أخبار عاجلة
لينكدإن تُعلن رسميًا إيقاف ميزة تشبه “كلوب هاوس” -
فاكهة "الشيريمويا".. أكثر الأطعمة المغذية في العالم -

مات زوجها وزيّنت سريرها وبقي أثر الدم.. بكلمة عربية

مات زوجها وزيّنت سريرها وبقي أثر الدم.. بكلمة عربية
مات زوجها وزيّنت سريرها وبقي أثر الدم.. بكلمة عربية

منذ اللحظة التي يموت فيها، الزوج، تصبح زوجته، أرملة. ويشدّد بعض رؤساء العربية، على أن الزوج إن ماتت زوجته، لا يقال عنه، أرمل، ذلك أن وفاة الزوج، ترمِّل زوجته، فتسمى أرملة لذهاب زادها وفقدها كاسبها، بحسب لغويين رأى بعضهم، أنه قلّما يستعمل الأرمل في المذكّر.

والأرملة، أصلا، قادمة من الرّمل، واكتسبت المرأة المتوفى زوجها، هذا الاسم، من الالتصاق بالرمل، كإشارة إلى فقر وعوز شديدين، فتصبح المرأة أرملة، من هنا، إذ فقدت بعلها، ولهذا كانت العربية تقول بالمرمل، بمعنى الرجل الذي لا زاد معه. ويضيف صاحب مقاييس اللغة، بأنه سمي بذلك، لسببين، إمّا رِقّة حاله، وإمّا للصوقه بالرمل، من فقره. ويضيف على ذلك: والأرمل، كالمرمل. ويقال: أرمَلوا، إذا نفد زادُهم. وإذا كان الأخير من مجاز اللغة، فإن أرملة المرأة من المجاز أيضاً.

وكلّه بحسب رؤساء العربية الذين يقولون عن أرملنا، بمعنى نفاد الزاد، أصلها من الرَّمْل، كأنهم لُصِقوا بالرمل! ثم قفز المجاز في العربية، ليصبح الترميلُ، في الكلام، إذا لم يكن صحيحاً، فالترميل في هذا الاستعمال، بعثرة الشيء، كما حال الرمل نفسه، لو تطاير على غير هدى، في صحراء العربي.

عائلة لسانية حاسمة

والأرامل، تقال للنساء والرجال، عند بعض أهل العربية. ويقال أرملتِ المرأةُ، من زوجها، وأرمل الرجل، من زوجته.

كلمة الرمل العربية، بالغة التأثير في سليقة العرب وقريحتهم، ففضلا من كونها جزءا جوهريا من عالم الصحراء، بل وجودها علامة للصحراء وبدونها لا وجود لها، فهي أصلاً، تنتمي إلى عائلة لسانية، تسمى عند اللغويين والنحويين وأصحاب المعجمات، بالحروف الذُّلْق، أو حروف الذَّلاقة، وهي ستة أحرف: الراء، واللامُ، والنون، وهي تخرج من ذَلق اللسان، ثم ثلاثة شفوية، هي الفاء، والباء، والميم. وهذه الستة، هي أحرف الذلاقة، وأخذت منها، كلمة رمل، نصفها، بالكامل، ثلاثة أحرف.

تكوين غير عادي، في أبنية العربية. كلمة رمل، تقتطع من أحرف الذلاقة الستة، نصف عددها. لكن ما قيمة هذه الأحرف، أصلاً؟

حروفها من أصل كلام العرب

حروف الذلاقة والشفوية، خطيرة، جسيمة، في اللسان العربي. ففي بعض الأبنية، إن جاءت كلمة، تخلو من أي حرف منها، فتكون الكلمة بالقطع، ليست من كلام العرب! من هنا، فإن الحروف الستة، تلك، كاشفة وحاسمة، ومن أهم عناصر عربية الكلام، في بعض الأبنية.

وأوضح الفراهيدي، في معجمه، بأن طبيعة تلك الحروف، لما ذلقت على اللسان، سهلت عليه في المنطق، فكثرت في أبنية الكلام العربي، لاحقاً. فيؤكد بأن كل بناء رباعي أو خماسي، يخلو من حرف أو أكثر من الحروف الذلق أو الشفوية، فهو يكون مبتدعاً أو محدثاً وليس من كلام العرب.

بهذا السياق، وتلك الخلفية اللسانية، تأتي كلمة رمل، أخذت من الذلق، الراء واللام، ومن الشفوية، الميم. فصارت نموذجا تاما من نماذج الكلام العربي الفصيح، وربما لهذا، أخذت في المجاز والاشتقاق، كل مأخذ، وخرج منها، ما لا يحصى من الدلالات المتباعدة، معنى، والمتحدة، أصلاً.

حركة الرمل تحرِّك اللغة

ويوضح ابن فارس في مقاييسه، بأن رملَ، أصلٌ يدلّ على رقة في شيء، ثم يدل على درجة من الجمع والضم. ولهذا وجد اللسان العربي، قول رملت الحصير، إذا رققت نسجه. بل إن تُرمَل، تعني تُنسَج، بقول ابن سيده.

تحافظ الحركة التي في الرمال، على نفسها في العربية، كما يراها العربي في الصحراء، فمرة تتطاير، ومرة تتجمع، ومرة تثبت في كثبان، فرمَل الثوبَ، لطَّخه بالدم، بحسب العربية القديمة، لكن الدم هنا، لا وجود لمعنى خاص به، كلون أو موت أو حياة، إنه مجرد تشابه مع حركة الرمال، فالتلطيخ، بقع، نقاط، وأجزاء، كالرمل نفسه في حركته العشوائية أحياناً. من هنا، رمل الثوب، لطّخه بالدم، وهي علامة، ذلك أن العرب، استعملت الترميل كعلامة، لأن الرمل نفسه، علامة: "أرمل السهم، تلطّخ بالدم، فبقي أثره فيه" يقول تاج العروس.

الأرملة تزيّن السرير أيضاً

الرمل، علامة، في أكثر من كلمة، فالعرب تسمّي الخطّ الأسود على ظهر الغزال، بالرُّملة! ويقال نعجة رملاء، سوداء القوائم كلها، وسائرها أبيض. وفي ذلك أعلى أشكال العلامة، إنه التمييز بعينه. ويقال الأرمل من الشاء، وهو الذي اسودّت قوائمه كلها، والأنثى منه، رملاء. وللتمييز أكثر، ومع أنها أرملة إذا مات زوجها، فهي إذا زيّنت السرير، تعود إلى أصل البناء نفسه، فرمَلَ السريرَ، زيَّنه بالجواهر، أو زيّنه بأي شيء آخر. لأن الأمر الهام، العلامة، لا مضمونها، فيأتي الرَّمل كله، بمعنى خطوط في قوائم البقر الوحشية، مخالفة لسائر لونها. ذلك أن دورها، فقط، منحصر بالعلامة والتمييز.

والحركة التي في الرمل، تواصل مسيرها في اللسان العربي، مصحوبة بقوة ذلاقة وشفوية حروفها، فالرّمَل، من أوزان الشعر العربي، ويشار به عادة، إلى كل شعر غير مؤتلف البناء، كما يرى صاحب المحكم، يدعمه في ذلك أن الرّمل، تعني القليل من المطر، أو ضعيفه. وتستمر حركة الرمل في الواقع، حركةً في اللسان العربي: أرملَ الحبلَ، طوَّلَهُ. بل إن توسيع القيد، من هنا، أيضاً: أرملَ قيده، أو أرمل له في قيده، وسّع فيه، والتوسيع الذي يعني الزيادة في الحجم هنا، هو أصلا يعني الزيادة، في الرمل، يقول تاج العروس: "الرَّمَلُ، الزيادة في الشيء".

سحر الكثبان أوجد الرَّمَّال!

ولم تنته حركة الرمل في الواقع، حركةً في العربية، بالمعنى المباشر للكلمة، فالرَّمَلُ نوعٌ من الهرولة.

وتكمل حركة الكلمة، مجازاً في اللغة، فكما يأتي وقت وتسكن فيه حركة الرمال وتهمد، راسمة خطوطاً لا متناهية من الأشكال المعروفة بالكثبان، وأثرها البصري في الناظر المتمعّن بدلالتها، وهي تتغير من حال إلى حال، كاشفة شجراً أو آثار شجر هنا، أو هضبة هناك، أو بقايا عظام حيوان، أو مسفرة عن لا شيء، أو واحة قديمة، فقد تحولت تلك الحركة المفضية إلى مدلولات إنسانية وفلسفية، إلى كهانة ونوع من السّحر، إنما في الرّمل نفسه، هذه المرة.

ومنه، الضرب في الرّمل، وهو نوع من السحر والكهانة. ويوصف بأنه عِلْمٌ، في بعض معجمات العربية التي تقول إن من يقوم على هذا "العلْم" يسمى الرَّمَّال. ويقال عن استخارة الرمل، وهو خط خطوط في الرمل، تنتهي بتوقعات وتكهّنات، من الرمَّال.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى