصة السابقة. فصحيح أنّ «القوات» تمثّلت بـ3 وزراء، إلّا أنها شغلت 3 وزارات مهمّة.
وما أن لاح الضوء الأخضر للتأليف حتى هرول كل طرفٍ والتقط حقيبة وزارية ووضعها في جيبه… ولم يبقَ لـ«القوات» أيُّ حقيبة ذات شأن.
وفق ما يبدو، حتى «التربية» أخذها جنبلاط، و»القوات» لا تريد الزعل معه من أجل حقيبة. وأما «العدل» فكان عون يتمسّك بها.
رضيت «القوات» عددياً، بالوزراء الأربعة، ولكنها مشمئزة نوعياً. وفي رأي البعض، كان الأفضل لها أن تحصل على وزارة فاعلة بدلاً من التمسّك بموقع نائب رئيس الحكومة «الفخري». والأرجح أنها في الساعات المقبلة ستواجه عقبات صعبة في المفاوضات الجارية لتحسين تمثيلها.
مشكلة «القوات» أنها لا تمتلك كثيراً من الأوراق لمقايضتها والمطالبة بحصة عادلة. وهي تدرك أنّ بعض خصومها («التيار الوطني الحر» تحديداً) يتصلّبون بمواقفهم لأنهم يريدون إحراج «القوات»، ولا مانع لديهم من إخراجها.
ولذلك، يبقى رهان «القوات» على الرئيس المكلف سعد الحريري، وعلى تمسّكه بحكومة متوازنة، وحفاظه على حصة عادلة، ولو جاءه الضوء الأخضر الإقليمي بالتسريع، خصوصاً أنّ هذا التوازن هو مطلب الحلفاء السعوديين.
ولكن، وفق ما يدور في بعض الأوساط القريبة من الحريري، إن على القوى السياسية أن تُحصّل بنفسها ما تستطيع تحصيله من حصص وحقائب، لأن من الصعب على أيّ طرف أن يقاتل من أجل طرف آخر، ولو كان هو الرئيس المكلّف.
ويتردّد أنّ الحريري قد لا يتمكن من «فتح أبواب مغلقة» عليه، لأنّ أطراف 8 آذار غضّوا النظر عن تمثيله الحصري للطائفة السنّية وأسكتوا اعتراضات 10 نواب خارج «المستقبل». كما أنّ جنبلاط قد يكتفي بالحفاظ على مصالحه، فيرتضي التسوية على الوزير الدرزي الثالث وحصوله على حقيبة «التربية» وربما حقيبة وازنة أخرى.
لذلك، سيكون صعباً على الحريري وجنبلاط أن يساعدا جعجع على مواجهة التجاذبات الدائرة لتأليف الحكومة. فالجميع في وضعية «يا ربّ نفسي» ولا أحد قادر على مساعدة أحد «من كيسِه». وهنا مكمن الخوف على جعجع من الحصار والعزل. ولا يبدو هذا الوضعُ مستغرَباً في نظر كثيرين. فعدد من الأوساط «القواتية» والحليفة كان يحذّر، خلال الأشهر الـ5 الفائتة، من احتمال حصول عملية إنعاش مفاجئة لتسوية 2016، قوامها «الثنائي الشيعي» و«المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، يُراعى فيها موقع جنبلاط، كقطب درزي أساسي، ولكن، يتمّ إهمالُ جزء كبير من حصّة «القوات»، بذريعة الوقت الضاغط والحاجة إلى إنقاذ البلد، بتغطية إقليمية ودولية.
ووسط اهتزاز علاقتها بـ«التيار»، خلال هذه الفترة، راهنت «القوات» على استعادة تحالفها السياسي الثابت مع الحريري، وإنهاء ذيول الفتور والتأزّم الذي ساد خلال مرحلة سابقة. كذلك سعت إلى تدعيم علاقتها بجنبلاط، فيما كانت العلاقة بين كلّ من الحريري وجنبلاط تتراجع مع «التيار»، أي إنّ «القوات» راهنت على إنعاش حالة 14 آذار.
وساهم المناخ الإقليمي في تكريس هذا الاتّجاه. فـ«القوات» كانت مرتاحة إلى أنّ حال الانسجام مع الحريري وجنبلاط، تحظى بتغطية الحليف السعودي الذي تكفَّل بإزالة مفاعيل سوء التفاهم الذي ساد خلال أزمة 4 تشرين الثاني 2017.
وراهنت «القوات» على أنّ تعويم 14 آذار، كحالة اعتراض سياسي داخل الحكومة المقبلة، من شأنه خلق توازن الحدّ الأدنى مع الغالبية النيابية والوزارية، أي 8 آذار. وقد شجّع الحليف العربي على إنتاج حكومة تراعي هذا التوازن، ولكن، ربما جاءت المعطيات الإقليمية الطارئة لتفرض ولادة الحكومة سريعاً.
ويسأل المتابعون: إلى أيِّ حدّ سيلتزم الحريري أن يدافع عن حصة «القوات»؟ وكيف سيوازن بين مراعاة «القوات» ومراعاة التسوية مع عون والوزير جبران باسيل الذي يبذل كل جهدٍ للحدّ من تأثير «القوات» حكوميّاً، ويسعى إلى عرقلة التقارب بين جعجع وفرنجية لما يمكن أن يؤدّي إليه من معطيات على الساحة المسيحية؟
وفي هذا السياق، تعمَّد باسيل أن يتحدّث عن جعجع وحادثة إهدن بنحو استفزازي، أي أنه حاول أن يسدّد ضربة مُحرَّمة للتأثير على عملية التقارب بين خصميه المارونيّين، إمعاناً في إضعاف فرنجية وعزل جعجع.
في أيّ حال، في خلفية تفكير «القوات»، هناك دائماً مكان للشعور باحتمال التعرُّض للعزل. وربما كان ذلك عائداً إلى ترسّبات الأعوام الـ11 التي أمضاها جعجع في السجن. فكثير من القوى السياسية الشريكة لـ«القوات» في السلطة اليوم شاركت في عملية اضطهادها آنذاك، وهي لم ترغب في التخلّي عن مكاسبها المحقّقة على رغم انتهاء تلك الحقبة.
وهناك حيثيات تدفع اليوم إلى الاقتناع بأنّ بعض خصوم «القوات» يرغبون في محاصرتها وإضعافها، فيما آخرون قد يستعجلون إنجاز التسوية من دونها، فيكتفون بإنقاذ رؤوسهم وصون مصالحهم… ويتركون «القوات» على قارعة الأزمة الحكومية «تُقلِّع شوْكَها بيديها»!
في «القوات» يقولون: «معتادون على مواجهة الحصار والعَزل. وسبق أن وُضِعنا 11 عاماً في الحبس الانفرادي، وها نحن في كل يوم أقوى. سنحبط أيّ محاولة لزجّنا- سياسياً- في «الحبس الانفرادي» مجدداً».