يراوِح مأزق تشكيلِ الحكومة الجديدة في لبنان في دائرة التعقيدات التي تتركّز على الحصص والتوازنات وسط إشاراتٍ متزايدة لإمكان تَحوّل هذا الملف “جاذبة صواعق” ذات صلةٍ بالنظام والصلاحيات، ما يشي بإدخال البلاد في دوامةٍ من الفوضى السياسية والدستورية ما لم يجرِ قطْع الطريق على هذا المسار بمعاودة “تأطير” الأزمة في حدود “شدّ الحبال” المعهود حول الأحجام تمهيداً لاستيلاد الحكومة ضمن المهل المتعارَف عليها.
وعلى وقع “الهدنة” التي أعلنها حزب “القوات اللبنانية”، بعد زيارة رئيسه الدكتور سمير جعجع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري مساء الاثنين، مع “التيار الوطني الحر” (حزب الرئيس ميشال عون) في سياق “حصْر” الاشتباك المسْتعِر بين الطرفيْن المسيحييْن وتَشظّياته على خلفية رفْض فريق عون حصول “القوات” على حصة وازنة في الحكومة الجديدة (4 وزراء مع نيابة رئاسة الحكومة أو حقيبة سيادية)، فإنّ المعلومات التي توافرتْ أمس حول آخر “مؤشرات بورصة التأليف” تحدثت عن ان العملية “تدور في مكانها” وسط علامات انتقال “التيار الحر” من “شجرة الى أعلى” في المسار التفاوضي الذي أخذ يدور “خارج الصحن الحكومي” المباشر ويتمدّد نحو عنوان “الصلاحيات الرئاسية المنتزَعة في اتفاق الطائف”.
وتحدّثت أوساط سياسية عبر صحيفة “الراي” الكويتية، عن مخاوف يثيرها استحضار فريق عون المتجدّد مسألة حصة رئيس الجمهورية في الحكومة من زاوية أنها “عُرف يُكرِّسه الموقع الرئاسي في ذاته، اذ بعدما انتزع اتفاق الطائف صلاحيات مهمة من رئيس الجمهورية، بات لزاماً منْح الثلث الضامن له في الحكومة كونها الأداة التنفيذية التي يمكن من خلالها ان يترجم خطاب القسم” وبما يمكّنه “من إحداث توازن مطلوب مع الرئاسة الثالثة في مجلس الوزراء”، مشيرة الى ان هذا الكلام الذي يعكس في جانب منه رفْع فريق عون شروطه في الملف الحكومي لتشمل الحصول على الثلث زائد واحد (لرئيس الجمهورية وتكتله النيابي “لبنان القوي”)، ينذر بأزمةٍ حقيقية في البلاد ما لم يكن في سياق “حرب السقوف” وإذا شكّل “أجندة” فعلية للعهد.
ولفتت الى ان الحريري لن يكون في وارد التساهل بإزاء أي أعراف تمس “الطائف” وصلاحيات رئيس الوزراء هو الذي كانت أوساطه انبرت الى انتقادٍ ضمني لعون على خلفية “مسلسل الأعراف” الذي كان محصوراً علناً بربْط مقعد نائب رئيس الحكومة برئيس الجمهورية، قبل ان يتظهّر تباعاً ان “عقدة القوات” تشكل “رأس جبل جليد” مسعى لجعل حصة رئيس الجمهورية وكتلته النيابية الثلث زائد واحد، وهو ما يجعل الرئيس المكلف امام محاولة تصدٍّ مزدوجة أولاً لمنحى يراد منه ان يمسّ التوازن السياسي كما يُعتبر التفافاً على الإصلاحات الدستورية في نظام الطائف، وثانياً لسعي “حزب الله” الى “اللعب” بالوزن التمثيلي للحريري من خلال الإصرار على تمثيل النواب السنّة الموالين له كتعبيرٍ عما يراه الحزب انتهاء حصرية تمثيل زعيم “المستقبل” للطائفة السنية وفق ما عبّرتْ عنه نتيجة الانتخابات.
وتعتبر هذه الأوساط ان الساعات المقبلة يفترض ان تحمل أجوبة عما اذا كانت اندفاعة فريق عون “المتعدد الجبهة” هي في إطار تحسين شروط التفاوض بهدف حصْر تمثيل “القوات” (التي يدعمها الحريري) كحدّ أقصى بأربعة وزراء بلا نيابة رئاسة الحكومة ولا حقيبة سيادية (يرمي “التيار الحر” كرة حصول القوات عليها بملعب قبول المكونات الأخرى بذلك) أم في سياق أبعد من الملف الحكومي، ملاحِظةً ان فريق الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بات يضع إصراره على رفْض أي تمثيل درزي في الحكومة من خارج عباءة الحزب “التقدمي الإشتراكي” والكتلة المحسوبة على جنبلاط تحت سقف “التصدّي لمحاولة العودة الى ما قبل الطائف” عبر السعي المكشوف لتكريس أعراف من خارج الدستور.
وفي حين كان رئيس مجلس النواب نبيه بري يستعدّ أمس للسفر في إجازة خاصة تستمر حتى 7 تموز المقبل، في مؤشر الى ان المراوحة ستستمر في الملف الحكومي، رغم إبدائه الاستعداد لقطع إجازته عند أي مستجدّ، فإنّ دوائر مراقبة تطرح علامات استفهام حول مدى قدرة البلاد على تَحمُّل أزمة حكومية طويلة في ظل وضع اقتصادي ومالي دقيق، ووسط كلام نُقل عن الحريري قوله أمام جعجع من ان «أزمة اقتصادية كبرى مقبلة على البلاد، ولا بد من الإسراع بتأليف الحكومة لمواجهتها”، ناهيك عن ان عون يعوّل على ما كان وَصَفَه بـ «حكومة العهد الأولى بعد الإنتخابات” لتحقيق الانطلاقة الفعلية قبل نحو اربعة أشهر من دخول ولايته سنتها الثالثة.
وفي موازاة ذلك، لم تتوان تقارير عن طرْح سيناريواتٍ لمَخارج نقلاً عن زوار رئيس الجمهورية الذي سيزوره الحريري في اليومين المقبلين، متحدّثين عن عزْم عون خلال الأيام المقبلة على حسم الموضوع الحكومي وانه يميل جدياً الى حكومة إنقاذ من 24 وزيراً بحال استمرار العقد الراهنة “وقد تتشكل من مرجعيات وفاعليات مناطقية واقتصادية ورجال أعمال وتكون بعيدة عن المجلس النيابي وأعضائه”، وسط اعتبار أوساط مطلعة ان مثل هذا الطرح يصعب ان يكون من خارج إطار رفع سقوف التفاوض ولا سيما ان الحكومة العتيدة مرشّحة لأن تعمّر حتى نهاية العهد وأمامها تحديات سياسية داخلية وخارجية ناهيك عن الملف المالي الشائك.